شبكة ذي قار
عـاجـل










تفاخر الحكومة، انها نجحت حيث فشل الآخرون، وعنوان نجاحها هو ما سمته خطة اقتصادية انقاذية وضعتها لجنة من ذوي الاختصاص في المجالات الاقتصادية والمالية والنقدية، لمعالجة تداعيات الأزمة التي تعصف بالبلد منذ مدة، وانفجرت في تشرين الأول من العام الماضي، وهي ما زالت متوالية فصولاً بانعكاساتها السياسية والاجتماعية والمعيشية.

إن الخطة التي سمتها الحكومة خطة انقاذية، استعجلت كتابتها كي تقدمها كأوراق اعتماد لصندوق النقد الدولي، علها تستطيع الحصول على قروض ومساعدات، يمكنها من "فرملة" الوضع المالي الذي ينزلق بخطى متسارعة نحو الهاوية.لكن اللجوء إلى المؤسسات الدولية والدول المانحة لايعني أن الاستجابة لطلبات الحكومة حاصلة حكماً، لأن الأمر يتوقف على صيغةٍ عقدية، واضح ان الطرف اللبناني هو الأضعف، لأنه المدين وعادة يكون هو الفريق الأضعف في عقد المداينة الذي يفرض الدائن شروطه فيه، وكأن الامر شبيه بالعقود التي تنتجها إرادة منفردة.وبطبيعة الحال ان صناديق الإقراض والدول المانحة ليست جمعيات خيرية، وهي غالباً تربط موافقتها على الإقراض برزمة طلبات إن لم نسمها شروطاً، ومن الشروط التي يضعها عادة، صندوق النقد الدولي، تحرير سعر العملة الوطنية والحزمة الضرائبية والحوكمة والحد من تضخم القطاع العام ،وهذه شروط عامة ، يضاف اليها الخاص بلبنان، وهي وقف الهدر وخاصة في الكهرباء ومنع التهريب خاصة ذلك الذي تديره شبكات وقوى منظمة.في الخطة التي رفعتها الحكومة، احتوت على تلبية الطلب المتعلق بالضرائب وكذلك تحرير سعر الصرف.أما بالنسبة للتضخم في القطاع العام فقاربته بشكل خجول، ولم تقارب ملف الكهرباء الذي شكل الإنفاق عليه نصف المديونية، إلا بالمرور عليه مرور الكرام، باعتباره لازمة من لازمات البيانات الحكومية عند التقدم من نيل الثقة، وأما ملف التهرب الضريبي والتهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، فحاله، حال الكهرباء.وإذا كانت الحكومة تلجأ إلى الخارج لملء الخزينة الخاوية، أما كان أجدى بها أن تعمد إلى وضع يدها على أهم ملفين يمكن من خلال ضبطهما تغذية وإعادة الملاءة للخزينة؟ وهما الكهرباء والتهرب.فضبط الملف الأول، يوقف تسرب المال العام عبر اقنية السمسرات والصفقات بالتراضي والرشاوى، ويحو ل هذا القطاع، من قطاع مستنزف ( بكسر الزاء ) الى قطاع منتج.كما ضبط الملف الثاني، يعيد تغذية الخزينة بأهم مصدر من مصادر وارداتها.وهذا لو تحقق لما كان موقف لبنان استجدائي، ولما كان سيرضخ للشروط التي ستفرض عليه.

أما وأن أيٍ من هذين الملفين لم يقاربا بمسؤولية وطنية، بل تمت من خلال مقاربة مصالح طرفين يمسكان بخناق الحكومة، لذلك جاءت الحملة السياسية من المستفيدين من هذين المزرابين اللذين يتسرب منهما المال العام، على كل من يثير اعتراضاً على إدراة هذين الملفين، واللذين لا يحتاجان إلى تشريعاتٍ لضبطهما.لأن كل ما هو مطلوب قرارات جريئة تمليها المسؤولية الوطنية والحرص على المال العام.أما ان يقول الذين تناوبوا على إدارة ملف الكهرباء، بأن يدهم لم تطلق في إصلاح الكهرباء، فكلامهم مردود عليهم، لسببين : الأول، انهم ومنذ دخلوا إلى جنات النعيم السلطوي كانوا قوة وازنة، ولم يقارب الملف إلا من خلال الصفقات المشبوه، وآخرها صفقة البواخر.والثاني، أنهم الآن طرف أساسي وأكثري في الحكومة، وعندما جرى التطرق لملف الكهرباء في الخطة، جرى التطرق إليه بنفس العقلية والآلية التي كانت تدار به سابقاً، وليس صحيحاً أن يدهم كانت مغلولة، بل كانت مبلولة بالمال العام وما زالت قائمة.بالتالي فإن القديم باقٍ على قدمه.

أما ملف التهريب، التي تطلق المواقف المبررة له ( بكسر الراء ) ، فهي لم تقاربه من زاوية وجوب ضبطه، لحماية الاقتصاد الوطني على مستوى التسويق السلعي، والمردود الذي يدره على الخزينة العامة، بل جرت مقاربته خلال من بعدين سياسيين، الأول، يتعلق بإعادة تطبيع العلاقة مع النظام السوري، والثاني يتعلق بضبط الحدود، ضبطاً "سيادياً".ويفهم من خلال هذه المقاربة أن ملف التهريب، ليس مسألة تقنية بل هي مسألة سياسية، وبالتالي سيبقى القديم على قدمه ايضاً، والمعابر غير الشرعية ستبقى تدار بنفس العقلية والآلية التي كانت كانت تدار به سابقاً وحالياً، وأن التهريب القائم، يديره طرف لا يشارك في الحكومة وحسب، بل يفرض وصايته على الحكم برمته َ.والتهريب المقصود، ليس ذاك الذي يقوم به أفراد على طرفي الحدود، وتقتصر منافعه على الحالات الفردية وعادة ما يحصل عبر الطرق الحدودية غير الممهدة.أما الطرق التي تعبرها القوافل ذهاباً واياباً، بحماية أمنية، فإنما تديرها جهات نافذة في الحكم وعلى الأرض.وطالما هذه الجهة هي المستفيد شبه الوحيد من مردود التهريب والتهرب الضريبي، وهي في موقع المقرر لما تريده، والمعطل لما لات ريده، فإن طريق التهريب لن يقفل، طالما بقيت المنظومة السلطوية بكل أطرافها أو بعضها وهي التي أوصلت البلد إلى الانهيار ممسكة بمفاصل السلطة.والحكومة الحالية التي شكلت بآليات سابقاتها، وبإدارتها للملفات السياسية والمالية، والقوى التي تتشكل منها، إنما مثلت إعادة إنتاج السلطة لذاتها، وطالما هي كذلك فهي سلطة تحكمها قواعد المحاصصة، حيث الكهرباء من حصة فريق، فيما جمل التهريب بما حمل من حصة فريق آخر.أليس هذا هو الفساد بعينه؟ ان الشفافية في ملف الكهرباء، تحققها مصداقية وطنية، وهذه غير متوفرة.وإقفال ممرات التهريب المشرعة بقوة الأمر الواقع، تحققها إطلاق يد الجيش والقوى الامنية ضبط الحدود وهذا غير متاح، وخطة الضبط لا تحتاج إلى انتشار ميداني، عسكريٍ بجنب آخر، بل تحتاج إلى قرار سياسي، وهذا القرار لن يمنح في ظل موازين القوى السائدة، وبالتالي فإن التهريب سيبقى قائماً، وكان الأحرى بالمجلس الأعلى للدفاع أن لا يكلف نفسه عناء تشكيل لجنة لدراسة الموضوع.

لكن ما العمل إذا كان أهم ما لفت الانتباه اليه في عمل الحكومة منذ تشكلت - باستثناء إجراءات الوقاية حتى لا نبخثها حقاً - هو تشكيل لجان الاختصاصيين، علماً أنها قدمتها نفسها حكومة اختصاصيين!إن الحكومة الذاهبة للاقتراض، ذاهبة وهي تفتقر إلى التغطية السياسية والمصداقية الوطنية والشفافية واللاثقة الشعبية التي عبرت عنها الانتفاضة وما زالت، ولو سلمناً جدلاً أنها استطاعت الحصول على قروض ومساعدات، فإن هذه القروض لن تنفق وفق مجالات الإنفاق المحددة على الورق، بل ستنفق وفق الآليات السابقة والنوايا المضمرة، في ظل حكم طرفٍ نهمٍ للسلطة والمال، وطرف آخر يقاتل لأجل الإمساك بناصية القرار السياسي والإمساك بالأرض وتوظيف ذلك في خدمة وتمويل مشروعه الخاص من المال العام.إنها السرقة الموصوفة، طالما بقيت هذه العقلية هي التي تدير الحكم والحكومة الحالية الذاهبة لطلب المساعدة، كالذاهب إلى تعبئة الماء بالسلة.وما زال الوقت باكراً للمفاخرة بإنجازات قائمة على الورق وجدار خزينتها العامة تنخره الثقوب، وملفا الكهرباء والتهريب نموذجاً.





الجمعة ٢٢ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كتب المحرر السياسي لطليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة