شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل النكبة كان الفلسطيني كسائر شعوب الأرض، يعيش، يزرع أرضه ويقطف ثماره ويحرث أرضه، ويتزوج وينجب الأبناء، ويبني ويتعلم ..

بعد النكبة انقلبت حياته رأسا على عقب، ولم يتبق لديه سوى مهمتين في الحياة، صراع البقاء والوجود ومن أجل ذلك وجد ضالته في العلم، والمهمة الثانية هي أن يُقاوم ..
في المهمة الأولى أبدع الفلسطيني في صراع البقاء، فجعل من المخيم ومن حول خيمته مشتلاً ومزرعة دواجن، وحظيرة غنم ..

أرسل أولاده إلى المدرسة وحثهم على العلم، كان يبيع مؤونة بيته ليشتري بها دفتراً أو قلماً، كانت الأم تجمع البيض، وتربي الأرانب والدجاج وتبيعه لتساعد في مصاريف الأولاد.

ورغم كثرة عدد الأبناء وعدم وجود المساعد الشخصي أو الخادمة، كما هو اليوم، ولا الماء في البيوت ولا الغاز ولا الكهرباء ولا غسالة ولا ثلاجة، كانت الأم تقوم بكل ذلك يدوياً، وعلى أكمل وجه، وفي وقت الفراغ تتجه للتطريز والأشغال الصوفية أو اليدوية، وكل ذلك من أجل دعم دخل الأسرة وتوفير مصاريف التعليم للأولاد ..

اتجه الآباء إلى المزارع للعمل بقروش قليلة في اليوم، وإلى المحاجر والانشاءات وتعبيد الطرق، أشغال شاقة، من أجل الحفاظ على البقاء، وكانت الأمهات في كل سنة تنجب مولوداً جديداً، وتتمتع هي والمولود بصحة جيدة، رغم كل ما تعانيه من مرارة الأيام.

كانت الأم الفلسطينية تباهي مجتمعها بأن عندها ١٠ أولاد و٥ بنات، وهاي هي حامل ..

كان الفلسطيني لا يتكبر على شيء، أول يوم في العطلة يذهب للبحث عن عمل، إن لم يكن قد جهز له مسبقاً، والبعض منهم يتجه للتجارة، يبيع على صينية مثلاً ( الحمص الطري ) او يحمل صينية يبيع حلويات ( هرايس ) أو يبيع بوظة.

أو يستثمر ( عربية ) خشبية يشتغل عليها بسوق الخضار، أو يعمل طباق، ( يصنع الأطباق الورقية الملونة بأعلام أو صور للأولاد ويبيعهم ) ..

كان الفلسطيني يُربي طيور الحمام .. يشتغل عند نجار أو حداد أو محل ألمنيوم أو عامل بناء ..

كان يجمع دخل عمله خلال الصيف ليشتري حقيبة مدرسية ودفاتر، وحذاء رياضة صيني أبو الإصبع، ودفتر رسم وعلبة هندسة ومصروف ( بالقطارة ) ..

لم تكن الشوكولا والشيبس والعصير تمر حتى في أحلام الفلسطيني، آخر ما يحلم به سندويشة زيت وزعتر، لذلك كانت معظم دفاترنا وكتبنا ملطخة بالزيت ورائحتها زعتر، ورغم كل هذه الحالة الضيقة كانت العبارة الملازمة من الأب، يا ويلك إذا ما بتطلع الأول، يا ويلك إذا بتغيب، يا ويلك لو حرارتك ٤٠ إذا ما بتروح إلى المدرسة، يا ويلك وسواد ليلك إذا رجعت إلى البيت باكياً وتقول الأولاد ضربوني، يا ويلك إذا الأستاذ طلب منك احضار ولي أمرك، يا ويلك إذا دخنت ..

لما كبرنا صار الشلن ( خمسة قروش ) مصروف يكفي لشراء نصف سندويشة فلافل، وأجرة طريق وكأس شاي ..

هذا هو الفلسطيني الذي تغرب وفي جيبه دينار وعاد مليونيراً أو طبيباً أو مهندساً، هذا هو الفلسطيني الذي ما ترك قرية ولا بلداً إلا وذهب إليه معلماً بعد أن تخرج من الثانوية ليجمع مصاريف دراسته في الجامعة ..

هذا هو الفلسطيني، كان الأول في جامعته، الذي كان يقسم المنحة بينه وبين عائلته، ويرسل جزءاً من منحته لمساعدة والده في مصروف باقي أخوته ..
الفلسطيني مدرسة ومفخرة وهوية ..
 





الاربعاء ٢٧ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن النويهي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة