شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما تحلُّ بنا المئوية الأولى لذكرة ثورة العشرين المشرقة، في ظروف تاريخية كالتي يمر بها العراق والأمة، يُسجل فيها أنها حالة نادرة ومثال يقتدى به في النضج والعمق والوطنية.

في هذه الذكرى يتملك كل عربي وعراقي شريف وقعٌ خاص في النفس لأنها تمثل خلاصة تاريخ العراق المناضل والمدافع عن شرف ووجود الأمة في وجه كل المؤامرات والاحتلالات التي مرت أو الجاثمة على صدر الأمة.

كما تفتحُ المئوية الأولى لثورة العشرين النافذة على مسيرة طويلة وشاقة قدم خلالها المناضلون الأبطال الأوفياء للوطن والأمة ولقضيتها، قدموا الصدقَ والحب والدم مجبولاً بالفكر والجهد.

ففي ذكراها العطرة يتملكنا شعور الاعتزاز والفخر والاكبار لبطولات الثوار العراقيين ولعظمتهم التي تتجلى في الوطنية والتضحية، يهزنا شعور التفاؤل والبشرى بحاضرنا، ليقيننا أن ما تجلى في ثورة العشرين من عظمة وصمود وروح ونهوض، هو تأكيد على أنها حالة الأمة الانبعاثية التي تمر بها وتشهد عليها ساحات العراق وشبابه الثائر، وهو ما بشر به حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي منذ ولادته وحتى الآن.

ولأننا نعيش في هذه الذكرى العطرة واقعاً عراقياً نفض عنه غباراً تراكم خلال سبعة عشر سنة، هي عمر الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق، ونرى شباباً أيقنوا أن الوطن أغلى من الروح، وأن السبيل لتحريره من براثن الاحتلال هو تقديم التضحيات وإراقة الدماء على ثراه الطاهر.

لقد جاءت ثورة تشرين المباركة لتؤكد صحة وصدق تصور البعث، من أن الأمة العربية لابد أن تعيش حالة انبعاث متجددة، كلما تعرضت لضغط هائل ولمزيد من المصاعب، وهو ما يفسر أن الأمة تمتلك روح التحدي وعشق النهضة، وتحقيق الانتصار على المؤامرات والأخطار التي تهدد مصيرها وانطلاقها نحو التحرر والتقدم والوحدة والانبعاث الحضاري.

لذلك يحق للعرب عامة وللبعثيين خاصة أن يفرحوا ويتفاءلوا بما تحقق حتى الآن في ثورة تشرين، لأنها الثورة التي رفضت الظلم والعدوان وعشقت الحرية والاستقلال، وتسعى للحفاظ على الوطن، واستعادة الكرامة والسيادة، لأننا نعتقد أن ثورة تشرين هي ثمرة لحالةٍ قومية عربية جسدها العراق تجسيداً حياً خلال العقود الثلاث ما قبل الغزو ٢٠٠٣، التي جعلت مسيرة البعث النضالية مسيرة ذات شخصية متميزة ومتجددة العطاء برغم كل التحديات التي تعرضت لها خلال السنوات الطويلة.

إن القوة الروحية التي تمتلكها ثورة تشرين تمثل جانباً من القوة الروحية التي يمتلكها البعث، نتيجة استلهام التراث وفهمه فهماً حقيقياً والتعامل معه على أنه تراث حي، كما فهمت ثورة تشرين تراث أجدادها في العشرين فهماً حقيقياً وتعامت معه على أنه تراث حي متجدد وينبعث في حالة الإيمان الصادق به.

لقد نمت وتبلورت ونضجت البذرة الأولى للثورة في فكر ومنطلقات البعث ومسيرة نضاله منذ البدايات التي تميزت بنضاله ضد المحتل والغطرسة الغربية وضد التعصب الديني الذي مارسه المحتل والقوِى الاستعمارية ضد العروبة والإسلام.

فما يعانيه العراق منذ ٢٠٠٣ وحتى الآن مشابه لما مر به البعث في بداياته، فمقارعة الاحتلال ومواجهة الظلم والاستبداد والسعي لنيل الاستقلال والسيادة والحفاظ على الكرامة، جميعها شكلت البيئة التي كان على البعث النضال فيها، وشباب العراق الذين يتقدمون ثورة تشرين يواجهون بيئة مماثلة وظروفاً مشابهة من احتلال وظلم وعدوان واستبداد.

لا نبالغ إذا قلنا إن الصراع الذي يخوضه الثوار هو صراع من نوع آخر يتفرد عن كل الصراعات التي خاضتها الثورات العربية، لأنه صراع حضارة وتاريخ وتراث وعقيدة، لأن الاحتلال الأمريكي والإيراني يسعى بكل ما أوتي من قوة للقضاء على حضارة وتاريخ وتراث وعقيدة الأمة من خلال القضاء على العراق.

كان قدر ثورة تشرين أن تواجه ما واجهه البعث في بداياته، ما أعطاه أصالة راسخة وقدرة خلاقة على البعث والنهوض، ولهذا فإن الإيمان الراسخ الذي نعيشه في الأمة والعراق أن ثورة تشرين وشبابها، الذين يمتلكون الحس الصادق والوطنية الخالصة، سيصوغون نموذجاً رائعاً لنضال مشرف يسعى لنيل خلاص العراق والأمة، واستعادة المكانة الطبيعية للعراق، ولدوره في مشروع بناء ونهضة الأمة.





الاثنين ٨ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ناصر الحريري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة