شبكة ذي قار
عـاجـل










انتفاضة تشرين في العراق العربي فضحت المُعلن وكشفت المستور من تواطؤ العدو الصهيو أمريكي إيراني وتهافتهم نحو إنهاء وجوده كدولة فاعلة في المجتمعين الإقليمي العربي والإسلامي والدولي، وانكشفت قصة هذا التهافت والتواطؤ من الحال الذي آل العراق إليه بعد احتلاله وتسليمه لعصابات أطلقت عليهم شركاء العملية السياسية، صاغوا لهم دستوراً تم تفصيله على مقاسات إيران، فحولوه لخرائب ومسرح ميليشياوي تمكن أعداء الأمة من خلالهم أن يرتعوا في مرابعه وسلب ثرواته وتمزيق لحمة شعبه وهدر بناه التحتية وتسريح جيشه وقواه الأمنية لتمكين الانفصاليين وانعزاليي الطائفية المقيتة من أعوان إيران والعدو الصهيوني والأمريكان من بوابة العرب الشرقية، وهؤلاء جميعاً أشبه في تكوينهم بعصابات "زعار" الحشاشين وقطاع الطرق التي كانت تتحكم في خرائب إيران في عصر ما قبل الغزو التتري الذي أنهى تلك الخرائب وزعارها، وهذا الحال نال اهتمام المستشرقين الأوائل منذ بزوغ فجر النهضة الأوروبية والانكماش العربي الإسلامي جراء سياسة القطيع التي استشرت خلال فترة الحكم المملوكي والتركي حل خلالها الجوع والجهل والمرض وسيق الشباب إلى ساحات الوغى في حروب عبثية لا جدوى من ورائها سوى تفريغ الأرض من بُناتها خاصة خلال القرنين الأخيرين من الحكم العثماني.

المستشرقون رسموا دروب الهيمنة لممالك الغرب الأوروبي ومن ثم الأمريكي بأقل الخسائر، وقدموا توصياتهم التي تبقي أهل المنطقة في حالة ضياع ودون توافق، بطبيعة الحال أسهم رجال الإقطاع في تثبيت ما رسموا دفاعاً عن مصالحهم التي تتناقض مع حرية وعزة الأوطان، وما زال الوضع رغم مرور ما يزيد على القرن من الزمان من تخلص العرب من هيمنة الدولة العثمانية وما بين القرن ونصف القرن على الاستقلال والحال من سيء إلى أسوأ، بل ويجري التآمر على من يرغب بالسير في ركب الحضارة والنهضة وبمقابل مصالحهم يجري التنازل عن الثوابت المتعلقة بطهر الأرض العربية خاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا وفلسطين وقدسها مسرى رسولنا الكريم.

المستشرقون قدموا توصياتهم بعد تجوال مضن طافوا البلاد شرقاً وغرباً، وتنقلوا في سهولها ووديانها وجبالها وصحاريها، وما زالت تلك التوصيات تسهم في تمزيق الجسد العربي والإسلامي، بطبيعة الحال ابتدعوها من خلال ما توصلت إليه تجاربهم وكانوا بالفعل رجال استخبارات قرأوا وأوصوا ومكنوا شعوبهم من ترتيب أمورها لقرون تلت، ولا ننسى ما صنعه لورانس العرب وكلوب في الشرق العربي.

المستشرقون أدركوا مدى خطر الكيان الفارسي إن قدر له الميلاد من جديد في تنفيذ أحقاده ضد العرب والعودة من جديد لحكم المنطقة المتاخمة لحدودهم من العراق حتى باب المندب ومن الموصل حتى الجنوب اللبناني، خاصة بعد أن تمكنوا من شرذمة الواقع العربي بتحويل الولايات العربية المتناثرة فيه إلى دول ونجحت في زرع فكرة كل قطر منها كقومية مستقلة تدافع عن مكتسباتها القطرية رغم تغنيهم بوحدة الهدف واللغة والمصير فرفع كل منها شعار "أنا أولاً" وقبل الجميع، وهذه من المصائب الكبرى التي ألمت بنا، فاليهود المفرقين في مختلف دول العالم ويمثلون جنسيات مختلفة بعدد الدول المنتمية للمنظمة الدولية جمعهم كيان واحد ونحن تفرقنا، وهذا ما نجح به أعداؤنا أن يوصلونا إليه.

فالجسد العربي جرى تمزيق شرايينه رغم علم الجميع أن العرب إذا ما انحازوا لأنفسهم فازوا وفرضوا إرادتهم على الآخرين لكنهم في ظل انحيازهم لغيرهم تاهوا في الشتات ونالت منهم ضباع الأرض وذئابها، لا أسودها لأن الأسود لا تطرق إلا أبواب الأسود كما فعلوا بالعراق، قادوا الحملة ضد نظام حكمه ولما احتلوه بعد أقل من عامين قرروا الرحيل بفعل ضربات الأسود لكن سلموه لإيران لتنال منه وشعبه وفق ما تريد.

وأمام تمادي إيران في تنفيذ أجنداتها الذي تعتبر فيها العراق جزءاً منها ونشرها للخراب والدمار والقتل في ربوعه وتقاسمها لثرواته مع أمريكا والصهاينة وعصابات زعارها وعملائها، انطلقت انتفاضة سلمية بتظاهرات ترفض التدخل الأجنبي والطائفية وتنادي بعراق موحد وحر مستقل، وقد جرى الترتيب لهذه الانتفاضة التي ما زالت مستمرة منذ الفاتح من تشرين الأول / أكتوبر ٢٠١٩ بين مجموعات من الشباب العراقي على شبكات التواصل الاجتماعي، لكنها جوبهت برد فعل دموي من قبل قوات الأمن الحكومية، ومليشيات الأحزاب السياسية الطائفية التابعة لإيران باستعمال الرصاص الحي والقنص وقاذفات قنابل الغاز من مسافات قريبة ضد المتظاهرين بمبررات لا منطقية كون مطالبهم تتناقض مع الاحتلالين الأمريكي والفارسي والطائفية المقيتة، حيث قدموا منذ انطلاقة انتفاضتهم ولغاية الآن المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمعتقلين والمفقودين، وما زالت انتفاضتهم مستمرة وما زال الشباب الثائر عاقدٌ العزم على مواصلة المسير فيها حتى تحقيق الانتصار وعودة العراق بفعالية إلى المجتمع العربي والاسلامي والدولي والوقوف بصلابة أمام الأطماع الفارسية والصهيو انجلو أمريكية.

لكن مسلسل الجرائم توالى بمجازر لا تعد ولا تحصى، يجري تصفية النشطاء الأهم من بين صفوفها أو اعتقالهم أو اختطافهم، وكانت أبرز تلك المجازر مجزرة القناصة أو مجزرة الأيام الستة خلال الموجة الأولى من الانتفاضة وسقط خلالها أكثر من مائة شهيد أغلبهم في بغداد وذي قار، ومجزرة كربلاء، ومجزرة جسر الزيتون في ذي قار، ومجزرة السنك والخلاني ببغداد ومجزرة حي الثورة، وما زال مسلسل المجازر والاغتيالات مستمراً تقوم بها مليشيات الأحزاب الموالية لإيران.

صحيح أن الانتفاضة حققت إنجازات مهمة، لكن الأمور ستبقى منفلتة وعائمة حتى عودة كل مكونات الشعب العراقي إلى حضن الدولة العراقية الوطنية التي ترعى كل شأن عراقي لصالح الوطن العراقي وأمته العربية التي ينتمي إليها منذ الأزل، فمن الإنجازات التي تحققت جراء المشاركة الواسعة من الشعب العراقي تمكن المتظاهرون من السيطرة على أغلب مدن وسط وجنوب العراق وشل الحياة فيها تقريباً، وخاصة ذي قار التي نجحوا فيها باحتلال مقر قوات أحزاب مليشيات إيران وإجبار قيادتها على إطلاق سراح المعتقلين، أعقبها التمكن من إسقاط حكومة عبد المهدي، ومن ثم الحصول على موافقة إجراء انتخابات مبكرة ونزيهة، فإسقاط الانتخابات الحزبية وقانون الانتخاب السيء الصيت المعمول به منذ الـ ٢٠٠٣، لكن تبقى المماطلة واللف والدوران من شركاء المحاصصة الطائفية قائماً وتبقى إيران هي الموجه لمليشيات الأحزاب التابعة لسلطتها، وما زال التعرض للنشطاء بالاعتقال والاغتيال والاختطاف قائماً.

المتظاهرون السلميون العراقيون على قناعة تامة بأن الحفاظ على استمرارية الانتفاضة وسلميتها وتصعيد زخمها السلمي هو الطريق الوحيد نحو الانتصار الكامل على زيف النظام الطائفي المرتبط بإيران وقمعه الدموي.

فالانتفاضة الشعبية أطلقها شباب واعٍ، مؤمن بحرية الوطن واستقلاله ولم شتاته الذي مزقه نظام قائم على المحاصصة الطائفية والاعتماد على أحزاب مرتبطة بالخارج ومليشيات تحكمها مافيات، رافعاً شعار ( أنا نازل آخذ حقي، وأريد وطن ) ، فحقق بفعل هذا التفاني والصدق مع الوطن التفاف جموع الشعب من حوله ضد عملاء إيران، وضد الطائفية والفساد، وعملية سياسية يديرها جهلة الإدارة والسياسة، يساندهم رجال فاسدون لا يريدون الخير للشعب العظيم.

واستطاع الشباب من الجيل الجديد الواعي في انتفاضته الباسلة من اسقاط الطائفية كمبدأ منظم للسلطة السياسية، فواجهوا رد فعل عنيف من سلطة عاجزة عن التحرر، وميليشيات مجرمة، ورغم بشاعة القتل والتعذيب والاختطاف والاعتقال، إلا إنهم حققوا الكثير من الأهداف والمكاسب تصب في إعادة اللحمة الوطنية للشعب العراقي، والتفاف جميع شرائح المجتمع بكافة طوائفه وانتماءاته حول الثورة وأهدافها وطموحاتها، وأصبح الشعب العراقي وحدة واحدة من المد الثوري والانتفاضة الجماهيرية، وبدحر الطائفية المذهبية التي أتى بها الاحتلال الأمريكي ورعاها النظام الإيراني، وقد وحدت هذه الانتفاضة أهداف وطموحات ومطالب الشعب الواحد، وأسست لرؤية فكرية واضحة المعالم، وقدمت برنامج عمل سياسي، وسياقات لعمل ثوري منظم، وفتحت بذلك آفاقاً لميلاد عراق جديد خالٍ من التفرقة والتمييز بين المواطنين وبعيد عن خطاب الكراهية، فالجماهير الواعية حاضنة الانتفاضة العملاقة ، وراء استمرار شعلتها حتى تحقيق الانتصار رغم مؤامرات طوابير سدنة المحتلين وأعوانهم من الخامس حتى الحادي عشر، فالانتفاضة تحولت إلى ثورة تمثل ضمير الشعب الذي لا بد له وبفضل هؤلاء الشباب العبور إلى جسور سلم مجد الوطن ورفعته، والنصر دوماً يجسده الثوار حماة الديار ورعاتها.

وللتسريع في تحقيق الأهداف المأمولة لا بد من العمل على كسب المزيد من فئات الشعب إلى ساحات النضال ودعم الانتفاضة الشبابية والشعبية، والعمل الجاد والسعي لبلورة وبروز قيادة شبابية للانتفاضة السلمية ومواصلة دورها في استمرار الانتفاضة، وتعبئة القوى حولها بما يسهم في وحدة الإرادة والعمل بتوحيد القوى وسيرها الحثيث على طريق إنجاز المهمات وتحقيق النصر.





الاثنين ١٨ صفر ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / تشرين الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الحميد الهمشري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة