شبكة ذي قار
عـاجـل











كثيرون، وهذا التوضيحُ مهمٌّ جداً لهم، يعتقدونَ، بسببِ الكمِّ الإيمانيِّ في خطبِ القادةِ البعثيّين، وفي كتاباتِ مثقّفيهم، وما تتجلّى به الطروحاتُ البعثيّةُ، من استحضارٍ لمزايا جهاد ( الرساليّين ) الأُوَل، الذين كانوا يحيطون بالرسول الأعظم في صدر الرسالة، أنَّ البعثَ ذو اتجاه ( ديني ) ، وقد تناسى هؤلاء، أنَّ تسميةَ ( البعث ) مُسْتَمَدّةٌ من الأنبعات الأول، وإنَّ أوائلَ البعثيّين، وحتى الجيلَيَن الثاني والثالث، تثقّفوا على رساليّةِ الإسلامِ ومنهجِ قائده الرسول الأعظم، عبر ما تحدّثَ به وبعمقٍ رساليٍّ عام ١٩٣٦، من على مدرّجاتِ جامعة دمشق، قائدُ البعثِ ومفكّرهُ الأستاذ ميشيل عفلق، ( في ذكرى الرسول العربي ).وحتى في الجانب المادي، كان ( ديالكتيك ) البعث، متميِّزاً كثيراً عن ( ديالكتيك ) النظريات والعقائد الأخرى، كالنظريّتين الماركسية والراسمالية، وما بينهما، كالطوباويّةِ والمثاليّةِ والفابيّةِ، فأعتبرَ البعثيّون، الاشتراكيةَ، ليست مجرّدَ حاجةٍ ( بايولوجيّةٍ ) لملء بطون الجياع، بل هي، كما وصفها مؤسّسُ حزبهم، الأستاذ ميشيل عفلق، ( ظفرُ الحياةِ على الموت ).من هنا جاء الربطُ بين الصراع الطبقي والصراع القومي في العقيدةِ البعثيّةِ، جدليّاً، لأنَّ الأنسانَ، هو القيمةُ العليا في هذه العقيدة، وفيه تكمن كلّ عواملِ الثورةِ والإبداعِ، ومن يقرأ بعمقٍ، دستورَ الحزب، الذي أقرّهُ المؤتمر التأسيسي الأول في نيسان من عام ١٩٤٧ في دمشق العروبة، يكتشفُ بسرعةٍ، مقدارَ اهتمامِ البعث بالإنسان وأسرتهِ، حدَّ اعتبارهما الوعاءَ القيميَّ للأمةِ برمّتها والشكلَ المصغّرَ عنها، بل ومعملَ التنشئةِ الرساليّةِ .. ولمّا كان البعثُ رساليّاً، فقد اشترطت طروحاتُ مفكّرِ البعث ومؤسّسهِ وعمومِ منظّري الحزب وقادتهِ، أنْ يكونَ الإنسانُ المنشودُ، هو الإنسانُ ( الرساليُّ ) ، الممتلىءُ قدرةً على التفاعل مع المنحى ( الانقلابي ) في التغيير، لذلك جعلَ البعثُ من طلائعهِ، السبّاقةَ في أنْ تتحوّل ( وقوداً ) لمعاركِ الجماهيرِ المتفجّرةِ ثورةً على الواقع الشاذ، الذي ترزحُ مجتمعاتُنا العربيّةُ تحت وطأته، هذا الواقع، الذي يعتبره البعث في تحليلاتهِ الفكريّةِ والسياسيّةِ، نتاجَ التجزئةِ والظلمِ الإجتماعيِّ وتداعياتِ الهيمنةِ الاستعماريةِ التي أقتطعت فلسطين من الجسم العربي وتسليمها للصهيونية، وإطلاق أيدي الاقطاعِ والطبقاتِ المُسْتَغلِّةِ التي استولدت، أنظمةً فاسدةً وأنانيّةً وقامعةً، تجرّأت على الوقوفِ أمام تطلّعاتِ الجماهير العربية، هذه الجماهيرُ التي تشرئّبُ صوبَ فضاءات الحرية والحياة، لبناء مجتمعها النموذجي الرسالي، الذي لا يَجوعُ فيه الإنسانُ، ولا يَعرى ولا يُقمعُ ولا يخافُ.

ولأنَّ طليعةً بهذه المواصفات، لابدَّ أنْ يُشْتَرَط لقيادتها، رموزٌ لا أشخاصٌ عاديّون، لذلك ينظر حزب البعث العربي الاشتراكي، إلى المسؤولِ الحزبيِّ، على أنه إنعكاسٌ لفعلِ الإمةِ الرساليِّ، وصورةٌ مثاليّةٌ للعقيدةِ القوميّةِ الاشتراكيّةِ ومشروعِ الأمةِ النهضويِّ، كي يبقى البعثيُّ مُلُتَصقاً بمسؤولهِ، ليرى فيه الحزبَ دائماً، عقيدةً وتاريخاً وموقفاً .. وكلّما بقيَ هذا المسؤولُ، قريباً من هذه الصورة، تحوّلَ رمزاً، لا شخصاً كالأشخاص العاديّين.

وعلى وفقِ هذه الثوابتِ العقائديّةِ، لم يكن البعثيّون ممّن يعبدونَ الأشخاصَ، وعندما يلتزمُ البعثيُّ، التزاماً كاملاً بما يصدر عن مسؤولهِ الحزبيِّ، فذلك لأنَّ المسؤولَ الحزبيَّ، ليس إنساناً عاديّاً، بل هو القائدُ والرمزُ، سواءٌ في النضال أم في الحياة.

من هنا، كنّا وما زلنا، شديدي الفخر، بمزايا مسؤولينا الحزبيّين ..

وأروي تدليلاً على هذا الفخر، قصّةَ لقائي قبل سنةٍ من الآن، بمسؤولي الحزبي في بدايات سبعينيّات القرن المنصرم، وعلى الرغم من أنّني أسنُّ منه عمراً، فقد كنتُ أقدّمه عليَّ في المسير، وأناديه بعبارة ( رفيقي وأستاذي ) ، فانتبهَ الرجلُ إلى ذلك، فقال لي :
• لماذا هذه الرسميّات، يا أبا بعث؟

- أجبته بمحبّةٍ : هذه الرسميّات، يا أستاذي ورفيقي أبا حيدر، لأنّكَ كنتَ مسؤولي الحزبي !

وعن أهميّةِ الرمزيّةِ عند البعثيّين ( الرساليّين طبعاً ) ، أروي هنا هذه الواقعة المهمّة جداً، فقد زارني في أحد أيام التسعينيّات في مكتبي بدار الشؤون الثقافية، يومَ كنتُ رئيساً لنادي الكتاب الثقافي، صديقي مدير الشرطة العام، اللواء عبد المحسن خليل، وحدّثني، إنه كان قبل أيامٍ عند السيد الرئيس القائد صدام حسين، فابقاه الرئيس معه لحين إكماله مقابلات المواطنين .. وممّن قابلهم السيد الرئيس القائد - يقول اللواء عبد المحسن - كان وكيل وزارة الثقافة والإعلام، السيد نوري المرسومي .. فقال المرسومي للسيد الرئيس : اصدرتَ سيادتكم، مراسيمَ جمهوريةً، بتعييني مديراً عاماً ووكيلَ أهمِّ وزارةٍ .. لكنّني لم أزل لليوم نصيراً في الحزب، ورغم أن سيادتكم وضعني في هذه المواقع المهمة، لكنَّ الحزب لم يمنحني شرفَ العضوية فيه !

فاكتسى وجهُ السيد الرئيس القائد بهالاتٍ من الفرح - يواصل اللواء عبدالمحسن خليل - وقال للمرسومي : لاحظ، كيف يعطي البعثيّون بسهولة، المواقع الحكومية : وزيراً وسفيراً ووكيلَ وزارة، لكنّهم صعبون جداً في منح عضوية حزبهم، لأنَّ هذه العضويةَ، كبيرةٌ عندهم !

هكذا هي الرمزيةُ بشكلها المثاليِّ والقدسيِّ عند الرفيق صدام حسين، ولأنه رمزٌ ويحترمُ الرموزَ، فقد سلّمَ الأمانةَ لمن حفظها ويحفظها، ولمن هو بمستوى هذه الرمزية وبحجم قدسيّتها، لذلك فأنَّ الرساليّين من البعثيّين، وهم العارفون بدقّةِ قائدهم صدام حسين وحكمتهِ وعمقِ معرفته بخصال الرجال الرساليّين، ساروا بثباتٍ خلف الرجل الذي سلّمَه القائدُ صدام حسين، رايةَ قيادة النضال، وقد إئتمنه عليها وهي بين يديه القويتين، فكان الرفيق ( عزة إبراهيم ) ، جديراً بهذه المسؤولية، وهو العقائديُّ الذي يضطمُّ على كل مزايا القائد البعثي الرسالي، وأنَّ كلَّ من تخلّفَ عن السير تحتَ ظلالِ هذه الراية وهي بين يديْ القائد عزة إبراهيم، هو من النمط المتخلّف عن معارك الجهاد والتحرير، والذي انتسبَ للحزب وليس للبعث، عندما كان الحزبُ، مُمسكاً بالسلطة، فلم ينتمِ إلى منهج البعث الرسالي، لذلك يصبحُ أمر تخلّف هذا النمط عن خوض المعارك، طبيعيّاً وممكناً جداً، وثمّة نماذجُ في التاريخ، بعيداً وقريباً، تشبه هؤلاء.

فالفرسانُ الذين وقفوا مع الرسول الأعظم في صدر الرسالة، لا يشبهون من وقفوا معه بعد الفتح .. والذين كانوا مع البعث، أيام الجوع والسجون والمعتقلات والواجبات النضالية الصعبة، لا يشبهون من جاءت به مكاسبُ السلطةِ ومغانمُها إلى صفوف الحزب .. من هنا، فقد تخلّفَت أنماطٌ هزيلةٌ عن أنْ تكونَ مع البعث ومقاومته الباسلة بعد الغزو وتسير تحت ظلال الراية التي تعلو في كفِّ القائد عزة إبراهيم، فبعضٌ تشبّثَ بذرائع مضحكةٍ، يبرّرُ بها ( انشقاقه ) عن الحزب، وبعضٌ آخرُ أطلقَ الذرائعَ الواهنةَ، التي يحاول بها تغليف ( جُبْنَه ) و ( ضعفه ) و ( انهزاميّته ) ، ليبرّرَ ( تخلّفه ) عن المعارك التي يخوضها البعثيّون الرساليّون، بقيادة المناضل ( عزة إبراهيم ) ، الرجل الذي كان ولم يزل أميناً على بعثيّته النقيّةِ الصافيةِ، والمّمسكُ بثباتٍ وقوّةٍ، بالرايةِ التي تسلّمها من رفيقِ نضالهِ، القائد ( صدام حسين ).

ويحقُّ لي أنْ أقدّمَ هذه الشهادة عن القائد عزة إبراهيم .. فقد حدّثني عن نقائه البعثي وشجاعته الاسطوريةِ، شقيقي ( فائق السعدي ) ، الذي كان المسؤولُ الحزبيُّ للرفيق ( عزة إبراهيم ) عام ١٩٥٨ .. وشقيقي هذا، كان قد ردّد قسم العضوية في حزب البعث العربي الاشتراكي، بداية عام ١٩٥٧، هو والرفاق : محمد محجوب الدوري ( عضو القيادة القطرية، وزير التربية ) .. محمد عبد اللطيف ( ضابط القوات الخاصة، آمر الكلية العسكرية ) .. وسعدون المصلح ( الفريق الركن ) ..

وأخيراً .. فأنَّ ذاكرةَ الأمةِ والوطنِ والشعب العراقي المتحدّي العظيم، تسجّل بمدادٍ من فخر، بطولات المناضلين والمناضلات، من فرسان وفارسات البعث، داخل الوطن وفي الشتات، وقد استظلّوا جميعهم، بالراية التي ترفعها عالياً وبعنفوانِ الرساليّين، كفّا القائد عزة إبراهيم .. فهؤلاء، هم أبطال الأزمنةِ الصعبةِ، وجميعهم يشبهون أجدادَهم، فرسانَ ( البعث الأول ) ، الذين كانوا الأقربَ إلى نبضِ الرسالةِ، والظهيرَ القويَّ للرسول الأعظم، مُضطَهَدَاً ومُطارَدَاً .. من هنا، فإصرارُ هؤلاء الرجال، وهاته الماجدات، على السير بكل هذه المبدئيّةِ العاليةِ، وفي هذا الزمن الأصعب، خلفَ قيادةِ البعثي الرسالي المناضل ( عزة إبراهيم ) ، هو استحضارٌ لقيمِ الإنبعاثِ الأولِ، وقراءةٌ عميقةٌ لكلِّ تلك الدروسِ التي سطّرت تفاصيلَها، جهاديّةُ فرسانِ صدر الرسالة، فنرى البعثيّينً الرساليّين، يتمسّكون بقيادة قائدهم ( عزة إبراهيم ) ، وهو يقودهم في ظرفٍ صعبٍ، غيرُ آبهٍ بالمخاطر، ولا بالمتربّصين به وبالبعث، من حشودِ العملاءِ والخونةِ والمرتدّين وذيولِ الصهيونيةِ وإيران .. لذلك يصبح تمسّك المناضلين بقائدهم الشجاع عزة إبراهيم، فخرٌ لهم ولعائلاتهم، بل هو أنتصارٌ لذاتهم الإنسانية على الدعةِ والهدوءِ، وهو رفضٌ لمهادنةِ السائد بكلٍّ دجوجيّةِ ظلامه، وهو أيضاً تَمَسّكٌ بقيمِ الأنبعاث الأول، الذي يمثّله اليوم، حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي.

ومن منطلق الرمزية البعثية أيضاُ، فأنَّ موقعَ الأمين العام للحزب، الذي يشغله بكفاءةٍ واقتدارٍ، القائد عزة إبراهيم، يشكلُّ اليومَ وفي هذا الزمن الأصعب، القيمةَ العليا في حياة المناضلين البعثيّين، وهم يرونَ فيه، نموذجَهم العقائديَّ والفكريَّ والسلوكيَّ، وكل تفاصيل كفاحهم الأسطوري .. فهذه هي ملامحُ قدسيّةِ المسؤولِ الحزبيِّ عند البعثيّين، الذين يتمسّكون بمزايا الرمز، وفي المقدّمةِ، رمزهم العظيم المناضل الرسالي عزة إبراهيم.





الاثنين ١٠ شــوال ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مؤيد عبد القادر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة