شبكة ذي قار
عـاجـل











ماكان الوضع في البلد بحاجة الى ظاهرة تفشي فيروس كورونا ، ليكتشف الناس ان القطاع الاستشفائي الحكومي ليس على مايرام.فهذا القطاع الذي يفترض فيه ان يكون اكثر القطاعات العامة اهمية وموضع رعاية من الدولة،لتعلق الامر بصحة المواطن ،—خاصة بالنسبة للفئات الشعبية غير المستفيدة من تقديمات المؤسسات الضامنة ، سواء من عمل في مؤسسات القطاع العام او مؤسسات القطاع الخاص والمشمول بتقديمات صندوق الضمان الاجتماعي — انكشف حجم الاهمال الذي يعتريه ،في مواجهة اول تحدٍ ناتجٍ عن عجزه وعدم قدرته على التعامل بكفاءة ،مع ماهو مطلوب منه اساساً لتلقي نتائج الفايروس ،وهذا لم يكن بسبب عدم استعداده للتعامل مع واقع صحي كالذي اصاب بالبلد ، بل بسبب اهمال الدولة لهذا المرفق الصحي ، وتراجع دوره وامكاناته لمصلحة قطاع الاستشفاء الخاص ، الذي بات اصحابه مع شركات الادوية والتجهيزات الطبية احدى اللوبيات الضاغطة والمستفيدة من نظام المحاصصة ،واحدى قنوات الهدر والسرقة للمال العام ، بعدما درجت العديد من المستشفيات على رفع تقارير وهمية عن اعمال طبية تجريها لمن هو غير مشمول بتقديمات الصناديق الضامنة ، وتقبض بدل ذلك اموالاً طائلة من المالية العامة، وبتواطؤ مفضوح من الادراة الطبية العامة، وجهاز الرقابة فيها وفي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، وهذا مثّل شكلاً من اشكال الفساد الادراي ،كما كان واحداً من اشكال السرقة والهدر للمال العام الذي اوصل الوضع الى حافة الافلاس.

واذا كان الاهتراء الذي ظهر في مؤسسات القطاع الصحي الرسمي ، هو نتيجة طبيعية للنهج السلطوي الذي دأب على جعل القطاع العام بكل مرافقه الخدمية يتراجع لمصلحة القطاع الخاص ، ومن ضمن استراتجية هادفة لخصصة كل مرافق القطاع العام ، فان هذه الصورة القاتمة التي برز من خلالها الواقع الاستشفائي الرسمي ، لم تكن تقتصر عليه فقط ، بل ادت تداعيات الفيروس الى تبيان الاهتراء والتخبط والفوضى في كل الادارات العامة، وخاصة ذات الصلة بالتصدي للنتائج التي تولدت عن الالتزام باجراءات الحجر المنزلي، وتأثير ذلك على الواقع المايشي والحياتي للذين انقطعت سبل العمل عندهم.وبعد اخذٍ وردٍ ، قررت الحكومة رصد ٢٥ مليون دولار ، تقدم كمساعدات طارئة للفئات الاكثر عوزاً ، ولدى مباشرة التنفيذ ، لم يتبين ان الوزارات المختصة لديها قاعدة معلومات عن الفئات الاكثر حاجة ،واللوائح التي رفعتها وزارة الشؤون الاجتماعية تبين انها غير شاملة ، وانها ملغومة باسماء المحاسيب والازلام ،وان كثيرين ممن ادرجت اسماؤهم في اللوائح لاتنطبق عليهم المواصفات المطلوبة لتوجب المساعدة.كما تبين ان اللوائح المحفوظة في وزارة الشؤون ، كانت تتبدل بتبدل الوزراء الذين يتولون ادارتها ، وهذا ماجعلها تفقد مصداقيتها ،كادارة معنية بمتابعة الاوضاع الاجتماعية للفئات المعوزة ، وهي وزارة ذات صلة بوزارة الصحة العامة.لقد كان ملفتاً للنظر عند تشكيل الحكومات ، ان تكون وزارة الصحة كما الشؤون هما موضع تجاذب ، وهذا التجاذب باعثه، لم يكن التنافس على الخدمة العامة ، بل لان هاتين الوزارتين باتتا وزارتين خدماتيتين دسمتين ، وعندما يكون الهدف الاساسي لللتنافس السياسي عليهما هو لدسماتهما ، فإن تقديماتهما يراد لها ان توظف في خدمة الاستثمار السياسي للقيمين عليهما.وهذا مابان بشكل واضح في التعامل مع تداعيات الكورونا.وما يجدر التوقف عنده ان مؤسسات القطاع الخاص وهيئات سياسية واجتماعية واعلامية ومجتمع مدني، نحت المسار نفسه في الاستثمار السياسي والاعلامي ، وهي تقوم بجباية تبرعات وتوزيع مساعدات على الفئات التي يفترض ان تقدم لها مساعدات ،علَ ذلك يخخف من عبء الانعكاسات الضاغطة على الواقع المعيشي.

ان كل هذا اضفى طابعاً عشوائياً ، سواء لجهة تحديد الفئات المستحقة او لجهة الطريقة التي يتم بها التوزيع.ان هذا ان دل شيء فإنما يدل على خواء الاداء الحكومي ،والى افتقار الدولة الى استراتجية وطنية تتصدى من خلالها للازمات ذات البعد الوطني بتأثيراتها.فلو كانت لدى حكومة رؤية وطنية ،لكانت انشأت صندوقاً وطنياً، تتكون ارصدته من مساهمة الدولة ومن التبرعات الخاصة والهبات من الاشخاص والهيئات ، وتتولى ادارته هيئة ذات مصداقية ، تدقق في اللوائح اولاً، وتشرف على التنفيذثانياً.وعندئذٍ تبطل عملية ان تكون السلة الغذائية او المساعدة النقدية ،ميداناً للاستثمار السياسي والاعلامي للقمة رغيف الخبز ، وعندها يشعر المواطن انه لايذل بتقديمات هي بالاساس حق له في حال ازمة الكورونا او في ازمات اخرى وما اكثرها في ظل الواقع الذي تحت عبئه اللبنانيون.

ان ازمة الكورونا ، كشفت كم هو الاثر الكارثي كبير النتائج المترتبة على ضرب القطاع العام وخصصته ، وكم هو مطلوب اعادة الاعتبار لهذا القطاع الذي ترتبط تقديماته بالامن الحياتي والاجتماعي.لكن لاثقة بمنظومة سلطوية كالتي تدير الحكم ، وبالتالي لابد من اسقاطها وانتاج سلطة جديدة تحاكي من خلال سياستها ورؤيتها الوطنية مصالح الناس ، التي ضحت وترفض ان تذل بحقوقها الاجتماعية والحياتية.





الثلاثاء ٢٨ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحرر السياسي / طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة