شبكة ذي قار
عـاجـل











ليس من المبالغة القول إن البعث قد غيّر اتجاهات المشهد العالمي، بما فيه الدول التي شاركت أو سكتت عن العدوان الذي تعرض له العراق سنة ٢٠٠٣ وأدى الى احتلاله وتفكيك دولته الوطنية وتدميره تدميراً لم يسبق له نظير.

ورغم هول الحدث الجلل الا ان قيادة البعث ورجاله ونساءه ومعهم ابطال الحركة الوطنية ، لم تتهيب من محدودية الامكانيات ازاء عظم وجبروت المعتدي.مستندة في ذلك الى قناعات راسخة من الايمان المطلق بمشروعية الدفاع عن الوطن، وحقائق ربانية في القرآن الكريم تؤكد على نصر الضعفاء المؤمنين على الطغيان والجبروت مهما عظم.اضافة الى مسلمات علمية تثبت ان جزيئات بالغة الضآلة من الفيتامينات والمعادن تُسيِّر تفاعلات الجسم الحي و الحياة برمتها فلا تحصل الاّ بها.

واستنادا الى ذلك انطلقت اسرع واقوى واشرس مقاومة في تاريخ الشعوب لتواجه الغزو الذي حاكته مؤامرات أعداء الحرية والاستقلال للسيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها، حتى تحقق نصرها المبين بهروب قوات المحتل مهزومة مذعورة من العراق عام ٢٠١١.

الا ان عظمة هذه المقاومة لا تكمن فقط بحدود فعلها في العراق ، وانما تتعداه لما احدثه انطلاقها وانتصارها من تأثير على موازين القوى في العالم الذي كان يمر بفترة عدم توازن شاذة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

صورة العالم عام ٢٠٠٣ م
بسقوط الاتحاد السوفياتي سقط مبدأ ثنائية حكم العالم.فأعلنت أميركا مبدأ حكمه بقطبية واحدة تعود لها.والتحقت بها عشرات الدول، باستثناء قلة قليلة منها، الأمر الذي سمح لها باستقطاب أربعين دولة شاركتها بغزو العراق واحتلاله.كانت حسابات أميركا التي وفرتها لها مراكز البحوث الامبريالية والصهيونية ومن يدور في فلكها من قوى طائفية ورجعية تفضي الى قناعات بان العراق وشعبه سيستسلم تحت قبضة القوة الغاشمة و هول الصدمات والترويع الذي سيمارس ضده افراداً وجماعات شملت كل اطيافه.

ومن جهة أخرى، كانت حسابات أميركا تشير الى ان دول العالم القريبة من العراق والبعيدة عنه ستبقى أسيرة ما ستتمخض عنه نتائج احتلال العراق وترويض شعبه.وان روسيا والصين واوربا والهند وتركيا والدول العربية ستبقى راكعة أمام أميركا لتقبّل يدها وتتقبل ما تجود به تلك اليد من فضلات ما تستولي عليه من خيرات العراق، مستفيدة من إسقاط الدور المحوري الذي كان يلعبه قبل الغزو بعد توجيهه بالوجهة الامريكية الجديدة وما تخططه من مشاريع مريبة لهذا الوطن الجريح.

صمود البعث ملحمة بطولة تليق بأمتنا العربية
الا ان حسابات حقول الغزاة أسقطتها حسابات بيدر البعث ورجاله والمقاومة الوطنية الباسلة لشعب العراق الأبي.تفاجأت أميركا وحلفها الشرير بما لم يكن في حسبانها ولم يخطر ببال باحثيها ولا مفكريها الاستراتيجيين بكل اتجاهاتهم الصهيونية التوجه ، وملحقاتهم من الخمينية وذيولها.حيث أطلق البعث أسرع مقاومة عرفها سفر الشعوب التي قاتلت الغزاة والمحتلين.مقاومة انطلقت يوم ١٠نسيان ٢٠٠٣ بعد ساعات من دخول دبابات العدوان الى بغداد.ففجرت حمم الغضب العراقي المقدس لتحرق الغزاة وآلتهم العسكرية العملاقة وعساكرهم في كل بقعة وطأتها تلك الأقدام النجسة.فالتهمت نيران شعبنا المتأججة بقيادة البعث العظيم دبابات وهمرات الغزاة وأجسادهم وتحول الحلم الأمريكي الواهم الى كابوس يرزح تحت رعب لعنة العراق.

كانت المقاومة الباسلة في ذلك تصنع تواصلاً طبيعياً بديهياً مع ملاحم أم قصر والنجف وذي قار والمثنى والرضوانية والمطار والدورة لتتجسد مجدداً في ملاحم اسطورية في معركة الفلوجة الأولى بعد قرابة سنة من الغزو خاضها جيش محمد ورجال الحرس الجمهوري والفدائيون وهزموا فيها آلاف الجنود الأمريكان وسلاحهم الفتاك بكل أنواعه عام ٢٠٠٤ م

ثم كانت معركة الفلوجة الثانية التي سبقها ورافقها وأعقبها جهد مقاوم متنوع أحدث خسائر فادحة بالأمريكان وحلفائهم.وتكررت العمليات بالآلاف مما أجبر جيوش الغزو على الهرب من جحيم المقاومة العراقية جيشاً بعد اخر.وكانت أميركا اخر الهاربين عام ٢٠١١ م بعد أن سلمت العراق الى شريكها الاقليمي الأهم والأخطر وهو نظام ولاية الفقيه في ايران.

وكانت أذرع المقاومة المسلحة الباسلة للبعث ومن تحالف معه من القوى الوطنية والقومية والاسلامية تعمل بذكاء وهمة عالية وكفاءة نادرة على خط آخر هو خط النضال السياسي الذي تركز على تعرية بطلان وفساد العملية السياسية التي فرضها المحتل بهدف إنهاء العراق كوطن وكشعب، واسقاطها.

ان العمل النضالي البعثي داخل العراق وخارجه كان له دور حاسم في بعثرة الامكانات الهائلة التي وُظفَت لانجاح العملية السياسية المشبوهة.فقد عرى الجهد المقاوم رموز الذلة والذيلية والعبودية والخيانة من الذين ارتزقوا على نتائج الغزو وانخرطوا في ترتيباته التدميرية ضد العراقيين والتي أطلق عليها جزافاً بالعملية السياسية.

وتصاعدت مقاومة البعث بكل مجالاتها وصنوفها القتالية والنضالية والاعلامية رغم تطويقها بسلاسل الغزاة وعملائهم، ومحاصرة رجالها وجهدهم المبدع المتسم بالاقدام والايمان والامل.مبرهنة يوما بعد اخر للداخل العراقي وللدول القريبة والبعيدة , ان العراق ليس لقمة سائغة كما سولت لهم رؤاهم وعقولهم البائسة , وان ادعاءات و ذرائع العدوان الاجرامية قد انفضحت اكاذيبها , وان عمليته السياسية تتدحرج الى هاويات سحيقة.فحدث التغيير وتبدلت الأحوال تدريجياً حتى وصلنا ونحن ندخل سنة العدوان السابعة عشر الى مشهد عالمي لم يخطر ببال أحد، مشهد صنعه صمود العراق الاسطوري وبطولات شعبه وتضحيات البعث حزب الشعب والامة.

المشهد الحالي بعد ١٧ سنة من الغزو
يمكن تلخيص المشهد العالمي الذي تشكلت مكوناته تدريجياً من يوم ١٠ - ٤ - ٢٠٠٣ م والى يومنا هذا والذي ما يزال في طور التشكل كحصيلة للكفاح العراقي المقاوم بكل أنواعه ومساراته الاستراتيجية منها والتكتيكية.وكلنا ثقة وايمان بانه سينهي الاحتلال ويزيل كل آثاره وتداعياته ويجبر العالم على مزيد من التفهم لقضية تحرير العراق واحداث التغيير الايجابي لجهة احقاق الحق الذي ظُلم أيما ظلم فيه.ويمكن ان نلخص اهم عناصر هذا المشهد بما يلي :

أولا : استعادت روسيا رباطة جأشها وأعادت قوتها الاقتصادية والعسكرية وعززت تقدمها العلمي وحضورها السياسي والدبلوماسي بعد ان كانت عام ٢٠٠٣ رقما يدور في الفلك الامريكي.

ثانيا : انطلق التنين الصيني بسرعة فائقة ليتقدم اقتصادياً وتقنياً ويشرع بمد جسور النفوذ الاستراتيجية عبر طريق الحرير نحو اوربا من جهة ومتجها نحو افريقيا ليعزز نفوذه فيها من جهة اخرى.

ثالثا : كان من بين نتائج الفشل الامريكي في العراق أن تزعزت وحدة حلفائها كالوحدة الاوربية مثلاً حيث انسحبت بريطانيا مع تزايد الازمات التي يشهدها الاقتصاد الرأسمالي في عقر داره، وما قاد اليه العالم من محن وكوارث وفشل ذريع في حل المشكلات الاجتماعية وتوفير الخدمات الاساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ان الفشل الامريكي الذي سببته مقاومة البعث وصموده كان عاملاً جوهرياً في تحفيز الشعوب للسعي نحو تحرير ارادتها سواءاً كانت مجتمعة اوكدول منفردة، من سلطة القطب الامريكي الواحد.

رابعا : شجعت المقاومة البعثية وصمود الحزب ورجاله وشعبه الجبار العديد من الدول التي تمتلك مقومات النهوض كالهند والبرازيل للتطور و التجديد والمنافسة الصناعية والاقتصادية والعلمية على طريق تشكيل اقطاب جديدة مستقلة في النظام العالمي الآخذ في التشكل الآن.

كما ان صمود البعث قد برهن للعرب ان بإمكانهم ان يحققوا ما هو في عداد المستحيل ليثبتوا وينتصروا بالمعاني الروحية والمادية للنصر.فوجدت الانظمة العربية نفسها الآن أمام عراق غير الذي صوِر لها ، عراق لا يهدأ، عراق يثور كل يوم ثورة ، وينتج كل يوم شكلاً جديداً من أشكال المقاومة.

ان العالم اليوم هو غير عالم ٢٠٠٣ م.والسبب الحاسم في هذا التغيير هو صمود البعث وتقزيمه للغزو والاحتلال وافشال ما خُطط له.فغدا سيكون يوماً اخر تركع فيه الجبابرة عند أسوار بغداد التي ستبقى عصية على المعتدين ومنارة للحضارة والشموخ.
 





الجمعة ١٧ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة