شبكة ذي قار
عـاجـل










نزعم أننا إزاء اصطفاف غير مسبوق، لا حديثاً ولا عصرياً، في المجتمع العربي، إذ لأول مرة يكون الشعب برمته في صراع سلمي بأهداف معلنة واضحة، تمثل إرادة هذا الشعب في الحياة الحرة الكريمة، في وطن سيد وأفق نماء وأمن وضمانات حياة، كفلتها الدول كافة لشعوبها ضد سلطة صنعها الاحتلال ويحميها، وهي سلطة غير متجانسة لا يربطها رابط قانوني ولا سياسي ولا إداري، بل تجمع لأحزاب وميليشيات وأفراد قام كل منها بعد الاحتلال بتنظيم قوة خاصة به مهامها جني المكاسب عبر الابتزاز واللصوصية والنهب وممارسة الجريمة المنظمة.

في العراق ثورة انطلقت في تشرين ٢٠١٩ م هي الأولى في تاريخ العرب المعاصر التي لا يكون فيها أي جزء من الشعب مع السلطة، بل إما ثائر أو قانط في بيته، والسلطة معها كل دول العالم التي أرغمتها أميركا على المشاركة والموافقة على غزو العراق، ولم تتوفر أمامها أية فرصة سانحة للانسحاب من ذاك التحالف القذر المجرم.

إن ثورة شعبنا الباسلة السلمية وما تقدمه من تضحيات عزيزة تفتح الأفق الأول أمام من أخطأ وأجرم بحق العراق وشعبه ليراجع ويتراجع، التراجع أمام الأنظمة العربية والأجنبية صار متاحاً لأن الثورة قد أسقطت الشرعية عن السلطة، وعرتها تعرية كاملة بكل عوقها وعوراتها وشلليتها وانسداد أفق اصلاحها أو تقويمها.

الثورة انطلقت بعد زمن كاف، شاهد فيه العالم زيف وعبثية الديمقراطية المزعومة للعملية السياسية الاحتلالية، التي بنيت على مسارات انتقام للشعب العراقي وقواعد تفتيت لعناصر الانصهار الاجتماعي العراقية الأزلية، والاجتثاث المعيب العدواني المتخلف النازي الذي نتج عنه تشريد الملايين من العراقيين من وطنهم وديارهم، بما يربوا كثيراً على وحشية وإجرام عصابات بني صهيون حين احتلوا فلسطين، وعجزت العملية السياسية عن إنتاج أي شيء للحياة العراقية، بل أنتجت عليها البطالة والعطالة والجوع والفقر وتدهور التعليم والصحة وانسداد التنمية.

الثورة انطلقت بعد أن صار جلياً للدول التي جمعت حثالات وساقطين ومتردين مقامرين مرتزقة وسلمتهم السلطة، بأنهم عاجزين عن النجاح إلا في نهب الثروات وتوزيع النفط العراقي وثرواته بين إيران ومليشيات إيران، فصارت تلكم الدول أمام نور ساطع يطلع من وجه الشعب، وظلام دامس تعيشه الزمرة العابثة في الخضراء، والعصابات والمافيات الإجرامية والفاسدة المرتبطة بالسلطة.

الثورة الباسلة تجبر العالم إجباراً منطقياً وعلمياً وعقلانياً على مغادرة الخانة الأمريكية، وتظهر بوضوح تام الدور الإيراني الاحتلالي للعراق، والتواطؤ الأمريكي غير المبرر، إلا من حرج سقوط كل مشروع الغزو مع الاحتلال الأمريكي، ومع الضباع والزواحف السائبة التي تبنتها أميركا لتوقع العراق في مهاوي الردى.

ثورة تشرين هي ثورة الشعب الأولى بلا لبس ولا تداخل خنادق، ولذلك فإن إيران وأحزابها وميليشياتها لن تستطيع جر الثورة العراقية إلى ما جرت إليه ثورة سوريا الباسلة ضد نظام الأسد القاتل، ولن تستطيع إيران حماية نظام الخضراء الذي توظفه في إدارة احتلالها للعراق تحت الحماية الأمريكية التي تحرجها الثورة الشعبية الآن وتنزع عنها كل ما تسترت به في غزوها واحتلالها للعراق.

ثورة العراق السلمية شجاعة باسلة قادرة على حمل السلاح لو أرادت، لكنها تؤمن الآن أن تكتيك الفوز يتطلب أن تقاتل بصدور عارية، لكي تفسد على كل أعدائها أية حجة وأية ذريعة كتلك التي استخدمت بعد صناعة داعش أمريكياً وإيرانياً لتدمير مدن العراق الثائرة، وفرض السيطرة عليها بعد تحويلها إلى أرض محروقة، ولم ير العالم داعشياً واحداً قتيلاً ولا جريحاً ولا أسيراً.

إنها ثورة فتح الآفاق والسبل واسعة، ليس لاستعادة حرية العراق وإنقاذه، بل تفتح كل السبل لعودة الأمة العربية لممارسة دورها الإنساني الذي تستحقه.





الاحد ١١ ربيع الثاني ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة