شبكة ذي قار
عـاجـل











إن الأنظمة الطائفية السياسية، كما هي في العراق ولبنان، تستند إلى مبدأ ( حماية الطائفة ).وهذا يعني أن أمراء هذا المبدأ يزعمون أنهم يحمون حقوق أبناء الطائفة.

وبمراجعة ميدانية لنتائج تلك المزاعم، نجد فيها الأعاجيب والأكاذيب الشيء الكثير التي تبارى على إخرجها مجموعة من التجار الذين يتلاعبون بعقول الأبرياء من أبناء جلدتهم.ومن هذه المراجعة نجد فيها أن تلك المجموعة عدت تحالفاً وثيقاً بين ثلاثة أقطاب، وهم : تاجر في الاقتصاد، وتاجر في السياسة، وتاجر في الدين.وأينما تجوَّلت في العراق وفي لبنان ستجد أن كل تاجر في هذه الثلاثية يؤدي ما يتقنه من فنون الاحتيال.وإذا افتقدت الثلاثية أحد قواعدها ستنهار منظومتهم التي تقوم على استغفال عقول الأبرياء، وتسرقهم باسم حمايتهم من تغوُّل الطوائف الأخرى كما يزعمون.وللأسف فقد انطلت فنونهم في الاحتيال على عقول أولئك الأبرياء.

ساد هذا النظام في لبنان منذ تأسيسه في ظل الانتداب الفرنسي في العشرينيات من القرن الماضي.واستمر حتى هذه المرحلة على الرغم من أن الانتداب كان أكثر رأفة باللبنانيين من زعمائه السياسيين عندما نصَّ الدستور الذي وُضع تحت رقابة الانتداب، في المادة المخصصة لتوزيع الوظائف بين طوائف لبنان، وأرفقها بالنص التالي : ( يتم توزيع الوظائف بين الطوائف اللبنانية بشكل مؤقت ) على أساس تعديله فيما بعد، ولكن هلال التعديل لم تثبت رؤيته عند أمراء الطوائف.وجاء من بعده دستور اتفاق الطائف في العام ١٩٨٩ ووضع خطة مرحلية لإلغاء النص.ومرَّ على ذلك الاتفاق ثلاثون عاماً، وظلَّ هلال التعديل غائباً عن أنظار أولئك الأمراء أيضاً.وسوف يظلُّ ذلك الهلال غائباً عن الرؤية.وسيمتنع الثلاثي الحاكم عن تطبيقه، تحت حجة ( حماية الطائفة ) ، فهو يدر عليهم لبن التحكم في مفاصل الدولة وعسلها.وهل هناك أفضل لهم من أن يكون حراسهم ممن يأتمرون بأوامرهم، ويتسترون على مفاسدهم خوفاً من خسارة وظائفهم؟

وإن الأخطر في هذا المشهد هي الحماية الشعبية من المؤيدين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في فساد أمرائهم، وفي وصول المتسلقين لنيل وظيفة من هنا أو هناك.لا بل يكتوون بنار النهب والمحسوبية، ويكتوون بنار الجوع والفاقة والبطالة.وإن أخطر ما في الأمر أن هؤلاء الأبرياء ارتضوا طوعاً وعن جهل أن يضعوا القيود في رقابهم بأنفسهم تحت خديعة مريبة وهي اعتبارهم أن أمراءهم يحمون طائفتهم.

وأما هذا النظام فقد تمَّ تشريعه في العراق بعد احتلاله في العام ٢٠٠٣، برعاية وحماية تحالف النظام الإيراني مع الاحتلال الأميركي.

وأما النظام الإيراني فلأنه يفتح أمامه أبواب العراق مشرَّعة لتنفيذ مشروعه السياسي الطائفي، تصدير ما يزعم أنه ثورة لحماية شيعة العراق، وفي الوقت ذاته يتفرَّغ لسرقة ثروات العراق كله.علماً أنه من المستحيل تنفيذ هذا المشروع إلاَّ إذا تمَّ تفتيت العراق إلى طوائف متناحرة.

وأما الاحتلال الأميركي فلأن صيغة هذا النظام تفتح أمامه بوابات مبدأ ( فرِّق تسد ) ، بحيث يتقاتل أبناء العراق بسيوف طائفية وينحر البعض منهم البعض الآخر تسابقاً للوصول إلى جنة موهومة، بينما يتفرَّغ هو لسرقة ثروات العراق.

إن الأكثر مرارة في واقع العراق هو أن تحالف الفاسدين في الاقتصاد، والسياسة، ورجال الدين، كان جاهزاً ليضع نفسه في خدمة النظام الإيراني والاحتلال الأميركي، ولكي يشكل الأداة الحاكمة على كراسي السياسة، الأمر الذي يتيح لهم المجال للسرقة والنهب وتكديس الثروات من جهة، وتنفيذ مشاريع الاحتلال في النهب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المنظَّم من جهة أخرى.

في تلك المشاهد التي يندى لها جبين الإنسانية، يلعب تجار الدين الدور الأكثر إجراماً، لأنهم يستغلون ثقة الأبرياء بما تمثِّل عمائمهم من قداسة عندهم.فأغراهم الاستسلام بممارسة المزيد من الخداع والنفاق.وتوغَّلوا أكثر في ميادين تزييف الحقائق مما جعلهم يضفون القداسة على الفاسدين من الساسة ومسخوهم من لصوص إلى ( حماة الطوائف ) ، وحرمَّوا الثورة ضدهم تحت حجة ( طاعة أولي الأمر ).ومسخوا تجار الاقتصاد وبيَّضوا سرقاتهم فتحولت من ( سحت حرام ) إلى مال حلال.وخدعوا أصحاب العقول البريئة بأن الله هو الذي رزقهم من دون حساب.

وأما الآن فقد بان انتفاخ كروش تجار الدين، وانتفاخ جيوب وخزائن تجار السياسة، وأصبحت التجارة بلقمة الفقراء ( شطارة ).وأصبح المستور مكشوفاً بعد أن زالت الغشاوة عن عيون أبناء العقول البريئة وبناتهم، فملأوا الشوارع والساحات في القطرين رفضاً لاستسلام آبائهم للأكاذيب واستغفال عقولهم.

لا تتوهموا أيها التجار في شتى حقوق الفساد، أن الفقراء سيغفرون لكم، ولن أستثن منهم حتى الذين ترشونهم بمساعدة من هنا، أو وظيفة من هناك، لأنهم سيدركون في القريب المعجَّل، أنكم لم توفروا لهم ما يحفظ كرامتهم وحقهم في ثروات بلادهم.





الخميس ١٧ رجــب ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أذار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة