شبكة ذي قار
عـاجـل










ايام شديدة الوطأة بدات بصبيحة السابع عشر من كانون الثاني / يناير / عام ١٩٩١ إفتقد فيها العراقيون أبسط مستلزمات الحياة .. فقد أمضوا ليالي رعب طويلة تحت وطأة الغارات الجوية المكثفة ألتي شملت كل الأحياء وعلى نحو بدا هتيستيريا تماما.ومما زاد في الرعب هو إستهداف مناطق سكنية وأسواق أهليه وبيوت ومحال تجارية ومؤسسات مدنية خدمية لاعلاقة لها بالحرب – حيث كانت الطائرات تلقي أطنانا من القنابل والصواريخ على هذه الاماكن فتسبب ذلك في إستشهاد أكثر من ( ٨٠٠٠ ) آلآف مواطن من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال العزل.إلا أن واحدة من أبشع الجرائم ألتي إرتكبتها الولايات المتحده الأميريكية بحق الشعب العراقي هي جريمة قصف ملجأ العامرية بالطائرات ليلة ١٢ - ١٣  /  ٢ / ١٩٩١ كان هذا الملجأ مأهولا بالمدنيين من الرجال والنساء والأطفال في تلك الليلة السوداء ونتج عن هذا القصف إستشهاد أكثر من ٤٣٠ من المواطنين بينهم ٥٢ طفلا رضيعا و٢٦١ أمرأة , وقد ابيدت عوائل بكاملها تحت أنقاض الملجأ

اصيب الملجأ بصاروخين صمما خصيصا لهذا الغرض والقتها طائرات صهيونية وأمريكية , دخل الصاروخان من فتحة التهوية الخاصة بالملجأ وروي شاهد عيان من منطقة العامرية أن الطائرات الأمريكية والصهيونية بقيت ثلاثة أيام متوالية تحوم حول المنطقة وأحيانا بإرتفاعات منخفضة.ويبدو أن الهدف من هذا الطيران كان تصوير هذه المنطقة لتحديد الضربات بدقة والتعرف على مواصفات الملجأ وتحديد كيفية إصابته إصابة مباشرة والحاق الاذى الفادح به

يوضح هذه الطريقة ألتي نفذت بواسطتها الضربة من خلال فتحة التهوية إذ أن الصاروخ الأول كان يهدف إحداث خرق يولد عصفا يؤدي إلى إغلاق الأبواب , أما الثاني فيمر من خلال الخرق ليحقق النتيجة المطلوبة.وهكذا كان الجحيم بعينه داخل الملجأ , دخل الصاروخان كما هو مخطط لهما إلى داخل الملجأ وأحدثا الفعل المطلوب فوصلت درجة حرارة الملجأ إلى ألآلاف من الدرجات المئوية وأنصهرت فيه الأجساد اللينة الطرية أجساد الأطفال الرضع والنساء بل أن كثير من الجثث في الطابق الأسفل تفحمت وأختلطت بنثار الإسمنت والحديد المنصهر فتحول هذا الطابق الى مدفن جماعي يثير الألم والأسى

لقد كانت ليلة العامرية فاجعة بشرية لم ينجو من الناس المحتمين داخل الملجأ إلا أفراد قلائل كتب الله لهم النجاة ليكونوا شهود عيان على هذه المجزرة والجريمة الفاشيه والمأساة المروعة.أما المئات الاخرى من النساء والشيوخ والأطفال فقد إحترقوا في الداخل محاصرين بالنار والأبخرة والبارود والدخان في أقسى لحضة من لحضات الغدر الأمريكي والصهيوني الجبان.كان إنتشال الجثث من الركام مشهدا يبعث على الرعب والفزع والخوف إذ كان أهل العامرية ينتظرون إخراج الجثث ليتعرفوا عليهم لكنهم كانوا من اللحضات التي تمر يتملكهم اليأس ويعصف بهم الحزن لتفحم الكثيرمن الجثث ولايمكن التعرف عليها وعلى الاطلاق

لقد كانت جميع الجثث مشوهة ومتفحمة ومقطعة الأوصال أما الأطفال فقد كانت جثثهم أكواما من أللحم المحترق ومن هياكل محطمة وكان من المستحيل التعرف على أكثرهم.لقد كانت ليلة العامرية ليلة الدم النقي المسفوح على عتبة من عتبات الوطن وكانت ليلة غدر أمريكية صهيونية نازية الفعلة إستهدفت الطفولة ولوثت أعصافها الفائضة بالبرائة والنقاء والبهاء.كانت ليلة العامرية ليلة حزن فاجع عصف بالعراقيين وملأ دواخلهم بالألم إذ أن الوحش البربري الأمريكي تمادى في همجيته وتسافل حتى وصل به الأمر إلى خرق كل الأعراف الأنسانيه وهاجم النساء والأطفال والعزل في ملجأ كان مكان للإحتماء من غارات الليل المتواصلة على مدار الساعة.

وقد حاول الأمريكان تبرير ذلك الفعل الجبان بحجة أن الملجأ كان مقر عسكريا لكن الحقيقة كانت أنصع من تلك التبريرات إذ أنه كان ملجأ مدنيا كما شاهده المراسلون الأجانب وصوروه ونقلوا مشاهده إلى كل مكان.وقد حدد المجلس الوطن العراقي آنذاك في بيان أصدره يوم ١٧.٢.١٩٩١ عمق المأساة الانسانية والحملة البربرية ألتي تعرض لها شعب العراق , اذ قال في وقته ( لقد صب الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون وحلافائهم نارهم الشريرة على الشعب العراقي وراحت طائراتهم وصواريخهم تضرب الأحياء السكنية بكل وحشية وبكل الحقد والكراهية مما أدى إلى إستشهاد الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين العزل وتهديدهم عشرات من المؤسسات الثقافية والاجتماعية والصحية والحضارية , واكثرها خسة وغدرا وحقدا الجريمة البشعة ألتي إرتكبوها بحق الأبرياء من النساء والأطفال اللذين كانوا يحتمون بملجأ العامرية.

وفي النهاية إضطر البنتاغون إلى الإعتراف بالجريمة البشعة ألتي إرتكبوها بحق الشعب العراقي إلا أنه حاولوا تصويرها بالخطأ وليس بالقص المتعمد لمكان مدني.فقالت صحيفة ( الصنداي تايمس في عددها الصادر في يوم ١٧.٢.١٩٩١ ) إن مصدرا رفيع المستوى في البنتاغون أبلغها أن وزارة الدفاع الأمريكية تعترف بإرتكابها خطأ بقصف ملجأ مدني في بغداد وإن المعلومات ألتي بموجبها تشخيص المكان كملجأ عسكري كانت معلومات قديمة.كما حاولت وزارة الدفاع الأمريكية وبعض من وزارات دفاع دول الحلفاء تبرير جريمة العامرية الوحشية بالخطأ بعد أن عجزت عن إقناع الرأي العام العالمي بأن الملجأ كان عسكريا , لكن العالم أخذ يعرف أن المجرمين المحترفين يبقون مجرمين في كل الأزمان وفي كل العصور وإن التبريرات ماهي محاولات بائسة ومفضوحة للتستر على الجريمة وتفادي الإدانات الجماهيرية والدولية لبشاعتها وقباحتها .
 





الجمعة ٢٠ جمادي الثانية ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / شبــاط / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب غياث الشبيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة