شبكة ذي قار
عـاجـل










إنَّ لثورة سيدنا ألإمام ألحسين ( ع ) أثراً واضحاً فى تحديد ملامح الحياة السياسية فى التاريخ العربي الاسلامي ، واثر خالد فى حياة المعارضين لِأنظمة الاستبداد والطغيان على مَرَّ العصور ، فكم مِنْ معارض إسْتَشْهَدْ برؤية الامام الحسين ( ع ) لِإظهار الحق ، وكم بالْإمام الحسين ( ع ) ظهر الحق .

إِنَّ ثورة الحسين ( ع ) نهضة سياسية كانت ولاتزال صرخة مدوية فى وجه الظلم بجميع صوره ، لذا أصبح الامام الحسين ( ع ) بِحَرَكَتِهِ نبراساً لكل معارض يصدح بالحق أو يسعى لتحقيقه فى ظل جاهلية المجتمعات وسكوتها على الظلم وقبولها بالخضوع للاستبداد سواء طوعاً أم كرهاً ، فالحسين ( ع ) بنهضته هذه شكل نموذجاً صار عبر التاريخ مثالاً يحتذي به فمن نهض مع قلة الناصر يستذكر الحسين ( ع ) وَمَنْ نهض لتصحيح المسيرة والدعوة لِإظهار الحقيقة إستشهد ألحسين ( ع ) وفي ذلك استوى المسلم وغير المسلم ، فهذا غاندي يستذكر الامام الحسين ( ع ) عندما علم إنه يكافح ضد أعْتَى قِوَى العالم مع قلة الناصر فقال كلمته المشهورة : تعلمت مِنْ الحسين ( ع ) أن أكون مظلوماً فأنتصر .

لذلك نقول إِنَّ ثورة الحسين ( ع ) شعلة مضيئة فى التاريخ العربي الاسلامي أَضاء ويضيئ درب الحق لِمَنْ يريد يسلكه ، وهنا برزت بعض التأويل تقال : بِأن ثورة الحسين ( ع ) جاءت نتيجة صراع قبلي بين فرعين مِنْ فروع قريش على الهيمنة والزعامة فى المجتمع العربي الاسلامي ولكن نقول هنا ، ثورة الحسين ( ع ) لَمْ تكن ذات المبادئ أو وجهة نظر تحدد ملامحها بالبعد القبلي ، وذلك إن طبيعة الاجناس التي ضمها جيش ألإمام الحسين ( ع ) حيث لم يكن جيشاً هاشمياً بحتاً بل كان فيه السيد والعبد والعربي والاعجمي ، بل إن الجيش ضم حتى مَنْ كان بالامس القريب بالمعسكر الآخر ونعني به كل مِنْ ( زهير بن القين و حر الرياحي ) .

وهناك يوجد تاويل آخر يقول إن ثورة الحسين ( ع ) صراع على السلطة ، ولكن نقول إنها حركة سياسية محضة تمثل صراعاً على السلطة ، حاول مِنْ خلالها الامام الحسين ( ع ) السيطرة على الحكم وإقامة النظام الاسلامي الصحيح مستغلاً بذلك الضعف السياسي والعزلة الاجتماعية التي كان يعاني منها يزيد ، خاصة مع الرفض أو التردد فى البيعة له ، كما أن الحسين ( ع ) أراد مِنْ ثورته أن تكون صرخة مدوية عبر التاريخ لتدك صروح الظلم والطغيان .
وهكذا اراد الله أن يجعل من الحسين ( ع ) فداء لفكر وقضية وإرساء لِحَقْ والمبداء فضحى بدمه الشريف ليعلى كلمة الله فجعل الله إسم الحسين ( ع ) علم تهتز له صروح الطغيان بِأختلاف الزمان والمكان .

وهنا نقول بان ثورة الحسين أكبر واعظم مما نكتب عليه فى الاسطر ، وإن ثورة الحسين تحمل تفاسير كثيرة ، منها الجانب الاخلاقي فى ثورة الحسين ، بما أن الحسين ( ع ) كان سيداً عربياً أبياً عزيزاً شريفاً له مكانته الاجتماعية المرموقة فى المجتمع العربي الاسلامي فضلاً عن مكانته الدينية المعروفة التي لا ينازعه عليها منازع مهما كان شرفه ومكانته بالمجتمع ، فكيف به يرضى بمبايعة يزيد ويوطئ لحكمه والناس تعرف مَنْ هو يزيد ، لذا فالحسين ( ع ) قام بثورته هذه بدافع اخلاقي بحت وهنا نذكر قوله ( ع ) : ( والله لا أعطيكم بيدي إِعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد ) ، لذا نقول إن ثورة حسين ( ع ) كانت ثورة أخلاقية بلا شك ، ويحمل بين جنباته ألإحساس بأهمية دوره بالنسبة للامة العربية والاسلامية ، لذا فهو لم ينهض ثائراً لنفسه الزكية فقط وإنما قام بثورته إيماناً منه بالمسؤلية المكلف بها وهي الحفاظ على مصالح الامة العربية والاسلامية العليا المتمثلة بالحفاظ على الدين والسهر على تطبيق مقاصده ومحاربة المحاولين لتحريفه والتلاعب بتشريعاته .

لذلك نقول بان ثورة الحسين ( ع ) كانت أخلاقية بمعناها العربي الاسلامي وليس شخصي ويبدو ذلك مِنْ خلال مطلبين ، الاول تمثل ببكاء الحسين ( ع ) على مِنْ وقف مُصِرَاً على قتاله وعلل ذلك بأنه ( ع ) يبكي لانهم سيدخلون النار بموقفهم هذا ، فاي إنسان يحزن لمصير أعدائه ، وأي موقف أخلاقي هذا ، ثم أليس الحفاظ على العهود والوفاء بالوعود وحفظ الامانات وأدائها إلى أهلها مقاصد عربية إسلامية كونها مِنْ ألأخلاق الحميدة التي جاء الاسلام ليؤكد دورها فى حفظ المجتمعات مِنْ الانحراف بل ألم ، يعتبر الرسول الاكرم ( ص ) خلاف ذلك نفاقاً بقوله : ( آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أُؤتمن خان ) وحيث ولاية يزيد للامر كانت تضيعاً لكل تلك الاخلاقيات مِمَنْ مكنه مِنْ راقب الناس مع علمه بعدم أحقيته السياسية فضلاً عن الشرعية لتولي حكم المسلمين لذا كانت ثورة الحسين ( ع ) ثورة لترسيخ المفاهيم الاخلاقية المشار اليها أعلاه فى المجتمع العربي الاسلامي ، تلك المفاهيم التي حاولت ان تغيبها سلطة يزيد ومَنْ حكم قبله مِنْ بني أُمَية ، كيف لا وهو ألسيد العربي وإبن الرسول الاكرم ( ص ) الذي يقول : ( إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) وقد أشار ( ع ) للمعسكر الاخر فى معرض نصحه لهم إن الحفاظ على الوعود والعهود أخلاقاً عربية قبل أن تكون إسلامية وذلك بقوله ( ع ) : كونوا عرباً .

هنا ناتي الى الجانب الغيبي لثورة الحسين ( ع ) نقول إن تفسير الغيبي للثورة ليس لانها لم تحظي بالعناية الالهية بل أن ثورة الحسين ( ع ) أطروحة إلهية موضوعة مِنْ قبل الله ، وقد أراد الله أن تكون هذه الثورة بتفاصيلها المأساوية قدوة للناس جميعاً فى رفض الانحراف والظلم والاستبداد وقد اختار خير الناس للقيام بهذه الثورة و وضع هذا المنهج للتدليل على المقصد الالهي منها ، فإن ثورة الحسين ( ع ) تمثيلاً حقيقياً للواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع العربي المسلم ، فالثورة التي قام بها الحسين ( ع ) ليس مختصاً بها الحسين ( ع ) بشخصه وأن يكون الهدف منها سراً لا يعلمه إلا الامام ( ع ) والراسخون فى العلم دون سائر الناس لكن أريد مِنْ هذه الثورة أن تعيش فى الوجدان الانساني مستلهمين منها مبادئها ومنهجها القويم فى الحفاظ على عروبة الاسلام دون تحريف .

نأتي الى جانب آخر مِنْ ثورة حسين ( ع ) وهي الجانب الشرعي ، لان ثورة الحسين جاءت لتؤطر تثبيت الموقف الشرعي تجاه ظاهرة الظلم والطغيان والمحافظة على وجود الرسالة المحمدية فضلاً عن دعوتها إلى تحديد حالة الامة وتحديد مشاكلها السياسية والاجتماعية والنفسية وسبل معالجتها بقول الامام ( ع ) فى وصيته لاخيه محمد بن حنيفة ( إني لم أخرج أشرا ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الاصلاح فى أُمة جدي ، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فَمَنْ قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومَنْ رَدَّ على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين ) لذلك نقول إن الحسين ( ع ) يمثل الضمير الحي للامة العربية والاسلامية والعقل الواعي والمدرك للاخطار التي تهدد الامة العربية الاسلامية ، لذلك كان الفهم النظري لاهمية ثورة الحسين ( ع ) ضد يزيد ، فحول الحسين ( ع ) هذا الفهم إلى واقع عملي و وظيفة شرعية واضحة المعالم تحرك الناس وتدفعهم لمحاربة الظلم والذل والخضوع والاستسلام للامر الواقع ، لذا الثورة الحسينية واستشهاده بمثابة الزلزال الذي أصاب الامة العربية الاسلامية فى دينها فغير مِن ادراكها وافاقها مِنْ غفلتها بل كانت السبيل لايقاض الضمائر وتحريك المشاعر والاحاسيس .
فبات أكيد الحسين ( ع ) وفي ظل قراءته السليمة للمجتمع العربي الاسلامي آنذاك المرتكزة على اسس وبراهين علمية دقيقة تدل على أن الناس يعيشون فى غفلة بحيث لايمكن ان يتحركوا ضد الظلم الجاثم على صدورهم بالخطب والدعاء خاصة بعد ان ركنوا إلى الخضوع والاستسلام بفعل الحكم الاستبدادي القائم على الظلم والاكراه وفرض الامور على الامة بالارهاب الفكري والمادي فما كان منه الحسين ( ع ) إلا ان خطط لثورته باسلوب فريد لا يملك مِنْ يسمع أو يقرأ سيرتها إلا ان يقف منتفضاً ضد الظلم عبر التاريخ ، فالحسين ( ع ) لم يتحرك بشكل عشوائي كما يعتقد البعض بل على العكس مِنْ ذلك فقد كان عالماً بما يقدم عليه لذا خطط لثورته بشكل جدي حتى لا يتقول البعض إن ثورته كانت عملية الانتحار أو رد فعل لرفض الظلم والذل .

لذلك اتبع الحسين لثورته مبدأ العلنية عندما خرج مِنْ المدينة إلى مكة بعد موقفه المشهور مع واليها بخصوص البيعة ، كما كان الانتقال إلى مكة وفى موسم الحج يعني نشر أفكاره عبر الاتصال بالجمهور المسلمين فى موسم الحج كما ان مكوثه فى مكة المكرمة لفترة مِنْ الوقت أتاحت له حرية التواصل مع الناس فى الامصار المختلفة عبر الرسائل التي عبر لهم فيها عن تطلعاته إلى مستقبل الامة شارحاً ما يحيط بهم مِنْ أحداق فى ظل سلطة تؤسس مِنْ خلال رأسها إلى إفراغ الدين الاسلامي مِنْ فحواه وتعاليمه عبر التشريع لفكر جديد يشرع الخنوع والتذلل للحاكم ، وهنا يبدوا مطلب التخطيط واضحاً فى الثورة الحسينية ، فالحسين ( ع ) استخدم الاعلام بشكل واضح فى ثورته كما ان ارسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة كان الجانب الاعلامي واحد مِنْ المهام ، فضلاً عن المهام الاخرى التي اراد الحسين ( ع ) مِنْ مسلم بن عقيل ان يؤديها فيها وبفضل هذا التخطيط الاعلامي اصبح المسلمون على علم بهذه الثورة ، إن ذلك يدلل على الحنكة السياسية للحسين ( ع ) فبهذا التخطيط المتقن للثورة ألقي الحجة على الجميع وترك إجابة الدعوة رهناً بالضمائر .

إن تلك الثورة نشرت مبادئها مِنْ خلال إظهار مظلومية سيد الشهداء ( ع ) كيف لا وهي صاحبت إعلان استمرارية النهج الحسيني على مر العصور وذلك مِنْ خلال البيان الذي صدحت فيه بنجاح الثورة وشيوع نظرية انتصار الدم على السيف عندما قالت زينب ليزيد ( كيد كيدك واسع سعيك فوالله لن تمحو ذكرنا .

وهنا نسأل رفاقنا ماذا نستنبط من ثورة سيد الشهداء ( ع ) ، نقول نستنبط ونتعلم مِنْ ثورة الحسين ( ع ) الاخلاص للمبادئ والشجاعة والتضحية وروح الفداء ، لاجل تصحيح المسار الحقيقي للامة العربية الاسلامية ، نناضل لاجل تحرير العراق مِنْ ظلم واستبداد الفرس المجوس وإعادتها الى احضان الامة العربية ، ونحن نسير على خطى قادتنا العظام الذين افدوا بارواحهم لاجل المبادئ والقيم النبيلة ، كما نعاهد أن نخطوا خطاهم ولن نتراجع أما التحرير أو الاستشهاد .





السبت ٢١ محرم ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / أيلول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. أبو لهيب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة