شبكة ذي قار
عـاجـل










يتساءل البعض لمعرفة حدود هذه الوحدات السياسية، ليس على خرائطها الجغرافية المعروفة والمعلنة، إنما على خرائط حدود حركتها الجيو - سياسية، التي تعمل عليها منذ عقود.ومن اجل تفسير ذلك يمكن الأجابة في ثلاثة مداخل :

أولاً - قال وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق ( موشي دايان ) حين سألته الصحافة الغربية "اين حدود اسرائيل؟" كانت اجابته : "حيث تتوقف الدبابة الاسرائيلية".ومعنى كلام هذا الصهيوني هو أن لا حدود لاطماع كيانه المغتصب لفلسطين، وان التطلع الاسرائيلي يمتد ولا يتوقف لحين توقف الدبابة الاسرائيلية عند حافات نهر الفرات.وهي اشارة الى ان ما يسمى بـ "السلام الاسرائيلي" يعني الحرب حتى قيام المشروع الصهيوني من النيل الى الفرات.

وما يزال المشروع قائماً حتى الوقت الحاضر بعد ان حقق الكيان الصهيوني الآتي :
١ - ابعاد مصر عن معادلة الصراع وربطها بمعاهدة ( كامب ديفيد ) وتدجين نظامها لحد قبوله بحالة "السلام الاسرائيلية".واذا ما خرج عن هذا السلام فلن يجد غير الهديد بالفوضى وتفكيك الجيش المصري.ومصر لن تستطيع الخروج على المعاهدة لا في السابق ولا الآن، حيث مشكلة السد الاثيوبي والتهديد بحرب المياه التي مهدت لها امريكا منذ عقود، ورعت مؤتمرات متخصصة بشأن المياه واعلنت ان المرحلة المقبلة من الصراع هي "حرب المياه".!!

فالكيان الصهيوني لم يتحدث عن المجال الحيوي، ولكنه تحدث عن مشروعه الكهنوتي الذي لن يتحقق من النيل الى الفرات، على الرغم من ان امريكا والغرب يعملان على تسهيل تنفيذ هذا المشروع في المنطقة على حساب الأمة العربية.

٢ - إخراج العراق من دائرة الصراع، باعتباره الركن الاساسي الذي يحمل محور ميزان تعادل القوى في المنطقة، وذلك باحتلاله وتدمير ركائزه الوطنية وتحويله الى ساحة خالية تماماً من القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن غياب كامل للسيادة ولهيبة الدولة المحورية في المنطقة ابان الحكم الوطني قبل عام ٢٠٠٣.

٣ - انهيار كامل وشامل لدعائم الأمن القومي العربي، وذلك بفعل انتهاكات قوى الفوضى الامريكية والصهيونية والفارسية التي عمت دول المنطقة العربية وخاصة ليبيا حيث تختلط قوى الاخوان المسلمين والقوى المالية القطرية والقوى العسكرية التركية ذات التوجه الاخواني الايديولوجي، مع القوى الوطنية والعشائر العربية الليبية في صراع من اجل التحرر الوطني.فيما تستمر فوضى القتل في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتظل بقية الاقطار العربية على نار الفوضى الساخنة تمهيداً للأنفجار .. واقع الفوضى المراد منه تدمير المنطقة من اجل أمن الكيان الصهيوني بإعادة تشكيلها جيو - سياسياً لمصلحة ( مشروع الشرق الاوسط الكبير ) ، الذي ساهم فيه النظام الايراني بقوة وفاعلية.

ثانياً - أما حدود الدولة الايرانية فأمرها عجيب مع حدود العراق المعروفة للقاصي والداني ارضاً ومياهاً بأنها تمتد عبر التاريخ لأكثر من الف واربعمائة كيلومتر، ابتلعت ايران من هذه الحدود مدناً ومياهاً واراضٍ عراقية.فـ ( قصر شيرين ) عراقي و ( زين القوس ) عراقي و ( سانوبا ) في منطقة نفط خانة ارض عراقية واراض قريبة من ( خانقين ) و ( المحمرة ) عراقية.وهناك عدد كبير من الاراضي العراقية ثبت الايرانيون دعامات حدود عليها وعلى هواهم التوسعي ودفعوا برعاتهم وماشيتهم على اساس الرعي المشترك ولكنهم حين ينتهي موسم الرعي يضعون دعامات حدود وينشئون مخافر حدود ومثابات ويزرعونها بالجنود على اساس انها الحدود، والمختصون في شؤون الحدود يستطيعون مراجعة عشرات الاحتجاجات على التوسع الايراني في مساحات الرعي.

أما التمدد في المياه فيمكن للمختص الرجوع الى المعاهدات التي تحكم قيود الحركة الايرانية في مياه شط العرب.وميناء ( المحمرة ) ، حين كانت السلطات الايرانية تأخذ الاذن من السلطات العراقية لدخول سفنها التجارية مياه شط العرب وكل هذه الحقوق التي تعود الى العراق اغتصبها الايرانيون.الامر الذي تصر طهران على ان تكون حكومة بغداد ( ولائية ) تستجيب لأوامرها ولا تطالبها بحقوق العراق في اراضيه ومياهه الاقليمية الثابتة بمعاهدات وباعتراف القانون الدولي حتى باتت الحكومات المتعاقبة في بغداد منذ الاحتلال عام ٢٠٠٣ مرتهنة للقرار الايراني، فيما يملي الايرانيون قراراتهم على الحكومة العراقية الولائية في تعيين الوزراء والسفراء والمدراء وتشكيل اللجان والمجالس وتحديد اطر الانتخابات الصورية وتزويرها وادارة شؤون الميليشيات وتشكيلها وعملها داخل العراق وخارجه.واللافت في الامر، تلك الاتفاقيات المبرمة بين طهران وبغداد وحركة المسؤولين السياسيين والعسكريين الايرانيين التي تتسم بحرية قل نظيرها في مناطق اخرى وكأن العراق محافظة او ولاية ايرانية.فبعض قادة ايران العسكريين "سليماني" و"شمخاني" و"قاآني" يدخلون العراق من منافذه الرسمية دون اذن ودون اشعار يذكر كما تدخل معهم سياراتهم وآليات حماياتهم من الحرس الايراني وبعضهم يدير جلسات او اجتماعات سياسية بدلاً من مسؤولين عراقيين مثلاً "عادل عبد المهدي" وغيره ويجتمعون بمجالس المحافظات ويستدعون شيوخ العشائر العربية في الجنوب والوسط لإملاء التعليمات عليهم وتوزيع الرشاوى.

فحدود ايران الدولية ليست عند خط دعامات الحدود التي ارادها الايرانيون ان تكون متحركة، وحين ظهرت ملامح صراع بين امريكا وايران في ظل توافقهما السياسي لحكم العراق اظهر الايرانيون وقادتهم سياسيين وعسكريين ما يسمى في علوم السياسة ( المجال الحيوي ) ، الذي اخذا به هتلر في المانيا ونابليون بونابرت في فرنسا واجتاحا اوربا.على اساس ان الامن الايراني يشترط عدم القتال على الاراضي الايرانية انما في خارجها.وبذريعة الدفاع في خارج الحدود الاقليمية للدولة الايرانية التي تمتلك عمق الدفاع الكافي ولا تحتاج الى لعبة خطرة اسمها ( المجال الحيوي ) ، إلا لغايات التوسع الاستعماري.فقد اعتمد النظام الايراني استراتيجية الانتشار المسلح، ليس الانتشار العسكري النظامي خوفاً من ردود افعال دول العالم، انما الانتشار المليشياوي المحلي المؤدلج بالمذهبية والعرقية.وعلى هذا الاساس نجد ميليشيات في العراق وفي لبنان وسوريا وفي اليمن وخلايا مسلحة نائمة في باقي دول الخليج والمغرب العربي.ويعلن القادة العسكريون صراحة انهم ماضون في التمدد من أجل الهيمنة على المجال الحيوي في المنطقة، يرافق ذلك صمت الولايات المتحدة وصمت الكيان الصهيوني وصمت الدول الاوربية وصمت الأمم المتحدة المعنية بحفظ الامن والسلم الدوليين.

فأين إذاً حدود الدولة الايرانية؟ هل هي الحدود المعروفة جغرافياً والموثقة في معاهدات أم تكمن هذه الحدود في المجال الحيوي الذي يؤسس لعودة الامبراطورية الفارسية البائدة.؟ وهل ان حلم اعادة إحياء الامبراطورية هو حلم حقيقي أم مجرد اضغاث احلام.؟

ثالثاً - ثم نأتي الى حدود الدولة التركية الراهنة.وهذه الحدود لا تعني حدود الامبراطورية العثمانية التي استخدمت الاسلام كحصان طروادة من أجل تأسيس الكيان الامبراطوري العثماني حيث يتحمل العرب والمسلمون الآن تبعاتها عبر التاريخ.وليس المعنى من ذلك انسياح رسالة الاسلام ومبادئه الناصعة عدالة وانصافاً ومساواة ومبادىء اخلاق على البشرية بعد طغيان الظلم والظلام ارجاء العالم وخاصة دول اوربا.الانكسار التركي وتفكك الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى واتفاقية لوزان الثانية عام ١٩٢٣ قد إسْتَبْقَتْ على "جمهورية” تركية لها حدود ثابتة ومتفق عليها بين الدول المتنفذة، ووقعت عليها حكومة "كمال اتاتورك" الوطنية.الآن تعدها تركيا اتفاقية قديمة ولا تلبي طموحات عمقها الاستراتيجي.والمعنى في ذلك هو إحياء الامبراطورية التركية، وذلك بالخروج الى قطر والصومال وسوريا وليبيا وشمال العراق في نشاط عسكري تصادمي ظاهره "مساعدة" النظم وباطنه الاستحواذ على "النفط والغاز" الكامن في تلك الدول اضافة الى أهميتها الاستراتيجية.

فأين إذن حدود تركيا الجغرافية المعروفة والمحددة؟ ألم تستولي على الاسكندرون السورية، وعينها الآن على الموصل وكركوك بدعوى عدم صلاحية اتفاقية ( لوزان الثانية ) من جهة، ورعاية الجالية التركمانية - العراقية وحمايتها والمحافظة على مصالحها في كركوك من جهة اخرى ؟، وهذا هراء ، لأن لا يحق لتركيا ولا لغيرها التدخل في الشأن العراقي والسوري والليبي مهما كانت الذرائع والحجج، وان انتهاء تاريخ المعاهدات لا يعني الانفلات نحو ملء الفراغات الامنية تحت ذريعة ( المجال الحيوي ) تجاوزاً على جغرافيات الدول المجاورة، ولا يعني استخدام سلاح المياه لأبادة الحياة في دول تجري فيها الانهر الدولية وفقاً لقانون البحار من المنبع الى المصب.

فتركيا في صراع مستمر في حوض البحر المتوسط على موارد النفط والغاز مع اليونان وفي قبرص ومع مصر ودول الجامعة العربية لأنتهاكاتها السافرة في ليبيا وسوريا وشمال العراق .. فأين هي الحدود الجغرافية للدولة التركية؟

وإزاء الحركة العسكرية التركية التي تتسم بمتلازمة العمق الاستراتيجي التركي والآيديولوجيا الأخوانية، تظهر حالة الحركة في معنيين، الأول : الوصول الى النفوذ القديم للأمبراطورية العثمانية في ظروف الفراغات الناجمة عن تهديم التوازن الاستراتيجي نتيجة احتلال العراق، اعتقاداً من صاحب القرار التركي بأن الفرصة التاريخية مواتية للتنصل من اتفاقية ( لوزان الثانية ) لعام ١٩٢٣ وإعادة انتاج او تأسيس اركان الامبراطورية العثمانية تدريجياً عن طريق القوة المفرطة في سوريا وشمال العراق وليبيا، وهو اعتقاد خاطئ لا تسكت عليه القوى الدولية والاقليمية وشعوب المنطقة، لأن إحياء الامبراطوريات حلم لا يمكن تحقيقه، وإن ظروف نشأة الامبراطوريات تختلف جذرياً عن ظروف انتاجها من جديد.وبهذا السلوك كشفت تركيا بصورة واضحة عن اهدافها التوسعية كما كشفت ايران عن سلوكها الارهابي التوسعي بصورة فاضحة، والتي تسعى من خلاله الى اعادة انتاج الامبراطورية الفارسية البائدة.

إذن ، إن حدود الجغرافيا السياسية للكيان الصهيوني حيث تقف الدبابة الاسرائيلية كما قالها موشي دايان ، وإن حدود الدولة الايرانية حيث إعادة انتاج امبراطوريتها الساسانية المنقرضة، وكذلك الأمر الحدود الجغرافية السياسية للدولة التركية حيث اعادة انتاج الامبراطورية العثمانية.وكلا الدولتان تتمسكان بالمجال الحيوي الذي فات عليه الزمن، فيما يكون الكيان الصهيوني معني بتدمير المحيط العربي من اجل إنعاش مشروعه الذي يلفظ انفاسه من النيل الى الفرات .. أما ايران فإنهيارها مسألة وقت لا اكثر، أما الامبريالية الامريكية فهي الجرافة المعدة لتحقيق هذا المشروع قد اصابعها العطب حين اقدمت على جريمة احتلال العراق.ولن ينجو أحد من لعنة العراق أبداً.!!














الاحد ٢٨ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / تمــوز / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة