شبكة ذي قار
عـاجـل










لطالما تناولنا إلى جانب الكثير من الوطنيين العروبيين مسألة الحريات والديمقراطيات في أقطار وطننا العربي، وكيف يفهم القابضون على السلطة مبدأ الحكم ودولة المؤسسات والقانون، وكيفية تطبيقه على أنفسهم أولاً ومن ثم الشعب، خاصة أن معظم دساتير أقطارنا من صنع الاستعمار التركي أولاً الذي عاث في بلادنا الخراب وبعده أتى الاستعمار الغربي الذي عاث فساداً بعد الخراب العثماني!

قد يتنطح أحدهم ويستهجن ما وصفت به ( الخلافة العثمانية الأعجمية ) التي انتهزت فرصة ضعف دولة الخلافة العربية والانقضاض عليها وحكمت زهاء ٦٠٠ سنة عجاف على الأمة العربية، ورخاء وازدهار للدولة الطورانية، التي تمددت في الأمصار والبلدان المجاورة وحتى البعيدة لتضمها إلى إمبراطوريتها وتحت مسمى ( الخلافة الإسلامية ) ، جنود تم تجنيدهم بالقوة من أبناء الأمة العربية، حتى خلت المدن والقرى من الشباب ولم يعد يوجد سوى أطفال وشيباً تحت مسمى الجهاد ضد أعداء الإسلام والمسلمين، وفي حقيقة الأمر هو توسع للإمبراطورية العثمانية الطورانية وتحقيق حلمهم كقوة عظمى!

وها قد شاهدنا ما فعله العثمانيون الأتراك عقب هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وانكفائهم إلى حدود دولتهم مع مكافأة غربية لهم بإلحاق منطقة لواء اسكندرون ضمن دولة تركيا الحالية، مقابل التخلي عن فكرة إحياء الإمبراطورية العثمانية.

هذا ما حصل وهذه هي مفاهيمهم التوسعية تحت أي مسمى وخاصة ( الخلافة الإسلامية ) ، المهم بلوغ هدفهم وهو التوسع والسيطرة وفرض أنفسهم وإهانة الشعوب، تماماً، مثل جارتها إيران التي تحاول أيضاً التوسع والسيطرة في بلادنا لإحياء إمبراطوريتهم التي دفنها القائد العربي سعد بن أبي وقاص في قادسية سعد الأولى، نعم فكلتا الجارتين لا تكنان الخير لأمة العرب.

فأساليب الحكم والحكام في أقطارنا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وأثناء وبعد الاستعمار الغربي، لم يتغير شيء، ولم يطرأ أي تعديل في أنماط الدساتير التي تحكم وطننا العربي، وبكافة الصيغ، نعم، إن معظم أنماط الحكم التي سادت في أقطارنا بعد الحرب العالمية الأولى كانت بناء على رغبة أوروبية وأمريكية ( لاحقة ) لضمان استمرار الهيمنة ( الغير مباشرة ) والمباشرة أحياناً، ولضمان السيطرة على مقدرات الأمة وثرواتها، وخصوصاً النفط وأيضاً الانتقام من العرب و رسالتهم الخالدة التي حطمت الروم وقضت على وجودهم في بلادنا، إضافة إلى المسألة الأهم ضمان استمرارية الكيان الصهيوني المزروع في قلب الأمة المغتصب لفلسطين وأمنه المرتكز على جوار عربي مفكك متناحر حول مسائل جانبية تافهة، كترسيم الحدود بين الأقطار فيما بينها والاقتتال الطائفي والمذهبي المبرمج الذي يخدم المشاريع الخارجية المشبوهة، وخاصة مشروع تصدير الثورة الإيرانية الموافق عليه غربياً، ومحاولات حثيثة تركية وروسية وحتى صينية لركوب موجة التدخلات السافرة لتحجز لها مكاناً في الوليمة على المائدة العربية، إلى جانب أشقائها وشقيقاتها من القوى الإقليمية والكبرى والعظمى السافرة.

إن الأنماط المتعددة لأساليب الحكم في أقطارنا في العصر الحديث خرجت كلها من مشكاة واحدة، وهو الاستعمار المتكرر لأمتنا منذ سقوط الدولة العربية العباسية، اللهم في بعض الاستثناء حيث الدول التي شهدت ثورات قضت على الأنظمة البالية، وبالتالي كفت يد الأجنبي عن التدخل والاستفادة من ثرواتنا، بعضها فشل في بلوغ أهدافه والبعض الآخر انحرف عن مساره الثوري التقدمي، وثورة نجحت نجاحاً باهراً في الانقلاب والثورة ما أدهش الغرب عموماً وأخاف من شرع الاحتلال والاستعمار والصهيونية وجيران الشر والسوء، مما دعاهم إلى التحالف ضدها والإجهاز عليها بالشكل الغير مباشر الذي لم يَفلح، وتجرع خمينهم السم الزعاف، ما حتم عليهم تغيير قواعد اللعبة والتدخل المباشر لما شكلته هذه الثورة العربية الفتية الصادقة والمؤمنة قبلة للشرفاء من أبناء الأمة، وأنتجت شعبية حاضنة لها في مختلف مدن وقرى أقطار الوطن العربي، وأصبحت إنجازات الثورة في العراق مطلباً جماهيرياً أقلق الأنظمة الموالية لمن زرعها وسلطها على شعوبها وقض مضاجع الصهاينة والتخوف الحقيقي على وجودها ومصيرها!

نعم إن الثورة البعثية في بلاد الرافدين أعادت قطار العروبة إلى سكته الصحيحة، واتخذت من العراق قبلة ونقطة انطلاق نحو تحقيق الهدف الأسمى في أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، مرتكزة على الوحدة والحرية والاشتراكية في وطن واحد يستند على الاكتفاء الذاتي، من زراعة وصناعة غذائية وطاقة متنوعة ومتعددة ومياه وبنى تحتية واستشفائية وجيش قوي، وبالخلاصة أمة في وطن مترامي الأطراف يتعامل مع غيره من الأمم بندية وإنسانية وتبادل خبرات.

ألم يعلم الذين ظلموا من أبناء جلدتنا بأن من استخدمكم وبغض النظر عن إيمانكم بمشروعهم الذي يدغدغ مشاعركم الدينية بكلمة حق يراد بها باطل وتخريب أوطانكم وتمكينهم بالتحكم والسيطرة على زمام رقابنا بدعوى الدين والمذهب، وأنتم في نظرهم مجرد عملاء خونة لأوطانهم لا يكترثون لأمركم، بل يشمئزون منكم، وما حصل مع جثة الخائن أبي مهدي المهندس لخير دليل على صغر شأنكم.

وما ثورة الشعب العراقي التي فاجأت الطغمة الحاكمة في بغداد، أتباع قم وطهران، ولم تفاجئ الوطنيين، لأن الغشاوة التي غطت العيون بفعل الشعوذة والخرافة والدجل وإثارة النعرات الطائفية زال مفعولها وعاد الرشد وهدي البعث وصدقية أهدافه ونقاوة فكره وإيمان معتنقيه وحكمة قيادته وشموخ قائده الذي بذل النفس والولد في سبيل عراق عربي وأمة مجيدة، وصدق النية بتحرير فلسطين وقدسها الأسير وكل شبر من تراب وطننا الكبير.

هذا زرع البعث العربي الاشتراكي الطيب الذي امتدت جذوره عميقاً في الأرض لتزهر براعم نشامى وماجدات، ينشرون شذى عطر العروبة على امتداد بلاد الرافدين، وأثمرت ثورة شعبية عارمة بكل ما للكلمة من معنى رافضة لكل خبيث زرعته شياطين طهران أصحاب المشاريع الظلامية، وأثمرت أورام سرطانية سبق أن لفظها الشعب العراقي، وعادت لتعيث الفساد، ضاربة بعرض الحائط وعودهم الذهبية في عراق النعيم الموعود في ظل حكم المليشيات الصفوية الفارسية الهوى والتبعية.

رحم الله شهيد العراق والعروبة والبعث طارق عزيز، عندما سُئل في مقابلة صحفية جرت في بريطانيا عن المعارضة العراقية في الخارج رد قائلاً : هؤلاء ليسوا بمعارضين، بل لصوص وعملاء .. !





الاربعاء ١١ جمادي الثانية ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / شبــاط / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو محمد عبد الرحمن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة