شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن توازي متعة الجلسات الأسبوعية التي كان يعقدها القائد الراحل الدكتور عبد المجيد الرافعي في منزله بطرابلس، فيما أطلق عليه الصالون المفتوح،سوى متعة الإفادة من المعين الإنساني والثقافي الذي كان يختزنه هذا المناضل الكبير في ذاكرته الحية بفعل تجارب أكثر من سبعة عقود من السنين، فتراه دائماً حاضر الذهن والبديهة، لا تفوته تواريخ الزمن من إعادة استذكارها بالرغم مما كان قد أصاب جسد الرجل التسعيني من متاعب صحية لم تكن لتفك من ارتباطه بالناس وبمحبيه ورفاقه وأصدقاء المراحل الأولى وما تلتها من حياته الشخصية التي امتزج فيها العمل النضالي بجهد الإنسان الطبيب المكافح في سبيل بلسمة جراح الناس وآلامهم وعذاباتهم،

إلى المسؤول المتميز فكراً ومنهجاً وممارسة نيابية داخل البرلمان اللبناني حقق فيها وبما سبقها وما لحقها من مراحل، أرقى حالات التواصل مع أبناء مدينته التي انطلق منها ليمثل الشعب اللبناني، كما ينص عليه الدستور، فلا يكون فقط الممثل الصادق الأمين لمدينته الفيحاء، وإنما خير من مثلَّ لبنان في سماء العروبة وفضائها التي حلق فيها لعقود من السنين أيضاً، مناضلاً وقائداً ومسؤولاً في الحركة القومية العربية التي كان في مقدَّم من مثلَّها ولم يزل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي شغل فيه عضواً في القيادة القومية لسنين مديدة، وصولاً إلى تحمله مسؤوليات نائب الأمين العام للحزب في أحلك ظروف الشدة والقساوة والتحدي التي مرت على الأمة العربية، وعلى العراق الأشم الوطني التقدمي، بعد غزوة واحتلاله في العام 2003، واغتيال رئيسه الشرعي، الأمين العام للحزب الشهيد صدام حسين، وانتقال البعث في العراق من مرحلة قيادة الدولة إلى مرحلة تحرير القطر وإعادة توحيده وطور المقاومة المجاهدة التي يقودها المناضل الرفيق عزة إبراهيم الدوري وأحرار العراق في جبهة الجهاد والتحرير.

تلك المسؤوليات الجسام، التي ألقيت على عاتق "الحكيم" كما كان أبناء المدينة يعرِّفون ابن مدينتهم البار عبد المجيد الرافعي،
لم تكن لتشكل سوى المزيد من التحدي لديه ومواجهة ما طرأ على مسؤولياته من أثقال، فكنت تراه يتنقل بين هم المدينة وهم القطر وهم الأمة ومعاناة الوطن العربي الكبير الذي يعيش أقسى أيام محنته وعذاباته، دون أن ينسى قبلة نضاله اليومي، فلسطين، ومن غيرها، الأحب إلى قلبه وفؤاده ومعها بغداد التي تساوت في همومه مع القدس وكلاهما تحت احتلال وتسعيان بشتى أشكال المقاومة لتسطير أروع ملاحم التحرر من العبودية وصولاً إلى الحرية التي ستشع شمسها يوماً لتضيء دروب الحق لكل أبناء الأمة في مشارق الوطن الكبير ومغاربه.

وقبل رحيله بأشهر قليلة، وكأنه كان يستشعر قرب انتهاء الزاد، لم يخفِ راحلنا الكبير سعادته القصوى واعتزازه وهو يشرف على أحياء مناسبتين عزيزتين على قلبه فيشارك بهما بالروح والجسد معاً:
الأولى: في الأسبوع الأخير من شهر نيسان من العام 2017 حين رعى في دارته بطرابلس ذكرى ثلة من شهداء البعث من أبناء طرابلس الذين استشهدوا في العرقوب دفاعاً عن جنوب لبنان في العام 1969 ( أبو النسور وأبو ميكل وأبو النصر ) وذكرى الشهيدين طلال العتري وعارف العلي، بحضور حشد سياسي وحزبي وشعبي قل نظيره.

الثانية: بعد الحدث الأول بأيام قليلة يوم عُقد في دارته أيضاً مؤتمر وطني لبناني – فلسطيني دفاعاً عن حرية الأسرى الأبطال في سجون العدو الصهيوني، حيث اسفر عن هذا المؤتمر إقامة أسبوع تضامني كامل مع فلسطين واسراها في ساحة التل بطرابلس في الفترة الممتدة ما بين 1 – 7 أيار من العام 2017 لم يبق طيف من أطياف العمل الفلسطيني إلا وشارك فيه إلى جانب أبناء طرابلس وأحرارها، وخلال ذلك كان منزله يعج بالزوار من الأخوة الفلسطينيين وخاصة من داخل الأرض المحتلة ومنهم أسرى سابقون مفرج عنهم يمثلون مختلف أطياف الفصائل وكوادرها يثنون على مسيرته ويستمعون إليه وهو يردد ما كان أشبه بالوصية للجميع:

فلسطين لا تحررها الحكومات وإنما الكفاح الشعبي المسلح،
لا تخذلوا قضية فلسطين فتنحروها بخلافاتكم
اتحدوا لتصونوا القضية الفلسطينية ووحَِّدوا البندقية لتبقى مصوَّبة دائماً باتجاه العدو الصهيوني
الوحدة ثم الوحدة، ثم الوحدة
هذا هو عبد المجيد ابن الشيخ محمد الطيب الرافعي الذي تعجز الكلمات عن إيفاءه حقه في التعبير وهو الموسوعة الشاملة من العطاء والصمود والإيمان.
قدرنا يا حكيمنا أنك النبراس الذي ما زال ينهل من معينه الرفاق.

وإن الرفاق على العهد سائرون ملتزمون بالعهد والوصية كما تركتهم يشغلون الساحات كلما سألت عنهم قضايا النضال من لبنان إلى الجزائر والسودان والى كل ما يقرِّبهم من فلسطين وكل ما يؤجج الصراع ضد الفساد والتبعية والتشرذم والاستلاب والانتقاص من حقوق الأمة،

نم قرير العين يا قائدنا وأطمئن أن حزبك بخير، والمؤسسة الحزبية على ما عهدتها من دورها النضالي الريادي المدافع عن الشرعية التي قضيت ردح حياتك مدافعاً عنها وأنت الذي أشرفت على مؤتمرها القطري الأخير وأمضيت الساعات الطوال ليلاً نهاراً تستمع للرفاق وتوجه وتنافح عن وحدة الحزب وشرعيته اللتين فوق كل اعتبار.

التحية لروحك الطاهرة في عليائها
والمجد للأمة ولرسالتنا الخلود.





السبت ١١ ذو القعــدة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / تمــوز / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة