شبكة ذي قار
عـاجـل










كذبة كبيرة وبحجم الفساد المستشري في لبنان، صدق اللبنانيون ما أذاعه عليهم حاكم مصرف لبنان من نوايا وتدابير مالية مطلوبة للحد من جشع التجار والمحتكرين للغذاء والدواء والمحروقات ومن ثم إطلاق منصة مالية تتحكم بسعر الدولار الذي لا يمر يوم إلا ويرتفع تصاعدياً بحكم إرادة السوق السوداء التي باتت عصية على كل تدبير حكومي أو مالي وتُرك المواطن منذ بدء هذا العام حتى الآن، رهينة التجار الجشعين الذين لا تغادر سواعدهم الالات الحاسبة العاملة ساعة بساعة بموجب تطبيقات مشبوهة لآلية التحكم بسعر الدولار وكأن البضائع المباعة في المحلات والسوبر ماركت مشتراه للتو وليست مخزنة في المستودعات لأشهر عديدة ومدفوعة الثمن بموجب السعر الرسمي للدولار كما هو محدد في نشرة مصرف لبنان بـ ١٥١٥ ليرة لبنانية.

وقد كانت فضيحة اللحوم المستوردة التي عزمت الدولة على توفيرها بالسعر المدعوم، ليخرج تجار المواشي ويطالبوا بتصريف ما في مزارعهم من أبقار وخراف فترضخ وزارة الاقتصاد لطلبهم هذا على أمل تحديد سعر يناسب الجميع لكيلوغرام اللحم ثم ليفاجأ المستهلك أن هؤلاء التجار لم يفوا بوعودهم ولم يحركوا ساكناً أمام توفير اللحمة للمواطن الفقير المعدم وأبقوا على أسعارها عالية لم تعد بمتناول حتى للطبقة الوسطى اللبنانية، وأن ما تم زعمه عن لحوم مدعومة في الأسواق، تبخرت بتوزيعها بطرق مشبوهة وملتوية، شأنها شأن الأجبان والألبان التي كانت مؤخراً مثار جدل صاخب بين وزيري الاقتصاد والزراعة في حكومة تصريف الأعمال وتهديد الأول بوقف اي دعم للمنتجين طالما المواطن لم يلمس أي انخفاض في الأسعار رغم ما تلقوه من دعم مالي لذلك.

وفيما كان المستوردون الكبار من التجار لا يوفرون أية فرصة للخروج بكل أشكال التخويف مما هو قادم من أيام بالتصريح أن المواد الغذائية ستنفذ بعد هذا الشهر وذاك في محاولات هي أشبه بالابتزاز أن لم يبادر المصرف المركزي إلى تزويدهم بالعملة الصعبة،

كانت حكومة تصريف الأعمال، قبل أن يستقيل رئيسها، غارقة في تخبطاتها وهي تفاوض صندوق النقد الدولي وترمي بأرقام لنسب العجز تتناقض مع أرقام المصرف المركزي،
كل ذلك في ظل العجز الحاصل عن ممارسة أية إجراءات إدارية حازمة تلجم الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية بما فيها تلك المنتجة محلياً، ليسحب ذلك نفسه على الأدوية المدعومة بدورها فلا يجد تجارها سوى سحبها من الأسواق وتقطير توزيعهاً على الصيدليات بعد إخفائها على أمل الاستفادة من ارتفاع سعرها أو التداول بها في السوق السوداء أيضاً.

أما المحروقات فليست بأفضل حال، وعمليات النهب المنظم للمازوت المدعوم قد استفحلت لتطال مادتي البنزين والغاز ولتطغى رائحة الفساد على كل رائحة نفطية كريهة لفاسدين باتت سمعتهم أكثر سواداً من الدواليب المحروقة بدخانها السام وشحارها المتطاير على يوميات المواطن ومعاناته وعذاباته.

وفي غضون ذلك تلاشت المساعدة المالية التي تقرر صرفها مع مطلع هذا العام والمقدرة بأربعمائة ألف ليرة لبنانية للمواطنين المستحقين أمام مضاعفة الأسعار إلى أضعاف أضعاف ما كانت عليه دون أن يستفيد منها كل من يستحق وقد دارت حولها الشبهات والفضائح،

وأما المساعدات الهزيلة التي قدمتها بعض البلديات بحدود الخمس وسبعين ألف ليرة فلم تصمد حتى أمام سعر علبة حليب الأطفال التي تخطت هذا المبلغ وبالكاد اكتفت بشراء كرتونة من البيض وبعض ربطات الخبز وعلب السردين.

قد لا تكون هذه الدولة بمؤسساتها المتعددة قد أدركت بعد، أن المواطن اللبناني لم يتوان خلال الأشهر الماضية عن صرف ما لديه من مدّخرات أو في بيع ما لدى زوجته من مصاغ ذهبية، كلها استنفدت للأكل والشرب وهو ينتظر العناية الالهية كي تتدارك به في الأشهر القادمة حيث لم يعد له ما يبيعه وبالتالي فإن الحكومة العتيدة المزمع تشكيلها عليها أن تعيد الثقة بينها وبين المواطن أولاً بأول وتعيد الأمان للطبقة الوسطى اللبنانية التي تجد نفسها اليوم على طريق الاضمحلال فيما سيفقد الأمن الاجتماعي – الاقتصادي اللبناني أهم وأبرز ركائزه الاجتماعية واستقراره وهذا ما كان ليحدث لولا هذه الأيام العجاف.

قد يسأل سائل إلى أين المفر!وكيف السبيل إلى الخلاص والثقة قد صارت في العدم بين المواطن وحكومته أولاً، وبين المودع ومصرفه ثانياً، وبالتالي ما عاد ممكناً تصور أية حلول جذرية والغدة السرطانية تفتك بمفاصل الدولة ومرافقها ومؤسساتها وأن لم تستأصل هذه الغدة بالسرعة الممكنة، فكل الاحتمالات والسيناريوهات السوداء بانتظارنا على الأبواب وربما سنترحم حينها على ما يجري في فنزويلا مثلاً من تجارب، أو كنا لنتمنى أن نقارن باليونان في أحسن الأحوال وأقرب التفاؤلات.

وبدون أن تعود الثقة إلى ما كانت عليه، فلا فائدة بعد اليوم من البكاء على اللبن المسكوب على الأرض.








الاحد ٣ صفر ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / أيلول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة