شبكة ذي قار
عـاجـل










حين يجري التأكيد على أن ما حصل في تموز عام ١٩٦٨ م في العراق هو تغيير ثوري شامل وصناعة لتاريخ جديد للعراق وللأمة العربية لا ينقطع عن روافد الحضارة العريقة ولا تغيب عنه أنوار الحاضر والمستقبل، فإنما يجري التأكيد على أن ما حصل كان بداية أول مشروع قومي نهضوي وحدوي تقدمي اشتراكي عربي في العصر الحديث، ورجوعاً إلى عصر النهضة العربية في صدر الرسالة الإسلامية، وعصر خلافتها الراشدة وتجاربها الخالدة الرائدة في العصرين الأموي والعباسي.

معالم هذا المشروع القومي العتيد كثيرة ومتعددة، لم تنحصر في إنجازات فذة في كل قطاعات الحياة العلمية والتربوية والصحية والعمرانية والمواصلات والاتصالات والتجارة والصناعة والزراعة، وإنما أخذت بعدين شكَّلا ركيزة من ركائز المشروع هما:

أولاً_ بناء الإنسان بعقيدة وطنية قومية تحررية، وعقل منطلق وطاقات مفتوحة على كل مدياتها وفي كل مسارات وروافد الحياة الشخصية والعائلية والجمعية، الإنسان قيمة عليا هو خط سير البناء بكل جوانبه.

ثانياً_ وضع الأطر العريضة والكثير من تفاصيل نظرية العمل البعثية.

إن نظرية العمل البعثية إنتاجاً وتطوراً وأسساً هي دليل قاطع على وجود المشروع القومي وحضور مرتكزاته بطرائق عقلية منطقية علمية، وما يصاحب هذه السمات من انفتاح للنهايات طبقاً لطرائق البحث العلمي الاستراتيجي ومكوناته ومتطلباته، تتضح معالم التكوين الخلاق لنظرية العمل البعثية في مسك مفاتيحها الآتية:

أولاً: وحدة الأمة العربية حقيقة مطلقة، وسبل تحقيقها سياسياً قابلة للدراسة والبحث والابتكار، ذلك لأن مقوماتها الروحية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية محسومة أصلاً وقائمة.

ثانياً: الديمقراطية ناتج تفاعل الإنسان والبيئة والقيم والمثل والأخلاقيات السائدة ضمن إطار قانونها العام، وهو حرية الإنسان والأوطان وحق الشعب في اختيار السلطة والنظام والتمثيل البرلماني والنقابي.

ثالثاً: الاشتراكية العلمية التي لا تخضع لقانون مطلق، بل قادرة على الانطلاق من البيئة القومية ومكوناتها الروحية والأخلاقية والمادية واستعدادها كمنهج علمي للأخذ والعطاء والزيادة والنقصان لكي تلائم الاحتياجات الوطنية والقومية وتتماشى مع الموروث الحضاري والثقافي للأمة، عن الاشتراكية العربية نتحدث.

رابعاً: الدين والتراث والإيمان والعلمانية، وقد كشف المشروع القومي البعثي عن قدرات فذة في ربط العلمانية بالإيمان، وخروجها التام من شبهات الإلحاد التي حاولت مناهج سياسية ضيقة وتابعة الحاقها بها، واستطاع البعث أن يحجر الطائفية، وتسييس الدين في كهوف ضيقة لم تنجح حتى عملية غزو العراق واحتلاله وتمكين المشروع الفارسي الصهيوني من إخراجها من ذاك الخانق، وبوسع أي مراقب الآن أن يرى انحسارها واختناقها وفشلها بعد أن أسقطتها مقاومة شعبنا الباسلة في برك ومستنقعات الفساد والإرهاب والخيانة.

إن انتاج نظرية العمل البعثية هو التعبير الأعظم عن قدرة العقل القومي البعثي وحيويته وعن كونه مشروعاً قومياً تاريخياً عصياً على الفناء.





السبت ٢ ذو الحجــة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أب / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة