شبكة ذي قار
عـاجـل










تتعرض الأمة العربية ومنذ ظهور الفكر القومي العربي التحرري الى تحديات المواجهة الحضارية الكبرى مع القوى الامبريالية والاستعمار بأشكاله المختلفة، العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، التي تسعى لتكريس ظاهرة التمزق والتجزئة ومنع أي فرصة للانتقال نحو تطوير المجتمعات الصناعية والزراعية واستمرار ظاهرة الهيمنة على الثروات العربية والتحكم بالاقتصاد والمال واستراتيجيات التنمية والطاقة.

ويشير الرفيق القائد عزة إبراهيم الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في خطابه بمناسبة الذكرى ٧٣ لتأسيس الحزب ، من خلال رؤية نقدية لسياسات العولمة، الظاهر منها والخفيّ ، التي ترتبط بمنع الأمة من تطوير مشروعها الحضاري والعلمي والتكنولوجي، مشخصاً حقيقة موضوعية تغيب عن الكثيرين : "فكلما ظهرت في أمتنا مراكز وقواعد تقدم علمي وحضاري تعرضت للتخريب والتدمير ووضعتْ أماَمها عشرات التحديات المصطنعة والمفبركة".حيث وُضِعت شروط وقيود لا حصر لها على انتقال التكنولوجيا والعلوم للاقطار العربية، ومنع انشاء وتطور البنى التحتية اللازمة لإنتاج المعرفة العلمية و التقنية وامتلاك حافات العلوم المتقدمة بدلاً من استيرادها.

ولم تكتفي بذلك بل تعدتها الى استخدام شتى الوسائل العدائية التي تتوجت بقيام الأجهزة الاستخبارية في الدول الرأسمالية بشن حملات اغتيال العلماء واعتقالهم وتشريدهم وملاحقتهم ، كما حدث في مصر والعراق اضافة الى تدمير المفاعل النووي العراقي في ٧ حزيران ١٩٨١م بقصف جوي صهيوني واعيد تدميره في الحرب الامريكية على العراق عام ١٩٩١م بطائرات الشبح لمنع العراق من تحقيق أي فرصة للتقدم العلمي وتحقيق التوازن في الامن الإقليمي.

ان تشخيص الامين العام لافتعال التحديات والعقبات كاستراتيجية اساسية في مؤامرات العدو لإعاقة نهضة الامة هو أمر في غاية الاهمية، فهو رسالة للأجيال ولكل المخلصين المعنيين ببناء البنى التحتية الثقافية والعلمية والاقتصادية اللازمة للنهضة، ان لا يتصوروا ان العدو غافل عن جهودهم وانه سيترك الطريق معبدة امامهم لتسهيل امتلاك ناصية التقدم ، لأن في مثل هذا التصور تكمن الغفلة القاتلة.ذلك لان العراقيل المفتَعَلة هي من اخطر معوقات النهضة الحديثة بما تنطوي عليه من تبديد للزمن والموارد والطاقات.ولأن الامين العام يتحدث من معاناة ومعايشة طويلة في هذا المجال ، فإن الوعي بهذا النوع من الاستراتيجيات الهدّامة ، هو امر في غاية الاهمية.

ان الوعي بهذا التشخيص وادراكه ليس مدعاة للإحباط وانما دافعاً قوياً للإستعداد و التهيؤ لهذا النوع من المؤامرات والوسائل الخفيّة، والتصدي المسبق لها، وبالتالي النجاح بإفشالها وصولاً الى منع حدوثها اصلا.وهكذا يتم ايقاف نزيف الموارد البشرية والمادية التي تشكل هدفاً اساسياً لتلك العراقيل المفتعلة، وتكمن ضمانات تحقيق التطور الحقيقي للأمة و نهضتها الفعلية.

لقد واجهت الأمة العربية في تاريخها المعاصر مختلف أشكال "المؤامرات والتحديات والمواجهات"، وفق ما أشار الرفيق القائد والتي : "كانت مصممة لإيقاف واجهاض اي نهوض عربي تقدمي تحرري حضاري انساني ينهي حالة التخلف"، مما كرس انتشار الأمية الذي شمل أكثر من ٥٧ مليون عربي، وبسبب الفساد المالي الذي تجاوز ترليون دولار، يعيش ٣٠ مليون عربي تحت مستوى خط الفقر، وتصنف خمس دول عربية في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم.وشردت الحروب منذ ٢٠١١م أكثر من ١٤ مليون عربي في مخيمات النازحين واللاجئين ووصل عدد الضحايا لأكثر من ١.٤ مليون بين قتيل وجريح، كما دمرت الحروب ما قيمته ٤٦٠ مليار دولار من البنية التحتية وقدرت الخسائر في الناتج المحلي العربي بـ ٣٠٠ مليار دولار.

ان استعراض كل ذلك يوضح حجم المؤامرات والتحديات التي تواجهها الامة العربية التي اشار اليها الخطاب ، وان ذلك التشخيص يعد الخطوة الاساسية والحاسمة للتصدي بنجاح الى هذا التحدي كي تنجح الامة في النهوض من جديد لمواصلة مسيرتها الحضارية بين الأمم خاصة ونحن نعيش في ظل متغيرات شديدة التسارع في عالم اليوم.

وتتحمل المسؤولية المباشرة لهذه الأوضاع الكارثية، سياسات التبعية الاقتصادية للدول العربية وتحكم مشاريع البنك الدولي بسياسات التنمية وارتهان الثروات الطبيعية والبشرية للاستثمارات الرأسمالية، واستمرار ظاهرة الحروب والعنف وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، مما عطل من فرص التطور والتقدم لبناء المجتمعات وتحقيق الازدهار الاقتصادي.

لذا تبقى الأهداف السامية التي طرحها حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه في السابع من نيسان عام ١٩٤٧م، تمثل رسالة حضارية إنسانية، للتحرر من مختلف أشكال الهيمنة الاقتصادية والثقافية ومظاهر والتخلف والاستبداد، والعمل على طرح مشروع للنهضة والحداثة والتقدم التقني والصناعي والزراعي مشيراً الى ان كل ذلك لا يمكن ان يتم بشكله المؤثر والمأمول الا بوحدة الامة.فالوحدة هي التي تتيح تحقيق التكامل الاقتصادي والمعرفي والبشري المطلوب كقاعدة لتحقيق مثل هذه النهضة.

لذا "يبقى البعث الرسالي"، كما يشير الرفيق القائد الأمين العام للحزب : "ملبياً لتطلعات الأمة بكلِ عُمقِها وشمولِها وفق ضرورات ومتغيرات العصر"، وهذا
يعني ان وسائل واستراتيجيات تجسيد الأفكار القومية واهداف الحزب الكبيرة يجب ان تمتلك القدرة على التجدد والتطور بموجب المتغيرات المتسارعة التي نعيشها في زمننا الحاضر وبما ينسجم مع التقدم والتطور الحضاري والتكنولوجي في العالم.

فبدون القدرة على التجدد والتغيير، نقع أسرى الماضوية والجمود ومن ثم تكريس العجز عن مواجهة التحديات الخطيرة، الاقتصادية منها والامنية والسياسية والثقافية، التي تمثل جوهر الصراعات الدولية والإقليمية وبالتالي تعريض وجود الامة نفسه الى الخطر.وهذا يستهدف كما يشير الرفيق الأمين العام للحزب الى ان : "التغيير الشامل والعميق لواقع فاسد ومتخلف ومريض"، يشكل عنصراً حيوياً لحزب البعث العربي الاشتراكي لإنقاذ المجتمع العربي من مختلف مظاهر التخلف والبؤس والفقر والحروب الدموية."وصولا إلى إقامة حياة سليمة ومتجددة وناهضة نحو التطور والتقدم والازدهار"، لأن بناء المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي الموحد يشكل قاعدة جوهرية لتحقيق الأهداف السامية للحزب في بناء المستقبل العربي.

واليوم اذ يتعرض العالم بكل قواه الموالية للعولمة والمناهضة لها الى تحولات جذرية ستفضي الى نوع جديد من الاصطدام وباستخدام وسائل وتقنيات متطورة غير مسبوقة ، ولأن الموقع الجغرافي للوطن العربي وما حباه الله تعالى من موارد كان وسيبقى موضع اطماع الاخرين وبالتالي ساحة لتنافسهم عليه، مما يجعل وجود الامة نفسه مهدد، لذا فان ابناءها مطالَبون اكثر من اي وقت مضى باعتماد التجديد والتطور والمواكبة لمتغيرات العالم سواء على صعيد الاستراتيجيات المتبعة اوالوسائل المعتمدة.

مكتب الثقافة والاعلام القومي
١٤ / نيسان / ٢٠٢٠





الاربعاء ٢٢ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة