شبكة ذي قار
عـاجـل










في هذه الايام المشرقة حيث ينتفض شباب الامة في العراق وقبل ذلك في السودان والجزائر حاملين دمهم على أكفهم لتحرير الأرض والإنسان مدافعين عن حرية الامة واستقلالها ، ومن اجل ابقاء راية العروبة حية خفاقة نستذكر اليوم اياماً مشرقة في تاريخنا العربي المعاصر تحققت فيها انتصارات مجيدة تتزود من عبقها الاجيال الصاعدة العزيمة والثقة لمواصلة كفاحها الضروس دفاعاً عن عروبة الامة وحقها في الحياة الحرة الكريمة.

فعلى الرغم من أن هناك أحداثاً وملاحم جرت في بقعة معينة من الوطن العربي ، لكن امتد اشعاؤها ليضيء لنا على امتداد الوطن الكبير ، إما لأنها كانت دفاعاً عن وجود ومصالح ومستقبل الأمة وبجهد مشترك ، أو انها أدت في نتائجها وانعكاساتها إلى حماية المصلحة القومية وتعميق التلاحم العربي فصارت معالم وأياماً مشرقة في تاريخنا العربي نستلهم منها القيم والدروس ونتزود من تفصيلات مجرياتها بشحنات من العزم لتجدد فينا روح الوفاء والإقدام والتضحيات في معاركنا الراهنة في مواجهتنا لأعداء الأمة من قوى الشر والعدوان حماية لمصالح الأمة وخياراتها ودورها الرسالي الانساني.

برنامج أيام مشرقة في التاريخ العربي المعاصر يسلط الضوء على هذه الأحداث ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في التلاحم النضالي بين أبناء العروبة.من هذه الأيام الخالدة في تاريخنا العربي المعاصر :

تحرير الفاو .. ملحمة خلدها التاريخ


بعد استلام الخميني للسلطة في شباط / فبراير من عام ١٩٧٩ ونجاحه في تصفية الاجنحة المعارضة له من قيادات الثورة الايرانية، راح يبث سموم ايديولوجياته الطائفية بهدف تمزيق نسيج الامة العربية الواحدة والحصول على موطئ قدم في ربوع الوطن العربي كله لزرع الفتن والفرقة، من خلال اللعب على الوتر الحساس مدعياً ان نظامه جاء من اجل تحرير فلسطين وذلك لإضفاء الشرعية على المشروع الاستعماري التوسعي الفارسي الذي يقوده.وقد كشفت الأيام والوقائع ان هذا النظام ما جاء الا لتفتيت الامة وتمزيقها بدءاً من العراق.

وهكذا وبعد مرور سنة واحدة فقط على استلام السلطة بدء النظام الايراني بمناوشات على الحدود عبر قصف مخافر وقرى عراقية، وفي الرابع من أيلول / سبتمبر ١٩٨٠ كثف من عملياته العسكرية.وقد حاولت الحكومة العراقية إيقاف تلك المناوشات عبر رسائل ووسائل دبلوماسية، الا ان النظام الايراني المعتدي رفض جميع المحاولات.وبناءً عليه قرر العراق الرد على الاعتداءات الإيرانية في ٢٢ أيلول / سبتمبر ١٩٨٠، وبسبب تعنت النظام الايراني ورفضه لكافة مساعي السلام فقد استمرت الحرب ثمان سنوات وشهدت معارك شرسة على طول الحدود بين البلدين والممتدة لمسافة تزيد على ١٢٠٠ كيلومتر.

لم يتمكن الإيرانيون من الحصول على موطئ قدم في الأراضي العراقية الا مرة واحدة كانت في فبراير ١٩٨٦ حيث تمكنوا من شن هجوم مفاجئ على شبه جزيرة الفاو الممتدة على طول شط العرب الذي يفصل بين البلدين.واستهدفت إيران من عملية احتلال الفاو ان تكون قاعدة لانطلاق عملياتها التوسعية باتجاه ميناء البكر العميق ( ميناء النفط ) الكائن داخل مياه الخليج العربي، ومدينة ام قصر المطلة على خور الزبير ومنه الى الكويت والسعودية، وبالتأكيد فان هدفهم الاستراتيجي الأول كان مدينة البصرة ثغر العراق الباسم.وبما ان الهجوم الإيراني كان مفاجئاً على شبه جزيرة الفاو، فقد انسحبت القوات العراقية الى الخلف مما شجع الإيرانيين على التقدم نحو البصرة.ثم عززت القوات الإيرانية هجومها انطلاقاً من الفاو باتجاه الشمال، وحشدت أيضا قطعات لشن هجوماً من شرق البصرة ضد قطعات الفيلق السابع بقيادة اللواء الركن ماهر عبد الرشيد.وقد أبدت كافة القطعات العراقية شجاعة فائقة وقاتلت قتالاً مريراً ضد القطعات الإيرانية، وحالت دون تقدمها نحو البصرة ومنعتها من تحقيق أهدافها.

أدركت القيادة العسكرية العراقية ان طرد العدو لا يتم بوقت قصير وانه ينبغي التريث وتوفير الاستعدادات الاستراتيجية وتهيئة الظروف الملائمة والقطعات اللازمة للتحرير وتدريبها وتسليحها وتنظيمها لمنع وقوع ضحايا كثيرة دون تحقيق الهدف.

أحكمت إيران قبضتها على شبه جزيرة الفاو التي بقيت تحت سيطرتها لمدة سنتين تمكنت خلالها من تحصين مواقعها بالخنادق وحقول الألغام والقنوات المائية لمنع تقدم القطعات المدرعة العراقية.استهدف الإيرانيون من احتلالهم للفاو قطع الاتصال بين العراق واقطار الخليج العربي، ومنعه من تصدير نفطه وحرمانه من أي إمكانيات للاستمرار بالحرب.الا ان العراق عمل على مد انابيب نفط عبر المملكة العربية السعودية وبالتالي تجاوز تأثير الحصار الذي فرضته إيران على تصدير النفط من الميناء العميق والموانئ الأخرى.

بعد دراسة القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية كل الخيارات المتاحة قررت الاستمرار بالقصف المدفعي وعمليات الاستطلاع والتصوير الجوي على المنطقة كلها منذ بداية الاحتلال حتى التحرير، وتمكنت الاستخبارات الجوية من معرفة ادق التفاصيل عن توزيع القطعات الإيرانية والعقد الدفاعية والأسلحة الساندة.
وقد أوكلت مهمة تحرير الفاو الى كل من القيادات التالية وحسب الرتب في حينها :

أولا : قيادة قوات الحرس الجمهوري بقيادة الشهيد اللواء الركن أياد فتيح الراوي، وتألفت الفرق من :

١ - قوات المدينة المنورة - بقيادة العميد الركن أحمد حماش
٢ - قوات بغداد - بقيادة العميد الركن عبد الواحد شنان آل رباط
٣ - قوات حمورابي - بقيادة العميد الركن ابراهيم عبد الستار
٤ - قوات نبوخذ نصر – بقيادة العميد الركن أزهر عبد الله

ثانياً : الفيلق السابع - بقيادة اللواء الركن ماهر عبد الرشيد
ثالثا : الفيلق الثالث - كان دوره هو صد أي هجوم في حالة حصوله من الجهة الشرقية لشط العرب في منطقة البصرة.

وبالإضافة الى استعدادات الجيش فقد قامت هيئة التصنيع العسكري بتصنيع معدات حربية وتحوير طائرات وغيرها التي كان لها الاثر الكبير في المعارك لاحقاً.

وقد شكلت القيادة العامة للقوات المسلحة فريق عمل خاص برئاسة الفريق اول الركن عبد الجبار شنشل لمتابعة الاستعدادات والتحضيرات اللازمة لتحرير الفاو وضم رئيس اركان الجيش الفريق اول الركن نزار الخزرجي وعدد محدود من ضباط الركن الأكفاء.ولقد ساهم اعضاء الفريق مساهمة فاعلة في التخطيط للمعركة، وكان لهم دور كبير في تحرير الفاو والتي ادت لاحقا الى استكمال معارك التحرير الكبرى وانهاء الحرب مع إيران.

وقد انيطت مهمة التصدي للزوارق والسفن الحربية المعادية الى قيادة القوة البحرية.

لقد كانت مسؤولية تحرير الجزء الغربي من شبه جزيرة الفاو على قيادة قوات المدينة المنورة في الحرس الجمهوري، أما مسؤولية قيادة قوات بغداد فكانت من الطريق الاستراتيجي الذي يحد قاطع الفيلق السابع إلى الحدود الفاصلة مع قيادة قوات المدينة المنورة، وبالعمق إلى نهاية منطقة المملحة، بحيث تكون الصفحة الأولى لقوات الحرس الجمهوري هي احتلال قاطع المملحة المعقد لأنه أرض ملحية.أما مهمة قيادة قوات حمورابي فكانت الصفحة الثانية؛ وهي تحرير مدينة الفاو بالتعاون مع جهد قوات الفيلق

السابع وصولاً إلى منطقة رأس البيشة وتكون قيادة قوات نبوخذنصر حرس جمهوري بالاحتياط.

في الساعة ٤ : ٣٠ من فجر يوم ١٧ نيسان / ابريل ١٩٨٨، والذي صادف الأول من شهر رمضان المبارك، انطلقت معركة تحرير الفاو بقصف مدفعي مكثف على كافة مواقع العدو في شبه جزيرة الفاو، تبعه هجوم قوات الحرس الجمهوري والفيلق السابع.

حيث أطلقت أكثر من ألف فوهة نيران في القصف التمهيدي المركز، وفي الساعة ٠٦ : ٠٠ شاركت الدبابات في تدمير النقاط الحصينة الأمامية، وقد شاركت الزوارق الحربية والقوة الجوية في مرحلة القصف.في الساعة ٠٦ : ٣٠ انطلقت قطعات الصولة لاختراق حاجز منظومة الموانع، وفي الساعة ١٢ : ٠٠ من يوم ١٨ نيسان ١٩٨٨ دخلت طلائع الحرس الجمهوري مدينة الفاو ورفعت العلم العراقي فيها وذلك بعد ٣٥ ساعة من القتال الشرس والمعارك الضارية، كما رفع العراقيون علم العراق فوق كافة الأراضي المحررة وعلى شواطئ شط العرب.

واجهت القوات العراقية في عملية تحرير الفاو مقاومة شرسة في بداية الهجوم، الا ان شجاعة المقاتلين النادرة واصرارهم على كسب المعركة وتدمير العدو وطرده من اراضي الوطن جعل العدو يتراجع، فهرب من استطاع الهرب من أرض المعركة وبقيت جثث قتلاهم تفرش ارضنا الطاهرة.علما ان العديد من المقاتلين كانوا قد اقسموا بأن يبقوا صائمين حتى يفطروا تحت ظلال علم العراق في الفاو.

كان للقوة الجوية وطيران الجيش دوراً حيوياً وجباراً في تدمير مواقع العدو وتحصيناته وآلياته.فقد شاركت المقاتلات بطلعات عمليات التجريد على كافة مواقع العدو سواء شرق شط العرب او غربه في الفاو.اما طائرات الاليوشن - ٧٦ فقد لعبت دوراً في قصف جسر الانابيب والجسور الخشبية التي نصبها العدو على شط العرب وقطع طرق الامداد في العمق الايراني.وكانت تلك الطائرات قد قامت بالعديد من الطلعات التي دكت تحصينات العدو الدفاعية وسببت ارباكاً شديدا لدى القيادة الإيرانية التي استيقظت على أصوات القصف المدفعي والطائرات ولم تدرك ما جرى الا بعد وصول الفارين من ساحة المعركة.

لقد حققت القوات العراقية الباسلة تقدماً سريعاً، وفرضت تفوقاً ساحقاً، وقد كان لتحرير شبه جزيرة الفاو أثر كبير حيث ادى هذا النصر المجيد الى الإخلال بالتوازن الاستراتيجي للقوات الإيرانية على طول الجبهة، فاضطرت إيران فيما بعد إلى القبول مرغمة بوقف إطلاق النار.فلقد مثلت الفاو نقطة تحول في الحرب حيث اعادت للعراق منفذه المائي على البحر الذي حرم منه سنتين، ودفعت هي وباقي الانتصارات التي حققها الجيش العراقي بعدها لإعلان إيران القبول بقرار مجلس الامن الدولي رقم ٥٩٨ لوقف إطلاق النار بعد ان تجرع الخميني السم الزعاف.

ان وقوف شعب العراق وصبره وصموده خلف جيشه الباسل قد حقق النصر المبين، وسيعيد التاريخ نفسه بوقفة العراقيين مع القوى الوطنية العراقية وشباب ثورة أكتوبر لدحر المعتدي واستعادة كرامة العراق وسيادته وهويته الوطنية.

١٧ / نيسان / ٢٠٢٠





السبت ٢٥ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة