شبكة ذي قار
عـاجـل










قد تكون ثورة تشرين في العراق هي الثورة الوحيدة من بين ثورات "الربيع العربي" التي أعادت إلى الواجهة مفهوم الأمن القومي العربي وضرورته الملحة، في وقت تتعرض فيه الأمة لاعتداءات وتوغلات متنوعة في شتى أقطارها.

لقد مثلت ثورة تشرين منذ لحظات انطلاقتها الأولى توجهاً وطنياً عربياً خالصاً، تمثل في فئة الشباب التي فجرت الثورة، والتي أثبتت مجريات وأحداث الثورة امتلاكهم لمستوى وعي وطني متقدم، تجاوز كل الطبقات السياسية التي حكمت العراق أو التي شاركت في الحكم منذ ٢٠٠٣ وحتى اللحظة.

لقد وعى الشباب أن العراق منذ ٢٠٠٣ بات مستباحاً، تلعب فيه الأمم شرقها وغربها لعبتها المفضلة، وهي تفكيك نسيجه الاجتماعي وإثارة الفتنة الداخلية بين مكوناته الاجتماعية وتدمير بنيته القِيَمِيَّة ومفاهيمه الاجتماعية، إضافة إلى تدمير بنيته التحتية والاقتصادية.

حين استجمع شباب تشرين قوتهم الداخلية وثَوَّروا بركان حممهم في وجه الطائفية والتفرقة، استجمعوا قوتهم كمكون عراقي واحد يمثل عراق الشباب والعزيمة، فأسقطوا بشجاعتهم وإرادتهم وعزيمتهم أول جدار أقامه المحتل المركب الأمريكي الإيراني وهو الطائفية، ومن خلال هذه القوة التي اكتسبوها من تفجير طاقاتهم الكامنة العراقية الوطنية، استطاعت الثورة أن تستمر وتتصاعد برغم كل التحديات التي واجهتها وتواجهها حتى الآن.

لقد أدركت ثورة تشرين أن العراق تعرض منذ اليوم الأول للغزو لمخطط امبريالي فارسي خبيث ما كان له أن يستمر ويحقق بعض أهدافه وغاياته لولا وجود قُوى داخلية وخارجية ساهمت في هذا الغزو والعدوان وتشارك في تدميره قِيَمِيّاً وبنيوياً.

أطلقت ثورة تشرين ومنذ لحظاتها الأولى شعاراتها المضادة للأحزاب والميليشيات التي صنعها الاحتلال الأمريكي الإيراني، لأن الثورة أدركت أن ما آل إليه العراق هو بسبب هذه الأحزاب والميليشيات والقُوى الإقليمية والدولية التي تقف خلفها.

فكانت المرحلة الثانية من الشعارات والتي أعطت الثورة بريقها وعمقها العربي حين طالبت برحيل وخروج المحتل الإيراني " إيران برا برا .. بغداد تبقى حرة"، هذا الشعار الذي رافقه رفض كل ما يشير أو يدل على إيران فوق أرض العراق، فأحرقت الثورة صور قادة إيران وعلمها وقنصليتها، ورفعت صوتها عالياً برفض الوجود الأجنبي، وتحديداً الإيراني وقطع دابر التوغل في العراق والمطالبة الصريحة بإعادة العراق القوي الذي واجه إيران وهزمها، وكلنا رأينا كثيراً من الشعارات التي أطلقتها الثورة تمجد بقوة العراق، وتُذكر إيران بهزيمتها النكراء، وأن العراق بقوته ومنعته صخرة صلبة في وجه التوغل والتدخل الفارسي.

وهو ما يؤكد على ضرورة إعادة بناء الأمن الوطني والقومي العراقي، ما يعزز أيضاً ضرورة بناء عراق وطني عربي قوي لأنه الركيزة واللبنة الأولى في بناء الأمن القومي العربي، فقد كان العراق وعلى مر العصور هو بوابة الأمة الأكثر صموداً وثباتاً والمدافعة عن الأمة العربية وأصالتها.

إن ما يعزز نظرية أن ثورة تشرين أعادت التركيز وسلطت الضوء على ضرورة بناء منظومة الأمن القومي العربي هو الحقيقة التي اكتشفها العراقيون بعد ٢٠٠٣ من أن العراق الضعيف المفكك المنعزل عن أمنه القومي ساحة تمارس فيها كل القُوى المعادية للعراق والأمة ألاعيبها وتنفذ أجنداتها ومخططاتها الرامية إلى تفكيك العراق والأمة وتدميرهما خدمة للإمبريالية العالمية والحلم الفارسي البغيض.




الخميس ٢٨ صفر ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / تشرين الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ناصر الحريري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة