شبكة ذي قار
عـاجـل










ان قراءة استكشافية للأبعاد الدلالية الفكرية والنضالية والأستراتيجية للخطاب – الوثيقة للرفيق الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ،تقتضي من الباحث المدقق اعتماد منهج التعمق في المقولات التي تضمنها ، والتي تتكامل في استراتيجية مستمرة لحزب البعث على مدى ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن أي منذ عام الانطلاقة الأولى ١٩٤٧ وحتى اليوم ، لا بل ان ثمة خطاً استراتيجيا شاملاً يجعل من رؤية قائد البعث افاقية وممتدة الى سنوات وعقود قادمة.

أولى الدالات المضمونية للخطاب تكمن في مقاربته الشاملة للحراك التاريخي للأمة العربية من جهة، وللمسار النضالي الثوري والأستعداد البعثي الدائم للمواجهة في سبيل ارتقاء الأمة ونهضتها المستدامة من جهة أخرى.

الدالة الثانية تكمن في التركيب البنائي للخطاب - الحدث ، فهو يعتمد المراحلية الزمنية المتدرجة ، والتي يمكن تحديدها بثلاث مراحل تاريخية تناولها الخطاب في توصيفه مسارات الأمة والحزب الذي منح بجدارة لقب حزب - الأمة العربية وبات منذ تأسيسه المعبَّر النضالي والفكري عن قضايا الأمة ومستقبلها.

أما المحاور الثلاثة التي تدور حولها مقولات الخطاب فهي :

١ - مرحلة ما قبل التأسيس أي ما قبل ١٩٤٧.
٢ - مرحلة ما بعد التأسيس أي منذ انطلاقة الحزب وحتى اليوم.
٣ - المرحلة القادمة في ضوء استراتيجية للحزب تربط جدلياً بين خلاصات تقويمية للمرحلتين المذكورتين واستشراف موضوعي للمرحلة القادمة.

أولاً : المرحلة الأولى
ركزت المقولات على خصوصية الأمة العربية من حيث موقعها في قلب الجغرافية العالمية ، ومن حيث ابداعاتها الحضارية التي شكلت قصب السبق على مستوى أمم وشعوب العالم في التاريخ القديم والوسيط حتى أواخر العصور العباسية.فقد تميزت الأمة بنتاج حضاري في مجالات التشريع والحقوق المدنية وفي اختراع الأبجدية والكتابة ، وفي علوم الفلك والرياضيات والهندسة والكيمياء والفن المعماري والتقويم الزمني للأيام والأشهر والسنوات.

هذا وكانت الأرض العربية قد اختصت بالأنبياء والرسل ونشرت الأفكار التوحيدية الى العالم، وكانت الدولة العربية الإسلامية هي النموذج الأول للدولة من حيث الانتظام والوظيفة واستمرت منذ توحيد الجزيرة العربية وفتوحات بلاد الشام والرافدين وبلاد النيل وشمال افريقيا، فكانت كلها في اطار دولة عربية واحدة في وقت لم يظهر نموذج الدولة كمؤسسة عامة ذات وظيفة لإدارة المجتمع في أية أمة في العالم.

من هنا يؤكد الخطاب على الرسالة الخالدة للأمة العربية ، وهي رسالة انسانية ذات مضامين قيمية أخلاقية حضارية تنشد عدالة الانسان في الأرض.

هذه الخصوصية للأمة العربية من حيث تشكّلها وموقعها ورسالتها الخالدة وضعتها محط أنظار القوى الطامعة، الأمر الذي جعلها عرضة للاجتياحات المستمرة من الفارسية الى اليونانية والرومانية والصليبية وصولاً الى القوى الاستعمارية الأوروبية في التاريخ الحديث التي سعت الى تثبيت التجزئة في الجغرافية السياسية للأمة ومنعها من قيام وحدتها التي تبقى العنصر الأساسي لقوتها ونهضتها.ولم تلبث القوى الاستعمارية ان صدرت الى المنطقة الاستعمار الصهيوني الذي زرعته في أرض فلسطين العربية من أجل الحؤول دون تحقيق الأمة لوحدتها القومية.

هذه المرحلة ، توقف عندها الخطاب في غير مقطع وإشارة ، مؤكداً أن البعث بذل جهوداً اتسمت بمعايشة معمقة حتى تمكن من رصد المسار التاريخي للأمة بكل فصوله، وخرج بعد ذلك بقوة استلهامية ثاقبة لدور الأمة ولرسالتها الخالدة ولقوميتها الانسانية المميزة.لذلك جاءت الصياغات الفكرية للحزب عام ١٩٤٧ لتحاكي حركة الأمة في تاريخها ودورها ورسالتها، فكان مثلث العقيدة البعثية في الوحدة والحرية والاشتراكية.

ثانياً : مرحلة ما بعد التأسيس
هذه المرحلة وضع لها الخطاب العنوان التالي " البعث بين التحدي والاستجابة "، حيث شهد الحزب منذ اللحظة التاريخية لانطلاقته الفكرية والنضالية سلسلة من التحديات التي هي بمثابة معوقات أمام النهضة العربية ، والتي تشكل موانع صادة تحول دون الوحدة القومية للأمة العربية ولرسالتها الحضارية الانسانية.

ويمكن تلخيص بعض من أبرز هذه التحديات فيما يلي :

• اغتصاب فلسطين من قبل كيان صهيوني دخيل مدعوم من قوى الغرب الرأسمالي الأميركي – الأوروبي وقوى معادية أخرى تدور في فلكه.

• العدوان الثلاثي على مصر ١٩٥٦ لضرب التوجّه الوحدوي القومي التقدمي لثورة يوليو في مصر.

• محاصرة الوحدة العربية بين مصر وسورية ودعم قوى الانفصال لاسقاطها في أيلول ١٩٦١ ، اي بعد تجربة لاكثر من ثلاث سنوات على قيامها، حتى لا تكون نقطة ارتكاز لوحدة عربية أوسع وأشمل فيما بعد.

• محاصرة تجربتي الحكم للبعث في العراق و سوريا ، والوقوف الخفي وراء الانقلاب الانفصالي الانشقاقي عن الحزب في ٢٣ شباط ١٩٦٦ ، حيث كان الهدف المركزي من الانقلاب ضرب الهيكل التنظيمي لحزب الوحدة العربية - حزب البعث.

• اسقاط نهج الجمهورية العربية المتحدة في ظل قيادة الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك عبر مساعدة العدو الصهيوني في حرب حزيران ١٩٦٧ ، لتحقيق هدف امبريالي صهيوني هو عزل مصر عن اداء دورها القومي ، وحرمان الأمة العربية من قوة مصر البشرية والعسكرية وموقعها الدبلوماسي والسياسي الدولي.

• ضرب المقاومة الفلسطينية واخراجها من بيروت بعد عدوان اسرائيل ١٩٨٢ ، بهدف كسر ارادة التحرير الفلسطينية عبر اعتماد أسلوب الكفاح الشعبي المسلح.

• العدوان الثلاثيني على العراق عام ١٩٩١، وفرض حصار ظالم غير مسبوق في التاريخ، استمر لثلاث عشرة سنة متواصلة.ثم احتلاله واسقاط نظامه الوطني، وألغاء دولته المركزية ، وحل الجيش العراقي الذي انفرد في الجمع بين العقائدية والمهنية والكفاءة والاستبسال.

"استجابة البعث للتحديات"
لكن بالمقابل، وهذا ما أفرد له الخطاب مساحات واسعة توقف عندها قائد البعث الرفيق عزة ابراهيم حفظه الله ، حيث أتى على ذكر العديد من الاستجابات التي شكلت ردوداً نضالية على التحديات التي سبق ذكرها.ومن أبرز المهام والانجازات التي نهض بها الحزب وشكلت استجابات تأريخية له في مواجهة تلك التحديات :

• التزام الحزب أسلوب الكفاح الشعبي المسلح لتحرير فلسطين.ولم يلبث أن أطلق " جبهة التحرير العربية " لتجسيد نظرية الحزب في تحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين ، وذلك في تبادلية جدلية وثيقة.

• رد الحزب على انفصال الوحدة المصرية - السورية بتفجير ثورتي ٨ شباط في العراق و ٨ اذار في سوريا ١٩٦٣.

• رد الحزب على نكسة حزيران ١٩٦٧ بتفجير ثورة ١٧ تموز المجيدة ، هذه الثورة التي أسست لتجربة غير مسبوقة عربياً وعلى مستوى الدول النامية أجمع ، من حيث الكم النوعي من الانجازات في غير مجالٍ علميٍ وتكنولوجي وتربوي واقتصادي ، وفي البناء الاجتماعي المتماسك على قاعدة الوطنية والالتزام بقضايا الأمة.

لقد أغاظت التجربة العراقية الأعداء فراحوا يعملون على اسقاطها حتى لا تكون قاعدة قوية لصالح قضايا العرب القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
فكان العدوان الأنكلو - أميركي الذي انتهى باحتلال العراق عام ٢٠٠٣.لكن حزب البعث لم يتأخر في الرد المباشر على الاحتلال وعلى العملاء الذين سلمهم زمام الحكم والسلطة في العراق وفق نهج المحاصصة المذهبية والعرقية البغيضة، كل ذلك من أجل تفكيك العراق وتدميره والاستيلاء على ثرواته الوطنية.

لقد اضطرت القوات الأمريكية على الهرب من العراق مرغمة تحت ضربات المقاومة العراقية الباسلة في نهاية العام ٢٠١١ ، وبعد ان تكبدت ، حسب ما ورد في الخطاب، أكثرمن ٧٥ ألف قتيل ، وحوالي ٧ تريليون دولار.هذا وقد وصلت تضحيات البعثيين الى أكثر من ١٦٥ ألف شهيد بين مدني وعسكري.

صراع الامة الأساسي هو بين مشروعها القومي الذي يمثله البعث
ومشروع الخمئنة المتسترة بأيدولوجية مذهبية

ثالثا : المرحلة الراهنة والمستقبلية
يرى الرفيق القائد الامين العام أن المرحلة الراهنة هي أخطر وأدق المراحل في تاريخ الأمة العربية وحزبها حزب البعث العربي الاشتراكي.وأبرز سماتها هي :

١ - وجود اختراقات استعمارية أميركية ودولية وفارسية واقليمية أخرى للمجال العربي ، وفتح هذا المجال منذ مطلع العشرية الثانية من هذا القرن على سلسلة من الحروب الأهلية المفتوحة في غير قطر عربي في سوريا واليمن وليبيا ناهيك عن أزمات الدولة والمجتمع في العراق ولبنان ومصر وتونس والجزائر وغيرها.

واذا كانت فلسطين قد شكلت بعد ١٩٤٨ القضية القومية المركزية للأمة العربية ، فان سلسلة الحروب الأهلية المتفجرة في غير قطر عربي باتت تشكل سلسلة قضايا مضافة الى القضية الفلسطينية ، الامر الذي يستدعي استجابة نضالية تحاكي مجموعة هذه القضايا المهددة لمصير الدولة الوطنية والوحدة القومية للأمة العربية.

٢ - مركزية العراق في معركة المصير العربي
ان استعادة الدولة الوطنية في العراق تبقى من أولويات كل الوطنيين والعروبيين من ابناء الامة وفي مقدمتهم البعثيين ، فالعراق يمثل معجزة الأمة العربية في قدرتها على البقاء والحياة.واذا كان الاحتلال الأمريكي قد احتل الأرض حتى هروبه في نهاية العام ٢٠١١، فان الاحتلال الشعوبي الصفوي احتل وما يزال يحتل المجتمع ويستحوذ على السلطة ، ويمعن تفتيتاً وتشظياً في النسيج الوطني العراقي والثقافة الوطنية والعربية والهوية التاريخية لشعبه وينطلق منه لتخريب الامة.

٣ - ان الصراع في المرحلة الراهنة هو صراع اكثر شراسة بين مشروع الامة القومي الذي يمثله البعث من جهة ، ومشروع الخمئنة المتسترة بأيدولوجية مذهبية دينية ليس الهدف منها سوى التمدد الامبراطوري الى غير قطر عربي في العراق وسوريا ولبنان واليمن وحتى مصر وصولا الى البحر المتوسط وشمال افريقيا.وهو مشروع جيوسياسي طالما كان يراود ايران الصفوية في تمدد نفوذها الاقليمي على حساب الأمة العربية ومستقبلها.

٤ - يدعو الحزب منظماته الحزبية في غير قطر عربي وفي الخارج الى تصعيد النضال بكافة أشكاله الوطنية والفكرية والاجتماعية والسياسية لمواجهة التحديات الخطرة التي تواجه أقطارنا العربية بهدف تدمير وحدتها الوطنية والغاء هويتها الثقافية العربية، كل ذلك من أجل الغاء الأمة العربية كوجود تاريخي وكرسالة خالدة ساهمت في اغناء المسيرة الحضارية لسائر الأمم والشعوب الأخرى.

انه التحدي المصيري الذي يواجه الأمة وحزبها ، وعليه ينبغي ان تكون الاستجابة القومية بقيادة البعث الرد الحاسم على هذه التحديات ، وتسجيل النصر للبعث الذي لا يموت.

مكتب الثقافة والاعلام القومي
٣٠ / نيسان / ٢٠٢٠





السبت ٩ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة