شبكة ذي قار
عـاجـل










إن المتمعن والمبصر في حال الأمة العربية اليوم وبعد حوالي عشر سنوات من الربيع العبري وفوضته الخلاقة داخل الأقطار العربية لا يرى سوى الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد والهوية الواحدة حول صراعات وهمية ثانوية.

فقد نجحت الصهيونية العالمية والدوائر الإمبريالية ما بعد سقوط النظام الوطني في العراق من نبش التراث العربي الإسلامي واستحضار أزماته السابقة وإحيائها وإسقاطها على الحاضر لتكون عائقاً دون اكتمال بناء الحضارة العربية وتطورها في بعدها التاريخي لتكون خادمة للمستقبل المشرق والنهضوي للأمة العربية.

فمثلاً لعبت الصهيونية العالمية على نبش صراع المذاهب في العراق، وغذت الفرقة بين العراقيين على أساس مذهبي مقيت، فتجد أبناء مذهب يناصبون العداء لخصومهم بل ويكفرونهم ويستحلون رفع السلاح في وجوههم، تماماً كما حصل من تقتيل وتنكيل وتفجيرات في العراق.

أما ما بعد الربيع العبري فقد لعبت الصهيونية في تفتيت المجتمع العربي في جل الأقطار العربية التي حصلت فيها الفوضى الخلاقة، مثلاً تونس، فإننا نجد الدستور التونسي يقر التمييز الإيجابي بين الجهات ولكن في حقيقة أمره وواقعياً ليس إلا تمييز سلبي، وفعلا هو تمييز لأن المصطلح أصلاً لا يستقيم، فنحن إذا تكلمنا عن التمييز، فسنتكلم عن اللاعدالة واللا مساواة،

فمن هذا الباب دخلت الفرقة والتنازع والتباغض بين أبناء الوطن الواحد، وأصبحت سياسات الدولة يتحكم بها عصابة من اللوبيين والبرجوازية الانتهازية، التي بغباء عظمتها وبحثها عن الثراء الفاحش تحت مبدأ أنا وبعدي الطوفان، صار الشعب التونسي في مهب الطبقات المتناحرة، وأصبح تقسيمه بين حفنة من أصحاب الملايين وشعب من الشحاذين.

ولأن الصهيونية فكرة جهمية تخدم واقعياً لا نظرياً، ألهت الشعب التونسي عن طريق بيادقه في سفاسف الأمور وأتفه القضايا، حتى أصبح من أولويات الشعب خصام فنانين أو رياضيين وانتصار شق على حساب الآخر، في حين أصبح الحج لمدينة جربة الواقعة في جنوب البلاد مزاراً للصهاينة وبجواز سفر صهيوني وحافلة يرفع فيها النشيد الصهيوني على الأرض العربية التونسية التي قدمت الشهداء فداء للقضية الفلسطينية والقضايا القومية، وكان لها نصيب من المناضلين في جبهات لبنان إبان الاجتياح الصهيوني على غرار الشهيد الصادق الهيشري ورفاقه من حزب البعث العربي الاشتراكي في تونس.

ومن مزايا الفوضى الخلاقة أصبح الصهاينة يعتلون وزارات حساسة وبطريقة علنية سافرة بأقطار عربية، على غرار القطر التونسي، لما تقلد الصهيوني روني الطرابلسي وزارة السياحة التونسية، والتي عاث فيها تطبيعاً وزيارات للكيان الصهيوني، ومن إرسال فنانين تونسيين يحيون للصهاينة حفلاتهم.

اليوم يسعنا أيضاً بعد هذه الفوضى أن نتكلم عن الجواسيس والعملاء للقوى الإقليمية وأخص بالذكر تركيا وإيران، فالأخيرة جندت أحزاباً ومنظمات وجمعيات للدفاع عنها بتعلة أنها حليف استراتيجي للأمة العربية في طريق تحرير فلسطين، وتارة أخرى أنها تقود الممانعة والمقاومة وترعاها ولأجل ترويج هذا الدجل والتخريف افتتح بتونس أكبر مركز ثقافي بالعاصمة لترويج كتبهم وثقافتهم وأفكارهم الاستعمارية، وعينهم على مدينة المهدية التاريخية التي كانت عاصمة لخلافتهم الغاشمة، ولكن ولزيف أفكارهم ووهن مرتكزاتهم، ما إن ناقشوا العقل العربي القومي حتى تبين لهم هشاشة مرتكزهم، وإلا فكيف لحليف مقاوم وممانع أن يحتل أراض عربية كبيرة أكبر حتى من التي احتلها الكيان الصهيوني، فنذكرهم بالأحواز المغتصبة وبأرض العراق واليمن وجنوب لبنان وسوريا العربية، وعن الدور الايراني في المنطقة، فيصبحون من الواجمين.

أيضاً التدخل الإقليمي التركي في الأراضي العربية على غرار لواء الإسكندرون وشمال سوريا ومحاولاته المتعددة للدخول إلى ليبيا، فسعى ومنذ بداية الغزو على ليبيا بقيادة الناتو إلى آلتموقع وافتكاك الثروات وصولاً إلى توقيع مذكرة الاغتصاب والاستعمار المسماة بمذكرة التفاهم.

إن الأمة العربية صارت بعد الربيع العبري وخاصة ما بعد سقوط النظام الوطني العراقي محط أنظار الإمبريالية العالمية، وأصبح الإنسان العربي أول مستهدف في هويته وحضارته من محاولات طمس لها وإفراغه أكاديمياً وفكرياً وجعله تافهاً لا يهمه وطنه ولا ينشغل بقضاياه القومية، وإلا فأين الشارع العربي من أحداث ثورة تشرين اليوم، وخاصة ما يتعرض له الشباب من قتل وتنكيل واختطاف.

ألم يعودنا الشارع العربي، وخاصة التونسي، بوفائه لقضاياه القومية، خاصة ونحن نتذكر إبان حرب الخليج والاعتداء على العراق، وأيضاً إبان الغزو الغاشم سنة ٢٠٠٣ وأيضاً الاعتداءات الصهيونية على شعبنا الفلسطيني.

فمن بعد الربيع العبري صار الإنسان العربي تائهاً وسط زخم الأحداث العالمية، غير مالك لأدوات تحليل صائبة يستطيع من خلالها قراءة الأوضاع العالمية عامةً والقومية خاصة.





الخميس ٢٠ شــوال ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب صهيب المزريقي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة