شبكة ذي قار
عـاجـل











نشأ في بيئة طرابلسية، ترعرع في أحضان الفيحاء المنصوبة عنفوانا وشموخا على ضفة المتوسط الشرقي، هي طرابلس التي تغذت على ثنائية التربية في تكاملها الروحي والفكري والرسالي، ثنائية العروبة والاسلام بخصوصيته العربية الصافية، تلاقحت الثنائية في أرض العرب فكان مولودها أمة عظيمة أوكل اليها الله أن تحمل رسالة السماء الى العالم لغاية هدفها بناء الانسان قيمياً وأخلاقياً وارتقاء حضارياً وصولا الى انتاج أنسنة يحيا في كنفها البشر كل البشر جماعات ، أمم ، دول وأعراق ..

دخلت ثقافة الرسالة العربية الرافعي منذ حداثة سنه، وفي ظل أسرة مدينية اكتسبت شأنها شأن العديد من أسر المدن والحواضر العربية، ثقافة تنويرية ريادية فكان منها أجيال من العلماء في الاجتهاد والتفسير واللغة والتأليف والدراسات التي طالت ميادين العلوم المختلفة.هي أسر المدن التي أنتجت نخباً تنويرية قادت مجتمع المدينة على مسارات العلم والأصول، فكانت أسرة الرافعي الطرابلسية نموذجاَ يُحتذى في الممارسة السلوكية لبناء وتطوير مجتمع المدينة والارتقاء به ثقافياً وعلمياً واجتماعياً وسياسياً ووطنياً وقومياً عروبياً.

كان الشيخ محمد الجسر خال عبد المجيد الرافعي، من القادة الطليعيين ليس على مستوى طرابلس وحسب، وانما على مستوى الكيان الوطني اللبناني وترابطه العضوي مع كيان الأمة الأوسع - الوطن العربي.محمد الجسر سجل سابقة في تاريخ لبنان السياسي الحديث والمعاصر عندما ترشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية عام ١٩٣٢، وكان فوزه فيها واضحاً بتأييد الأكثرية النيابية له، عندها ألغت السلطات الانتدابية الانتخابات وعلقت الدستور خوفاً من وصول شخصية وطنية عروبية مثل الشيخ محمد الجسر لرئاسة جمهورية لبنان - الدولة الجديدة الناشئة حديثا ..

مع فجر شبابه صقلت شخصية عبد الرافعي ميزتان وجد فيهما مساره السلوكي ومعتقده الفكري.الأولى كان خياره ميدان الطب كأولوية تفضيلية في مهنة الحياة فبرع فيها مسجلاً أعلى درجات التميز والتفوق.والثانية كان خياره الانتمائي الى صفوف البعثيين القادة الذين سجلوا في عقد الخمسينيات من القرن الماضي ( القرن العشرين ) صفحات مشرقة في النضال القومي من أجل فلسطين ومن أجل مصر - عبد الناصر والجزائر وتونس والمغرب، مع وثبات نضالية في مواجهة الاستعمار الغربي والصهيونية، فكانوا في طليعة الثائرين والمتصدين للعدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، وهم الذين كانوا السباقين في اسقاط حلف بغداد ١٩٥٤ ومن بعده مشروع أيزنهاور عام ١٩٥٧، وهم الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تأسيس أولى نواة للوحدة العربية بين سوريا البعث انذاك ومصر عبد الناصر.

في كل هذا المشهد النضالي كان عبد المجيد الرافعي الطبيب الانساني لأقصى درجات الانسانية والمؤمن بالنضال العربي الذي رسم استراتيجيته حزب البعث، كان الحاضر في كل ساحات النضال الانساني والقومي.

عام ١٩٥٧ ترشح عن طرابلس للانتخابات النيابية مطلقاً برنامجه التغييري المستوحى من منطلقات الحزب الملتزم به تنظيمياً وفكرياً وسياسياً.لم يحالفه الحظ انذاك بسبب السياسة الشمعونية التي اعتمدت جغرافية انتخابية أي دوائر انتخابية من شأنها الحؤول دون وصول نواب متحمسين للمشهد القومي المتوهج في النصف الثاني من الخمسينيات، الأمر الذي افضى الى اندلاع ثورة في صيف ١٩٥٧ لاسقاط الحكم الشمعوني، وكانت طرابلس وغيرها من المدن والمناطق اللبنانية في طليعة الثورة التي انتهت بتسوية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

عام ١٩٧٢ تهيأت ظروف جديدة قومية ووطنية لبنانية تركت تأثيراتها الايجابية على الانتخابات النيابية التي أجريت انذاك، حيث سجل فيها عبد المجيد الرافعي سبقاً اختراقياً للرئيس رشيد كرامي الذي سبق له وأن رئس الحكومة اللبنانية ١٦ مرة، والذي عُرِف عنه ان زعامته التقليدية الاقطاعية السياسية عصية على الاختراق.

وازن عبد المجيد الرافعي بين اهتمامات ثلاثة :

• الأول استمراره على نهجه الانساني في ميدان الطب وهذا ما دلت عليه مؤسسات ومراكز الطبابة والصحة في طرابلس ومحيطها.

• الثاني مواكبته العمل النيابي من منظور الالتزام بقضايا الناس ليس في طرابلس وحدها ، وانما في كل مناطق لبنان ومن خلفية دعم وتعزيز مواقع الحركة الوطنية ودعم مطالب الطبقات الشعبية، وهذا ما دلت عليه مواقفه في دعم انتفاضة مزارعي التبغ عام ١٩٧٣، والتي قضى فيها عدد من الشهداء في منطقة النبطية.

• أما الثالث فكان في موقعه في قيادة الحزب القومية، حيث ترأس مكتب الطلاب القومي الذي أسهم في تخريج نخبة علمية من الطلاب العرب في غير قطر عربي، وهذا ما ينسجم مع استراتيجية الحزب القومية في التأسيس لحركة علمية عربية شاملة.

ان شخصية مثل عبد المجيد الرافعي لا يمكن أن يتجاوزها الزمن أو تمحوها سياسات مغرضة ، فهي شخصية خالدة بخلود الرسالة التي حملتها ، رسالة الأمة العربية الواحدة التي ستصل الى نتائجها المرسومة مهما اشتدت الأعاصير وكثرت غدرات الغادرين .. فعبد المجيد الرافعي باق في مسيرته المعطاءة، في ممارسته الانسانية لمهنة التخصص الطبي ، في الفكر الذي اعتنقه عقيدة لحياة أمته العربية المجيدة، فهو مجيد رافعي بالأمة العربية المجيدة.

تحية وألف تحية لروحه الطاهرة في الذكرى الثالثة لرحيله الجسدي ، ولكنه سيبقى خالدا بانجازاته ومسلكه النضالي والانساني وفكره الذي لا يعرف سوى الحياة والانبعاث المتجدد.

مكتب الثقافة والاعلام القومي
١٢ / ٧ / ٢٠٢٠





الثلاثاء ٢٣ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / تمــوز / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة