شبكة ذي قار
عـاجـل










تحدث الرفيق القائد الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي عزة ابراهيم حفظه الله عن الاشتراكية العربية في خطابه التاريخي بمناسبة ٧ نيسان ،وذلك في مجال تأصيل الثوابت الفكرية والأهداف الاستراتيجية للبعث.

ويحتل هذا الامر اهمية مضافة في ضوء التحولات التي يمر بها العالم نتيجة المتغيرات الراهنة التي من المتوقع ان تعيد صياغة العديد من الاستراتيجيات والتصورات والمفاهيم ، وتساهم في تغيير طبيعة النظم الاقتصادية والاجتماعية السائدة وتعيد تقييم مدى كفاءة النظم السياسية سواء الرأسمالية منها او الإشتراكية في ادارة والتعامل مع التحديات الكبرى التي تواجهها البشرية.فلقد مر العالم عبر التاريخ بالثورات والحروب والمتغيرات الاقتصادية والثقافية التي أحدثت تغييرات شاملة ، وفرضت وسائل جديدة في الإنتاج وفي اسلوب الحياة و في المفاهيم والقيم السائدة.

واليوم حيث يمر العالم برمته في منعطف كبير نتيجة لطبيعة الصراع الدائر بين القوى الكبرى والمتغيرات الاخيرة التي فرضتها التطورات العلمية والتقنية وما تنطوي عليه من نتائج بعضها باهر وبعضها الآخر في غاية الخطورة على الانسانية ، فان الامة العربية مطالبة اكثر من اي وقت مضى بالوعي بتلك المتغيرات والاستعداد لها، لكي لا يكون وطننا العربي وقوداً للقوى الكبرى في هذا النمط الجديد من الصراعات.ولكي لا تتخذ الامة موقف المتفرج الذي يكتوي بنار الحروب دون ان تدافع عن مصالحها العليا بما لديها من قدرات و امكانيات متاحة.

ان اي فعل مؤثر في هذا المجال لابد ان ينطلق من تأصيل ثوابت الامة وبما يخدم تطلعاتها المستقبلية، ومن هنا تحتل اشارة الرفيق الامين العام في خطابه الاخير الى " الاشتراكية العربية " اهمية خاصة، حيث اكد على سمتها القومية العربية المؤمنة وعلى انفتاحها على فكر وتجارب العالم فقال : { ان اشتراكية البعث قومية عربية مؤمنة ، ان عقيدة البعث مرجعيتها عقيدة الامة العربية وفكر البعث هو فكر الامة المتجذر والمطبوع والمولود من عقيدتها وفكرها ومبادئها وقيمها وتراثها وهو منفتح على فكر الامم كما هي اشتراكيتنا منفتحة على تجارب العالم }.

والاشتراكية التي هي احد الاهداف الاستراتيجية للبعث ، معنية بالنظم الاقتصادية والاجتماعية، ومن بين اهم سماتها الأساسية هي التحرر من القهر الاقتصادي ، وسيطرة الشعب على وسائل الانتاج الرئيسية الكبرى، وتحقيق الملكية العامة للموارد الاقتصادية ، و توفير العمل و الخدمات لكافة المواطنين، وانهاء الاستغلال ، وتوجيه كل الموارد لصالح المجتمع وافراده، والتخطيط الاقتصادي العلمي و تعبئة الموارد الاقتصادية الوطنية لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي ، وضمان انعكاس كل ذلك على حياة الأفراد والمجتمع وصولاً الى تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع.

وقد تميزت أيديلوجية حزب البعث العربي الاشتراكي بكونها أيديولوجية علمية ، والعقل العلمي بطبيعته ينفتح على الواقع وعلى كل التجارب العالمية و يرفض الأحكام المسبقة والجاهزة.

لقد شهد الوطن العربي والعالم انماطاً مختلفة واحياناً متصارعة من العقائد التي تطلق على نفسها صفة " الاشتراكية ".وقد تباينت من الاشتراكية الشيوعية الستالينية الى الاشتراكية الديمقراطية الإصلاحية وغيرها، مما لا مجال لتعداده في هذا المقال.وقد فشلت تلك الاتجاهات لدى تطبيقها في العديد من اقطار الوطن العربي بسبب اعتمادها على أطر وقوالب جاهزة من الخارج.فقد كانت تلك الأطر والمعالجات قد وُضِعت لتحليل طبيعة الإنتاج وقواه ووسائله لمجتمعات غير المجتمع العربي.

ان عقيدة البعث ناتجة من رحم الامة ومعاناتها، ومن منطلق الثقة بالنفس وبالامة وقدراتها وارثها الحضاري ، فقد اختار البعث أن يشق رؤيته الخاصة والمتميزة للإشتراكية بما يلائم واقع الامة وتراثها ، رابطاً بين الاشتراكية وبين الوحدة والحرية ، فكان بذلك معبراً عن موقف حضاري نابع من فهم عميق لواقع الامة الاقتصادي والاجتماعي والقيمي من جهة، ومن حركة التطور التاريخي للإنسانية وإمكاناتها المتجددة من جهة اخرى.يقول الامين العام عن البعث : { هو الوحيد في الامة من ربط ربطاً عضوياً بين وحدة الامة وحريتها وعدالتها الاجتماعية أي ربط بين الاشتراكية والقومية وأكد على حقيقة ان الاشتراكية يجب ان تكتسب سماتها ومعالمها وحيويتها وتراثها من ظروف الامة الزمانية والمكانية ومن بيئتها الوطنية والقومية }.

وقد انطلق البعث في كل ذلك من اعتماده لنهج "العلمية" التي تعني فيما تعنيه اكتشاف القوانين المحركة للواقع الذي نتواجد فيه ونعيشه ، والعمل على إيجاد قوانين تلبي حاجة الجماهير العربية في الوقت الذي تتفاعل فيه بايجابية مع تجارب الاخرين ، يقول الامين العام :

{ الوحدة العربية وحرية الامة وتحررها والطريق البعثي العربي الخاص لبناء الاشتراكية القائم على العلم والتجارب الوطنية والقومية والدولية }.واستناداً لهذا فانه ليس من العلمية في شئ أن نستورد نظريات جاهزة من الخارج بُنيَت على تحليل واقع غير واقعنا، فوضعت حلولاً تناسب مجتمعات أخرى غير مجتمعنا.لذا فان العقيدة الاشتراكية و التطبيق الواقعي لها في الوطن العربي للوصول الى اهدافها الإنسانية، لا ينبغي ان تغفل مراعاة الخصائص القومية ، ومن هنا فقد اكد البعث على ذلك دوماً.

ويحتل الإيمان بالاشتراكية العربية والدعوة لها الان اهمية خاصة في الظروف العالمية الراهنة وما تشهده من تحولات غير مسبوقة.فالأمة العربية في امس الحاجة الان الى مواكبة هذه المتغيرات والاستعداد لها، خاصة وهي تخوض معركة الوجود مع الطامعين في السيطرة على مواردها ومقدراتها.

والاشتراكية العربية تعني،اضافة الى ما ذُكِر اعلاه، تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية و سيادة القطاع العام على قطاعات الانتاج الرئيسية و الموارد الاستراتيجية في الدولة مع دعم الملكية الفردية و النشاط الاقتصادي الخاص بطريقة مدروسة ومنظمة لكي يساهم القطاع الخاص في التنمية عموماً , متوافقاً مع القطاع العام وضمن رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية شاملة للدولة وباشرافها.

والاشتراكية العربية التي يؤمن بها حزب البعث العربي الاشتراكي ليست معنية بدعم العمال فقط وانما كل الكادحين من ابناء الامة من عمال و فلاحين و طلبة وعسكريين وغيرهم.كما وترتبط الاشتراكية العربية بهدفي الوحدة والحرية ارتباطاً جدلياً متلازماً.ذلك ان مشكلاتنا ليست اقتصادية فقط بل هي قومية وتحررية.ومن هنا فان اشتراكية البعث تجسد العلمية ، لانها نتاج دراسة وتحليل ومعايشة معمقة للقوانين المحركة للواقع العربي بالذات، وليست
استيراد اطر جاهزة من خارجه.يقول الرفيق القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق في كتاب في سبيل البعث :

{ وحزبنا عندما ربط الوحدة العربية بالاشتراكية لم يتعسف ولم يرتجل بل وجد في ذلك السبيل الوحيد لكي تصبح الوحدة في حياة الجماهير حقيقة حية متحركة يطالب بها كل عامل عندما يطالب بخبزه وبزيادة أجره وبالدواء لأبنائه ، وعندما يطالب كل فلاح فقير ومظلوم باسترداد حقه في إنتاجه ويرفع الظلم عن كاهله }.

و اليوم يشهد العالم انماطاً جديدة من الصراعات والمتغيرات ذات العلاقة بالأمن والإقتصاد والتطور التقني الفائق، و تنافُس بعض الدول من أجل الهيمنة على الاخرى بطرق ووسائل بعضها جديد وغير مسبوق.ومع حلول اجيال جديدة من تقنيات ووسائل الاتصال فائفة السرعة ومنها تقنية { الجيل الخامس } ، وتوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشمل اغلب المجالات، فإنه من المتوقع ان يساهم كل ذلك في تغيير الحياة في جميع انحاء العالم و على كل المستويات، وبوتائر هائلة ومتسارعة، يشمل تأثيرها كل الجوانب الحياتية للانسان والمجتمعات على السواء ، من خلال استخدام طرق تقنية جديدة وتوفير خدمات غير مسبوقة.

ومن المتوقع ان تدعم هذه التقنيات الجيل التالي من البنى التحتية غير السائدة حالياً ، وتسهم في تحويل مدن العالم إلى مدن ذكية متصلة على نحو كبير وعميق، مما سيغير من العديد من القيم والثقافات على نحو كبير، ويعرض البعض الاخر الى تحديات جادة.

وتعتبر تكنولوجيا المعلومات الحاسوبية والأتمتة احدى أهم تطبيقات التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، التي من المتوقع تغير انماط الانتاج الى انماط جديدة تستغني فيها عن الانسان ليحل محله الانسان الآلي ( الروبوت ) في قطاعات صناعية وزراعية وصحية وخدمية واسعة.ان كل ذلك سيؤدي الى اختفاء ملايين الوظائف والاعمال لتحل محلها وظائف جديدة كلياً لا تعرف عنها اغلبية القوى العاملة في وطننا العربي شيئاً.وسيجد الملايين من الشباب العربي بموجبها انفسهم خارج القوى العاملة.

ان كل ذلك يحتم اعتماد استراتيجيات متطورة يأتي في مقدمتها استحداث برامج هائلة للتدريب والتأهيل ، ودراسة توزيع الثروات في الوطن العربي والسيطرة عليها ، واعتماد الاستراتيجيات التي من شانها ان تحكم السيطرة على تخطيط الاقتصاد وتوجيه النمو من اجل تحقيق الضمان الاقتصادي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية لأبناء الامة.

وهذا يحتم علينا اكثر من اي وقت مضى تفعيل مفهوم البعث للإشتراكية العربية الذي اشار اليه الرفيق الامين العام للحزب في خطابه، مؤكداً فيه على ضرورة التطور من خلال الانفتاح على العصر قائلاً : { يبقى البعث الرسالي ملبياً لتطلعات الأمة بكلِ عُمقِها وشمولِها وفق ضرورات ومتغيرات العصر }.

ان اعتماد الاشتراكية العربية التي ميزت عقيدة البعث ، هي من بين اهم الطرق لحماية ابناء الامة وضمان حقهم في الحياة الحرة الكريمة في ظل التطورات المتسارعة وتحدياتها ومتغيراتها التقنية والاقتصادية والثقافية.اضافة الى كونها تمثل الحل الامثل لتنمية الموارد البشرية والمادية للامة بشكل عادل وتفعيلها لمواصلة ركب التقدم والنهضة ، وحمايتها من استغلال الطامعين بخيراتها وثرواتها.وهذا يتطلب الانطلاق ابتداء من بناء تعليم يعزز الثقافة الاشتراكية المنفتحة على التطورات الاقتصادية الجديدة في العالم ، كون الامة لا يمكن ان تعزل نفسها عن الشعوب الاخرى ، وبذلك تستطيع ان تتفاعل بقوة وحيوية مع اقتصادات العالم الأخرى دون ان تفقد خصوصياتها القطرية والقومية.

ويتطلب ذلك استرجاع طاقات الامة العربية المهدورة و التي بددها الاحتلال والحروب ضد امتنا العربية، وفق برنامج طموح وجاد لتتمكن الامة من تسريع عجلة التنمية وإعادة خلق القاعدة العلمية اللازمة لاي تطور حقيقي، والتأسيس للمشروع الحضاري العربي الذى استهدفته القوى الامبريالية والصهيونية وعملائها في المنطقة وأرادت وأده.

ان التطور الهائل في البحث العلمي قد أوصل العالم الى تقنيات لم نكن نعهدها في القرن الماضي عندما ظهرت الافكار الاشتراكية.وعلينا كأمة حية لها تاريخها العريق وساهمت في صنع الحضارة واوجدت الأسس للكثير من العلوم المعاصرة ان نتنبه ونساهم بقوة من خلال دعم العلماء والباحثين وبيوت الخبرة في الجامعات والمراكز العربية لتفعيل نظرية البعث الاشتراكية من خلال تطوير الاستراتيجيات والحلول العلمية الملائمة للنهوض بالواقع العربي ومواجهة تحدياته الراهنة والمستقبلية بكل كفاءة.

وضمن عملية التطور التي ينشدها حزبنا المناضل علينا ان ندعم الأجيال الصاعدة لاكتساب مهارات القرن الواحد والعشرين لنصبح امة منافسة قادرة على وضع بصماتها في عجلة التطور الانسانية.

مكتب الثقافة والاعلام القومي
٢٩ / نيسان / ٢٠٢٠





الجمعة ٨ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة