شبكة ذي قار
عـاجـل










ما هو القاسم المشترك غير الموت الزؤام بين طرابلس وعكار تحديداً وبين ما جرى في العام ٢٠١٣ والعام ٢٠٢٠ لأبناء هذين القضاءين من موت على سواحل إندونيسيا وهم في طريقهم إلى "الجنة الموعود في اوستراليا" العام ٢٠١٣، ومن مات غرقاً وفقد في أعماق المتوسط لمن كان يقصد قبرص بقارب الموت فكانت نهايتهم المفجعة التي لم تزل وسائل الإعلام المحلية والعالمية تتحدث وتعلِّق على ما جرى دون ككل أو ملل.

أما لماذا قدّر على أبناء عكار أن لا يجدوا منفذاً لتحصيل لقمة العيش سوى الاتجاه نحو الانخراط في مؤسسة الجيش وهذا العمري منتهى الشرف لهم، وإنما السؤال الأساسي لماذا سدِّت كل الطرق الأخرى، وعكار التي تحولت مؤخراً إلى محافظة لبنانية فصلت عن محافظة الشمال، تزخر بكل مقومات الثروة والنمو والاقتصاد المتكامل فيما لو تم استغلال كل هذه المقومات وتنميتها بشرياً ومالياً وزراعياً وسياحياً، ويكفي أن نذكر في هذه العجالة ما تم اكتشافه مؤخراً في جرد القيطع بعكار عن مغارة طبيعية مبهرة تضاهي في جماليتها مغارة جعيتا من لوحات طبيعية تزينها الصواعد والهوابط، فقط في الجزء المكتشف حتى الآن ذي الغرف الثلاث الكبيرة التي بلغ عمقها حوالي ٤٠ متراً ويتراوح ارتفاعها بين ٣ و١٥ متراً، وهذا ما يدعو إلى جذب العدد الكبير من السياح اللبنانيين وغير اللبنانيين تشجيعاً للسياحة العامة ( مواقع التواصل الاجتماعي ١١ / ٩ / ٢٠٢٠ ).

أضف إلى هذا المعلم السياحي، إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه مطار رينه معوض الدولي الذي يمتلك كل المقومات اللازمة كمطار أساسي وفاعل في عكار ليخدم سائر الشمال والبقاع خاصة ولبنان عامة، وقد تُرك اسماً على غير مسمى لا يلقى أي اكتراث من الدولة اللبنانية شأنه شأن المحميات الطبيعية الخلابة المرسومة بيد الخالق عز وجل،والمناخ المعتدل والأرض الوفيرة الإنتاج والينابيع وكل ما تزخر به مدن وقرى وبلدات عكار لتكون أنموذجاً لا مثيل له للاصطياف والإشتاء فكيف إذا توفر الدعم اللازم لكل ما تقدم لهذه المحافظة التي تعيش على ساحل البحر وتملك أعلى مرتفعات لبنان الجبلية، ويعيش فيها لبنانيون يستحقون كل عناية وتشجيع ودعم لاستغلال هذه الثروات المتجاهلة عن عمد وعن سابق تصور وتصميم لإبقاء أبن عكار تحت غائلة الفقر والعوز حيث لا يعود له من متنفس لإخراج نفسه من كل ذلك سوى القوارب التي تنطلق من سواحل المحافظة هرباً من جحيم الإهمال وصولاً إلى نعيم مفترض عساه يلقاه حيث يرسو به القارب، شأنه شأن أبن مدينة طرابلس الذي شاءت الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والبيئة أن يبقى توأماً لكل من يشاركه الفقر والعذاب وفي مقدمتهم أبناء عكار أولاً دون أن نتجاهل الضنية أيضاً التي تشكل مع عكار وطرابلس ثلاثية لا يحسدها أحد من الحرمان والإهمال وانعدام فرص العيش الكريم والتنمية المطلوبة.

طرابلس التي ودعت مؤخراً ضحاياها الذين ابتلعهم بحر المتوسط مؤخراً وكانت قمة الحزن في هذه المأساة الطفلين الذين رميا جثتين هامدتين في البحر بسبب الجوع العطش، لتعودا وكل منها تطفو على الشاطئ وكأنها تأبى أن تدفن إلا في تراب المدينة،

طرابلس هذه، ظُلمت مرتين :

الأولى عندما اطلق عليها تسمية العاصمة الثانية فكانت الكذبة الكبيرة التي تفضحها كل مدن المتوسط وعواصم البلدان التي لا تحسد طرابلس على ما هي عليه وحسب وإنما ترثي لما وصلت إليه من تقهقر غير مسبوق في حياة المدن، نحو المجتمع القروي البدائي في دولة مستهترة لم تلحظ حتى اليوم أن لطرابلس مرفأ يضاهي مرافئ المتوسط أهمية، ومدينة قديمة مملوكية –صليبية – عثمانية لا يضاهيها أهمية سوى القاهرة المملوكية وربما توازيها طرابلس أهمية لو أعطيت ما تستحق من عناية واهتمام على غرار ما تتلقاه القاهرة.

الثانية وهذا ما يجب أن يفهمه القاصي والداني، أن طرابلس هي القلب العروبي النابض في لبنان، شاء من شاء، وأبى من أبى، ومع انتمائها هذا، لا تفصل بين انتمائها الوطني اللبناني وانفتاحها على كل محافظات ومناطق لبنان، لتجسد مثالاً للعيش المشترك بكنائسها ومساجدها المعمرة لمئات السنين وبالتالي لم يكن عجباً أن تسمى بـ "عروس الثورة" التي أطلقها عليها الشعب اللبناني الثائر في السابع عشر من شهر تشرين أول ٢٠١٩، فلا يعود من العجب بعدها أن تحاسب طرابلس على كل ذلك فلا تجد من يحاربها سوى الطائفي والمذهبي والتقسيمي والفاسد والجبان والخائن ليتآلف كل هؤلاء نحو إرهاقها والهائها سواء بمعارك مفتعلة للانقضاض على نسيجها الواحد، أو بالإهمال والإفقار والجوع والتيئيس وكل ما سيدفع بأبنائها لاحقاً إلى الهرب من هذا الجحيم المفتعل فلا يجد مفراً سوى في القوارب التي امتطى سطيحتها فقراء عكار لتتكامل المأساة في خريف العام ٢٠٢٠ وتتجدد بعد أن بدأت في خريف العام ٢٠١٣ ولم تجد أي صدى رسمي واجتماعي وسياسي يعالج ما جرى ويضع له الحدود المطلوبة كي لا تتكرر،وأول هذه الحدود إيلاء مناطق لبنان المحرومة ما تستحق من اهتمام ورعاية وإنماء وهذا ما لم يحدث وبالتالي فإن تجربة ٢٠١٣ التي استحدثت في العام ٢٠٢٠ ستجد من يكررها غداً ولن يكون العابرون من أبناء عكار وطرابلس وحسب وإنما ستنتقل العدوى إلى أكثر من مكان على طول الساحل اللبناني ما لم يجد اللبنانيون وسيلة لتزخيم الثورة التي بدأوها في ١٧ تشرين لتكبر وتتمدد وتنقل لبنان من ساحة الطوائف وصراع الدول الإقليمية على أرضه، إلى لبنان الوطني السيد الحر المستقل بجميع أبنائه.





الاربعاء ٢٥ ربيع الاول ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تشرين الثاني / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة