شبكة ذي قار
عـاجـل











في مثل هذه الايام من العام الماضي ،كان الشارع السوداني يعيش تحت وهج ثورة شعبية ،صبر ثوارها وصمدوا اشهراً ،الى ان استطاعوا أن يسقطوا سلطة تمكنت من مفاصل الدولة على مدى ثلاثة عقود.بعد ثمانية اشهر على انطلاق الحراك الشعبي الذي تحول الى انتفاضة شاملة ذات طبيعة ثورية ، واستطاعت قواه ان تقدم نموذجاً ، ادخل البلاد مرحلة انتقالية.وهي المرحلة التي اعتبرت ضرورية لوضع الاسس الدستورية والقانونية والاجرائية ، لاعادة تكوين السلطة ، تكويناً وطنياً ،يعيد للدولة وظيفتها الاساسية كدولة رعاية اجتماعية بما يتعلق بحزمة الضمانات الاساسية للأمن الحياتي ، ودولة توفير كل مستلزمات الأمن الوطني بدءاً بتحقيق السلم الاهلي ، بعدما ضغط النزاع المسلح الدائر في بعض الاقاليم على الوضع الداخلي وافسح المجال لاشكال مختلفة من التدخل الاقليمي والدولي في شؤون السودان الداخلية.

لقد كان واضحاً ومنذ جرى التوافق والتوقيع على وثيقة الاعلان الدستورى ، ان ثمة تحديات كبيرة تواجه العملية السياسية الجديدة التي انتجتها الثورة الشعبية.

وابرز هذه التحديات ،احتواء الحركات المسلحة وادخالها في المسار السياسي الجديد، واتخاذ الاجراءات السريعة التي تخفف من عبء الضغوطات المعيشية ، وخاصة لجهة توفيرالحماية لسلة من السلع الضرورية للأمن الحياتي ، واعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وفق مقتضيات التنمية المستدامة التي تولي اهمية لاقانيم الاقتصاد الانتاجي على حساب الاقتصاد الريعي الذي سادت مفاعيله طيلة الفترة السابقة ، واستفادت منه طبقة طفيلية افقرت البلاد والعباد و حمت نفسها باجراءات وقرارات وتشريعات سلطوية.هذه الطبقة الطفيلية برموزها السياسية والعسكرية والامنية ومقدمي خدماتها من انتهازيين ومستفيدين من مغانم السلطة وامتيازاتها،كانت الخاسر الاكبر من التغيير السياسي الذي ادخل السودان المرحلة الانتقالية ، ويليها الذين يعملون على ابقاء السودان بلداً فقيراً ومديوناً ومستنزفاً بنزاعاته الداخلية ، وهولاء اطراف داخليون وخارجيون وكلهم يريدون سوداناً واقعاً تحت تأثير المديونية الخارجية ونهب ثرواته الوطنية وبالتالي استمراره في وضع المتلقي للخيارات السياسية بما يتعلق بموقعه ودوره ، كما في وضع المتلقي للخيارات الاقتصادية والمالية التي تستجيب واملآت البنك الدولي وصناديق الاستثمار الدولية ،على حساب مقتضيات الاقتصاد الوطني.ان كل هولاء يندرجون ضمن اصطفاف القوى المتضررة من التغيير السياسي ، سواء ببعده الداخلي او الخارجي ، ولهذا فهم سيبقون في وضعية التهيوء للانقضاض على العملية السياسية الجديدة لاجهاضها واسقاط مفاعيلها واعادة الامور الى مرحلة ماقبل الانتقال السياسي الذي اسس له بالاعلان الدستوري.ان القوى المتضررة من التغيير السياسي مازالت تملك من عناصر التأثير المتعددة الاشكال ، من الدخول على الحركات المسلحة لاعاقة الوصول الى حلول سياسية للنزاعات المسلحة وادخال الحركات التي حملت السلام رحاب الحل السياسي ، كما تبرز عناصر التأثير من خلال تثمير الوضع الاقتصادي الضاغط لانتزاع مواقف سياسية لاتستقيم مع الخيارات الوطنية لدولة السودان ولشعبه الذي تحكم مقتضيات امنه الوطني معطيات انتمائه القومي لامته العربية وامنها القومي.ان النظام الذي اُسقطت رموزه ، ماتزال بقاياه متعشعشة في مفاصل الدولية بمؤسساتها العسكريةوالامنية والسياسية ، وهي تتحين الفرص للانقضاض واستعادة امتيازاتها التي فقدتها وهي لن تتوانى عن القيام بأي عمل تخريبي سواءً كان سياسياً او اقتصادياً او امنياً.وعليه فإن القوى المتضررة من التغيير الثوري وان لم تجمعها غرفة عمليات واحدة ، إلا انها تجد نفسها في موقع المستفيد من كل عمل يعيق او يعطل او يربك او يسقط العملية السياسية الجديدة بنهجها وقواها الرسمي منها اوالشعبي الذي يوفر الحماية الشعبية لعملية التحول السياسي الرامي لبناء السودان بناءً وطنياً.ان القوى التي اُسقطت لم ترمِ سلاحها ،وهي بطبيعة الحال تملك خلايا نائمة تحركها متى شاءات ومتى رأت الفرص متاحة للتخريب وضرب ركائز الاستقرار الاجتماعي والسياسي ، وما محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الا واحدة من اعمال قوى الردة والقوى المتضررة من نهج التغيير ، خاصة وانه حصل بوسائل التعبير الديموقراطي وحال دون الاستدراج الى عسكرة الحراك.

من هنا ، فإنه في ضوء ماانطوت عليه عملية التغيير من معطيات ايجابية ، فإن الثورة التي ماتزال طرية العود مازالت في دائرة الخطر ، وهذا مايتطلب مزيداً من اليقظة الحذر ومزيداً من التماسك بين قوى الثورة وهي تواجه اعداء الداخل كما اعداء الخارج الذين يأتلفون في حلف غير مقدس.و اذا كانت محاولة الاغتيال لم تحقق اهدافها ، فإن القوى والاجهزة التي تقف وراءها تقريراً وتخطيطاً وتنفيذاً، سوف تعاود محاولاتها ليس ضد المسؤولين في الدولة وحسب ، بل ستستهدف ايضاً قوى الثورة بطيفها السياسي والشعبي والتي كان لها الدور الحاسم في اسقاط نظام التمكين والديكتاتورية ، وهذا مايتطلب تنقية اجهزة الدولة من بقايا النظام البائد ، وتحصين السلطة الوطنية بانجازات سريعة والتفاف شعبي وسياسي ،وعندها سيكون مصير كل محاولة للتخريب والتشويش الفشل ،كما محاولة التاسع من اذار.ان السودان هو اليوم امام تحدٍ كبير ، انه تحدي التصدي للفلول والخلايا النائمة من قوى تآمر الداخل وتحدي التصدي لقوى تآمر الخارج وهذه مسؤولية وطنية والكل الثوري الذي صنع التغيير معني بتحمل اعبائها ،لأن السودان كان ومازال ضمن دائرة الخطر ويواجه التحدي الكبير .





الخميس ١٧ رجــب ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أذار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحرر السياسي / طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة