شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة
لا يخفى على احد الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له امتنا واقطارنا العربية والمخططات الشريرة التي تحاك ضدها.وقد تعددت و تنوعت وسائل هذا الاستهداف فمنها العسكري والامني والاقتصادي والقيمي والاجتماعي وغيرها.ومنها ما هو صريح وبائن ، ومنها ما هو خفي وغير معلن.والهدف الاساسي الذي يجمعها كلها هو تحطيم الامة و نهب مواردها واضعاف قدراتها ايّاً كانت.ولأن وجود الدولة القوية والمتماسكة في اي قطر عربي يقف عائقاً دون تحقيق تلك المخططات العدوانية الشريرة، لذا كان من اهم تلك الاستراتيجيات الهدّامة هي القضاء على مقومات الدولة القوية واضعاف تماسكها في اي قطر عربي.

ولعل ما يمر به العراق اليوم هو خير مثال على ذلك.فالعراق ومنذ تأسيس الدولة الحديثة فيه عام ١٩٢١ كان دولة محورية في الوطن العربي سعت لبناء كل اسباب المنعة والقوة للامة العربية عبر السنين المتلاحقة حتى أضحت بعد عام ١٩٦٨ وحتى احتلال العراق عام ٢٠٠٣ في مصاف الدول المتقدمة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والعسكرية والامنية فضلا عن قوة المؤسسات والقانون الذي اعتبر العمود الفقري لإدارة الدولة، فخضع له الجميع دون أي تمييز.ولعل ذلك كان من أهم اسرار التقدم الحضاري الذي ساد البلاد.فالعمل المؤسسي ومنظومة العقاب والثواب وفق مرتكزات القانون كانت تدفع المواطن للعمل والعطاء والولاء والانتماء للوطن وللمؤسسة التي يعمل بها دون التفكير بالسلوك المنحرف خارج منظومة القيم والمبادئ الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية الاصيلة.

يضاف إلى ذلك تلك الاستراتيجيات و الحملات التي عززت هذا المسار القيمي والتي لا يمكن عدها وحصرها ونذكر منها فقط على سبيل المثال حملة محو الأمية وتعليم الكبار وحملات العمل الشعبي في مطلع السبعينيات والحملة الإيمانية في مطلع التسعينات من القرن الماضي وما بينهما من استراتيجيات وقرارات ومواقف شكلت دعائم معنوية راسخة وحققت مكاسب عديدة على كل الصعد، وانعكست تلك المنجزات والمكاسب على شكل تماسك اجتماعي راسخ وتلاحم وطني قوي ساهمت به كافة القوميات والأديان والطوائف التي كانت عنصر توحيد وقوة ومنعة استطاع بها العراق ان يواجه شتى التحديات في ظل دولته القوية، حتى أصبح الدولة المتماسكة الأولى في الوطن العربي و المنطقة.ومضافاً الى كل ذلك فقد كان ما ميزها وعزز قوتها انها كانت تتمتع بنهج ومسار تنموي وقومي واضح وراسخ، وذلك استناداً الى مبادئ الدولة ومنطلقاتها القومية ، لذا فقد اصبح العراق البيئة الحاضنة لأمته العربية وكل قضاياها التحررية والتنموية ورأس الحربة في المواجهة مع اعدائها.

اما اليوم وبعد الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق وقلب الهرم السياسي والسيادي فقد سعى الاحتلال الى تمكين ثلة من المجرمين السارقين الفاسدين المتخلفين الذين يرتدون عباءة الدين زيفاً ودجلاً للسيطرة على دفة السلطة فهيمنوا وحكموا وتحكموا بمصير هذا البلد العظيم بشعبه وموارده وتاريخه وحضارته.

ولم يأتي هذا المخطط اعتباطاً ، ولا هو حدث عشوائي ، وانما كان من اهم استراتيجيات الاحتلال في تحقيق الهدم المنظَّم للدولة لاحكام السيطرة على العراق عن طريق تحويل هذا العملاق إلى دولة رخوة.

وتعود بداية مفهوم الدولة الرخوة الى اواسط القرن الماضي فكان أول من إستخدم هذا المصطلح هو الإقتصادي السويدي ( جونار ميردال ) الحاصل على جائزة نوبل في الإقتصاد لعام ١٩٧٤، في كتابه "الدراما الآسيوية - بحث في فقر الأمم" والذي نشر عام ١٩٦٨.

ويقصد ميردال بالدولة الرخوة " الدولة التي تضع القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لإن لا أحد يحترم القانون، الكبار لا يبالون به، لإن لديهم من المال والسلطة مايكفي ليحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوي لغض البصر عنه، ورخاوة الدولة تشجع على الفساد، وإنتشار الفساد يزيدها رخاوة، والفساد ينتشر في السلطتين التنفيذية والتشريعية، حتى يصل الى القضاء والجامعات، ويصبح الفساد في ظل الدولة الرخوة "إسلوب حياة".

فما هي سمات مثل هذه الدولة ؟

أهم سمات الدولة الرخوة :
تعد الصفات والظواهر التالية من اهم سمات الدولة الرخوة :

التبعية للخارج وفقدان الدولة سيطرتها على جزء كبير من قرارها الداخلي فتصبح دولة تعيش عالة على الخارج من خلال الإعتماد التام عليه وليس على القدرات الذاتية.
إرتباط مصالح النخب السياسية فيها بالمؤسسات الدولية.
الاستبداد السياسي و عدم إحترام حقوق الإنسان.

وجود مؤسسات حكومية أكثر من الحاجة الفعلية للدولة تتميز بغياب اي دور واضح لها الى درجة تتداخل وتتشابه معها صلاحيات المؤسسات ويكون هدفها الاساسي هو خلق مناصب للموالين والمحسوبين على الفئات المتنفذة.

وجود نخبة فاسدة تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية أولا وإستشراء الفساد بكافة أشكاله، ونهب المال العام، والتهرب الضريبي.

تفشي الفقر والتخلف لغياب العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وضعف التنمية أو غيابها.

الانحياز التام إلى الأغنياء في الوقت الذي تسعى فيه الى إفقار الفقراء وتحميلهم فواتير الفساد والقرارات والسياسات الاقتصادية الخاطئة.

غياب الشفافية، وعدم الفصل بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وخاصة بين المال العام والمال الخاص.

عدم إحترام القانون، وضعف ثقة المواطنين بالقوانين، فمع وجود منظومة قانونية متقدمة إلا أنها تبقى من دون تطبيق، إلا في حالات محددة حيث يمكن إستخدامها لمعاقبة مناهضي الفساد، أو المطالبين بحقوقهم، أو المجرمين و اللصوص من الطبقات المسحوقة وحسب.

انقسام النسيج الإجتماعي.

إنهيار البنية التعليمية للتعليم العام والجامعي.

تراجع مكانة وهيبة الدولة داخلياً وخارجياً.

ان ما طرحه عالم الاقتصاد والاجتماع السياسي السويدي "جنار ميردال" في سنة ١٩٧٠، في نظريته المسماة ب "الدولة الرخوة" ينطبق تماما على الواقع المفروض والمرفوض على عراق اليوم.فمعول التهديم والتحطيم والتهشيم الممنهج الذي استخدمه الاحتلال واوكل تنفيذه الى أحزاب السلطة في ظله والى يومنا، هذا كان كفيلاً بتحويل العراق إلى الدولة الرخوة والفاشلة وهي
التي كانت تعد واحدة من اقوى الدول العربية ومن أغنى دول العالم فاصبح شعبها واحداً من افقر شعوب المعمورة.

فبعد أن غاب تطبيق القانون وتغلبت المصالح الشخصية على مصلحة الوطن العليا، انتشر الفساد والرشوة و عمت الفوضى واستمكنت المليشيات من القرار السياسي وتولت المافيات شؤون الاقتصاد وضعفت منظومة القيم الاجتماعية وانتشرت المخدرات والفقر والجهل والمرض بين ابنائه.

لذا فإن الوعي بهذه المخططات المعادية وباساليبها هو نقطة الانطلاق نحو مواجهتها وافشالها ، وعليه فمهما بلغت هذه المخططات الجهنمية وادواتها من اصحاب السلوكيات المنحرفة من قوة وتمادت في غيها، ومهما ازداد ظلم واستهتار هذه الطبقة الفاسدة التي عاثت في الأرض فساداً وقتلاً وتشريداً واجراماً، فإن شعبنا الصامد الصابر المحتسب الواعي الذي تمتد جذوره الحضارية في اعماق التاريخ، سوف يثور ويثأر وينهي هذا الواقع الغريب الشاذ ويعيد للعراق دولته القوية المتماسكة التي تليق به وما شباب ثورة تشرين العظيمة الاّ طلائع هذا التغيير الحضاري الجذري.







الاثنين ٢١ ربيع الثاني ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / كانون الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة