شبكة ذي قار
عـاجـل










يوم احتل الغزاة بغداد في العام ٢٠٠٣، وقفت إحدى المناضلات المخضرمات في طرابلس لتصرخ بصوت عالٍ وهي تجهش بالبكاء :

اليوم أحسد شهداءنا الذين سبقونا قبل أن يتألموا بما يجري في التاسع من شهر نيسان من العام ٢٠٠٣، وعاصمة البعث والعروبة تسقط بأيدي جحافل هولاكو العصر وإمبراطوريته الأميركية المتغطرسة.

ولدى سؤال رفيقتنا المناضلة المخضرمة، شفاها الله وأطال في عمرها، عمن تقصد من الشهداء تحديداً، أجابت وبكل عفوية وسرعة : أنه الشهيد تحسين الأطرش بالذات، المناضل الصلب في المبادئ الرقيق في الشعور والإحساس وصاحب الوجدان المرهف الذي كان لتهزه عملية اصطياد عصفور يطير في السماء، فكيف الحال وعروس أحلامه الثورية بغداد باتت ترقد في حضن أوباش؟!

هكذا كان أبو علي تحسين الأطرش في نظر ووجدان الرفاق وكل من عرفه من صديق وقريب، حيث وبالرغم من صلابة عقيدته، فلم يكن يهزه سوى سقوط الأمل، بالقدر الذي لم يزهيه ويسعده سوى أن يبقى الأمل وهاجاً ببريقه وآفاقه الرحبة ليعود بالبشرى إلى كل المتفائلين : إن بارك الله في دأبكم وجهدكم وليخسأ المتخاذلون ولتخسأ معهم كل أفكار اليأس والفشل والقنوط.

وكأني بأبي علي تحسين يخرج علينا اليوم حاملاً كل هذا الكم من التفاؤل بحلم جميل لطالما عاش له ودفع حياته قرباناً لاستمراره وهو يشاهد ما يجري على ساحتي لبنان والعراق من ثورة شعبية بيضاء وحراك طال انتظاره،

وكأني بالرفاق، كل الرفاق في الساحات اليوم، يبادلون تفاؤل أبي علي بالمزيد من التشبث بأمل التغيير والانقلاب على الواقع الفاسد وقد أصبحت بواكير كل ذلك تزرع مداميكها في ساحات الوطن طولاً وعرضاً وفي كل شارع وبيت ودسكرة،

وكأني أيضاً بأبي علي ينظر اليوم من عليائه إلى حبيبته طرابلس ليقول لها زيديني عشقاً يا من كنت ضحية الأقربين والأبعدين فشوهوك وصوروك على غير حقيقتك الجميلة التي منها وبها ولها لم ينطق قلمي إلا بالرقة والجمال الممزوج بأريج عطرك المعتق ربيع كل عام، وها أن ربيعك اليوم قد سبق الزمن وحل على ضفافك فواحاً يا أجمل مدن الدنيا، وما عاد لربيع آخر أن يتخطى ربيعك أو يتجاوز على ما يحمل أديمك من زهور وأقحوان وورود وقد تمردت على كل ما تنتجه الطبيعة فلم تنتظر تغير الفصول لتنتصب في كل شارع وبيت مزهوة كما هي شقائق النعمان.

رحماك أبا علي، فنحن في حضرة ذكراك لسنا سوى صفحة متواضعة في كتاب ضخم شئت قبل رحيلك أن يكون لنا دليلاً لحاضر المناضل ومستقبل الأجيال في مخاطبة الذات والتخاطب مع الأخرين وأنت الذي لم تكن تجيد سوى تقبل الآخرين كيفما كانت الأهواء والمشارب طالما أن بذور الطيبة تسكن نفوسهم وأنت المؤمن بالحديث الشريف القائل :

الخير بي وبأمتي إلى يوم الدين.

رحماك أبا علي، ففي ذكراك ينتفض القلم حنيناً إلى زمن الكلمة الحرة الصادقة التي كنت سيداً لها وكان لها معك في البلاد تاج وصولجان.
تماماً، كما هي الناس الغلابى التي أحببتها، وقد انتفضت اليوم لتبحث عن حقها في الحياة وحقوقها في العيش الحر الرغيد.

رحماك أيها السعيد المتربع على عرش التواضع في عليائك وأنت تهزأ من قاتليك وقد عميت أبصارهم فلم يدركوا إلى أي هدف كانوا يصوِّبون، ولو أدركوا ذلك لخجلت بنادقهم وعادت رصاصاتهم الرجعى لا تدري أن الظالم سيُبتلى يوماً بما هو أظلم، وأن الخالق بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين.

فلتخلد ذكراك في قلوب محبيك،
وليبقَ الأمل معقوداً على جبين الرفاق.
وسلام عليك يا أكرم الناس جميعاً.
وسلامٌ على كل شهدائنا في عليين.
 





السبت ٢٥ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / تشرين الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة