شبكة ذي قار
عـاجـل










اقتضت ضرورات غزو العراق أن يحاصر حتى ينهك في كل مكونات حياته البشرية والمادية، ليس فقط ليسهل على الغزاة احتلاله بأقل الخسائر بسبب ضعف أو انعدام قدراته على المقاومة بعد أن جرده الحصار الفريد من نوعه من كل تلك القدرات بسبب انعدام الغذاء والدواء والبيع والشراء والسلاح والورق والقلم والكتاب وانسداد مسارات التنمية والتحديث، ومن بين ضرورات وأهداف الحصار أن يجوع موظفو الدولة وتنخفض رواتبهم وقدراتهم الشرائية إلى حافات الصفر لكي يتناقض الإنسان مع الدولة ويفترق عن القيادة وينعزل عن الانتماء والولاء لوطن يجوع، ثم يأتي الغزو والاحتلال لكي تقفز ممكنات عيشه ورواتبه قفزة واضحة وكأنها منجز من منجزات الاحتلال لكي تغشى أبصار الناس وتتيه بصائرهم ويجرون إلى المسالخ سيراً على الأقدام وبإرادة جمعية إلا من رحم ربي.

هذا هو جوهر ما قد حصل فعلاً، فالإنهاء الفعلي لإجراءات الحصار وانفتاح حدود العراق من كل الجهات تزامناً مع انتهاء السيادة الوطنية والاستقلال، وفتح أنابيب النفط بلا عدادات، وهجرة الملايين تحت سطوة الإرهاب والموت المجاني، وادخال كل مسارات الحياة في الفوضى الشاملة، ووصول العراقيين إلى قناعات وترتيبات سيكولوجية جديدة من بينها الإحساس بنوع من الانفراج عن قيود وأزمات الحصار ونتائجه الضاربة في العظام والجماجم المترافقة مع اليأس والقنوط، كلها قد أنتجت فرصة للقادمين خلف عواصف الفناء التي أحدثها الغزو وتوظفوا عند الحاكم المدني بول بريمر للاتجاه فوراً إلى ادخال تحسينات ظاهرية في الوضع المعيشي لمن تبقى من موظفي الدولة بعد حل الجيش والقوى الأمنية، ومغادرة الملايين من المعلمين والمدرسين والأطباء وأساتذة الجامعات خارج العراق.

لقد كان التغيير النسبي باتجاه الانفراج في الأزمات التي ترافقت مع الحصار مجرد فقاعة خداع كبيرة، واتجه الخونة والعملاء إلى وضع لوائح وتعليمات أو التصرف بلا أي شريعة مالية ولا اقتصادية ليفتحوا لأنفسهم منافذ الفساد التي بدأت بنهب ما تقع عليه أيديهم من أموال وعقارات وآثار للدولة وللمواطنين المستهدفين بقوائم الاغتيال، وترافقت مع اقتراح رواتب خرافية لهم تتجاوز بكثير تلك التي يتقاضاها مقاتلو المافيات والمرتزقة وفرق الموت التي جلبها الغزاة معهم إلى العراق للانتقام من شعبه، وكان من بين أبواب الفساد السافرة التي تعاطى بها الخونة ونهبوا بها مليارات الدولارات من خزائن العراق هو ما أطلقوا عليه بدعة رواتب الخدمة الجهادية وبأثر رجعي، حيث شرعوا استلام رواتب عشرات السنوات السابقة عندما كانوا يخدمون مؤامرات أعداء العراق التي انتهت بالغزو.

وبعد أن سلمت مقدرات العراق إلى إيران بكل قضها وقضيضها وتشكلت حيتان الإثراء من قيادات الأحزاب وحواشيها ونهبت كل أموال العراق وبدأت واردات النفط تنضب مع انغلاق نوافذ الإنتاج الوطني بكل أنواعها صارت رواتب الموظفين والمتقاعدين التي أدخلت عليها تحسينات فرضها واقع حال التغيير بالغزو والاحتلال هي الحل الذي يلجأ له دهاة الغدر والخيانة وزبانية الإجرام والإرهاب ليسقطوا الورقة الوحيدة التي اتصلت بها عمليتهم السياسية مع شعب العراق ألا وهي ورقة الرواتب.

إن انتهاء لعبة التحسين المزيف والسطحي والساذج للقدرات المعيشية يؤذن بنهاية العملية السياسية، حيث أنهى آخر ستائر الزيف والخداع وسقطت كل الأقنعة عن كل الوجوه الزائفة لمن خدع بها وليس لكل العراقيين المدركين لحقيقة أن لا خير يأتي به محتل وخائن.







الاربعاء ٤ ربيع الاول ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / تشرين الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة