شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :
تشكل الثقافة في الفكر القومي اهمية خاصة لاستيعاب المفاهيم والنظريات في إطار السعي الى ترسيخ مفهوم الوحدة العربية وصولاً الى افضل السبل على طريق تحقيقها وكذلك في اطار متابعة التطور التاريخي للنظرية الاقتصادية الاشتراكية وللنظرية السياسية الديمقراطية في محاولة لفهم وتحديد تقسيم العمل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وصولا الى ترسيخ مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية.وتؤكد التحولات التاريخية التي يمر بها عالم اليوم عموماً والوطن العربي خصوصاً على أهمية استشراف المستقبل بوضوح دون انقطاع عن ماضي الامة العربية وتراثها المجيد، وبما يضمن اثراء فكر الحزب وبالتالي الفكر القومي ونظريته ويكفل مواجهة علمية ثورية ناجحة لقضايا النضال العربي.

نحتاج اليوم، في اطار الدراسات والبحوث المستقبلية، التعامل مع تطورات الواقع والنظريات السياسية والاقتصادية فيه ومتابعة التحولات السريعة والعميقة في الحياة العربية والعالم اجمع ، والعمل نحو برامج اقتصادية وسياسية واجتماعية وعلمية تتجاوز عوامل ضعف الدولة القطرية والنظام العربي والتي افضت الى عدم القدرة على مواجهة تحديات الصراع الاقليمية منها والعالمية، في ظل استهداف منقطع النظير وغير مسبوق للامة العربية ولاي مشروع نهضوي فيها، مما ادى الى اتساع ظواهر شتى منها الانهيارات الامنية و شيوع العنف والتهجير والتغيير الديموغرافي وتفشي مشكلات الفقر والبطالة والتخلف والأمية واستباحة الموارد وهدرها.

ولان مواجهة كل ذلك و تحقيق النهوض المنشود يتطلب تطوير الفكر السياسي في الوطن العربي، وصياغة رؤى سياسية تستجيب وتتفاعل مع التطورات العالمية المعاصرة انطلاقا من التحليلات العلمية للفكر العربي القومي خلال القرنين الماضيين.لذا فقد جرى استعراض للملاحظات العلمية النقدية التي وردت في كتاب : د.جورج قرم، "الفكر والسياسة في العالم العربي"، منشورات دار الفارابي، بيروت، ٢٠١٧م وغيرها من الاعمال، والتي من المؤمل ان تساهم في بناء مدخل علمي شامل لتطوير الفكر السياسي الحديث في الوطن العربي، وصولا الى تعزيز القدرات، و بناء دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وضمان الحقوق والكرامة والعدالة وتحقيق الازدهار والرفاه مما يعزز نضالنا القومي في مواجهة تحديات العصر والقوى المعادية بمختلف صنوفها ويمكِّن الامة العربية في مسيرتها النهضوية الحضارية بما يليق بمكامن قوتها وتاريخها المجيد ودورها الريادي في عالم الالفية الثالثة.

الحلقة الثانية

مستقبل المشروعات القومية بوصفها قاطرة للتنمية في الوطن العربي

حسن خليل غريب

دراسة قدمت في مؤتمر“المشروعات القومية ودورها الاجتماعي في تنمية المجتمع العربي” الذي نظمته جامعة بورسعيد

الجزء الاول

المحتويات

أولاً : تعريف المصطلحات
ثانياً : تمهيد في مفهوم التنمية
ثالثاً : موقع التنمية في المشاريع الرأسمالية

رابعاً : تكامل مجموعة من العوامل والأدوار لإنجاح التنمية الوطنية
١ - دور الدولة
٢ - دور المجتمع
٣ - دور الرأسمالية الوطنية

خامساً : العلاقة بين التنمية الوطنية والتنمية القومية
١ - تكامل الاقتصاديات الوطنية حافز لإنتاجية قومية منافسة
٢ - دور الرأسمالية القومية
٣ - مجموع الإمكانيات القومية تدعم المشروعات القومية المشتركة

سادساً : في نتائج البحث - التنمية القومية حاضنة أساسية للمشروعات الوطنية.

موجز الدراسة التي قُدِّمت أمام المؤتمر :
واجهتني في البداية صعوبة التمييز بين المشروعات التي تُنفَّذ في قطر عربي واحد، والمشروعات التي تُنفَّذ بين قطرين عربيين أو أكثر.وللالتباس في فهم المصطلحين أقترحت توحيد المصطلحات لتكون موحدَّة على المستوى القومي العربي، فاقترحت أن تُسمى الأولى بـ ( المشروعات الوطنية ) ، وأن تسمى الثانية بـ ( المشروعات القومية ).

وكذلك، اعتمدت في دراستي على أن للتنمية الوطنية والقومية مفهوماً متكاملاً يرفد أحدهما الآخر.وكمدخل منهجي لدراستي ، فقد انطلقت من مبدأين اثنين :

- المبدأ الأول : ترابط المشروعات الوطنية والمشروعات القومية، وذلك عائد إلى تكامل الاقتصاد العربي.والاستفادة من اتفاقيات المجالس الاقتصادية العربية، ومنها خاصة وبشكل رئيس، تلك التي وُقِّعت في مرحلة الستينيات من القرن العشرين، أي مرحلة الصعود القومي العربي.

- المبدأ الثاني : الترابط الوثيق بين التحرر السياسي والتحرير الاقتصادي، فهو عامل ضروري، لا بُدَّ من أخذه بعين الاعتبار في كل مشروع تنموي.

وإذا كان المبدأ الأول غني بالوثائق لغنى التُراث الموجود في مكتبة جامعة الدول العربية.فيبقى المبدأ الثاني الذي أوليته بعض العناية، لم يأخذ حتى الآن الاهتمام الكافي.وعنه، عملت على الكشف بإيجاز عن خطورته وأدرجته تحت عنوان ( المشروعات التنموية العربية في منظار الدول الرأسمالية ).

وعن هذا الجانب، برهنت الوثائق التاريخية التي وُضعت منذ بداية القرن العشرين، على أن التنمية في الوطن العربي عدو لدود للمصالح الاستعمارية والصهيونية.وقد أشرت باختصار إلى مقررات مؤمر كامبل بانرمان التي وُضعت بين العامين ( ١٩٠٥ و١٩٠٧ ).

لقد نصَّت المقررات على تنفيذ هدفين استراتيجيين، الأول سياسي، والثاني اجتماعي – اقتصادي، وهما : منع الوحدة السياسية بين أقطار الوطن العربي.وتعميم الجهل والأمية في المجتمع العربي، وخاصة في مجال المعارف التكنولوجية.

ولأن اتفاقية سايكس – بيكو في العام ١٩١٧، بتقسيماتها الجغرافية السياسية، لم تُفلح في تنفيذ هدف التقسيم، بعد انتشار المد القومي العربي، خاصة في مصر والعراق وسورية، راحت الدوائر الاستعمارية تعمل على تقسيم الوطن العربي على أسس طائفية، منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، بوضع مشروع "الشرق الأوسط الجديد".ذلك المشروع الذي بدأ تنفيذه باحتلال العراق في العام ٢٠٠٣، ولما عرقلت المقاومة العراقية تنفيذه، استكمل على نار حامية منذ مطلع العام ٢٠١١.وما زال الوطن العربي يعاني من ويلاته وآثاره المدمرة حتى الآن.

قصدت من وراء ذلك، أن أبرهن على أن التنمية في الوطن العربي ذات وجهين : فني تكنولوجي، وسياسي اقتصادي.فالأول يعني القضاء على الجهل والانتقال من منهج الاستهلاك إلى منهج الإنتاج.والثاني الاستفادة من عوامل التكامل الاقتصادي العربي بما يعني الانفتاح على هدف الوحدة العربية السياسي، ففي الوحدة السياسية تحصين لأهداف التنمية ومشروعاتها.وبناء على هذا يتبيَّن أن ما يربط بين التحرر السياسي والاقتصادي علاقة وثيقة.أحدهما يساعد الآخر، بأنه كلما تحررت الدولة الوطنية من الهيمنة السياسية، ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني، وكلما انجزت أكبر ما يمكن من المشاريع التنموية تنعكس إيجاباً على التحرر السياسي من هيمنة الدول الصناعية الكبرى.وهنا، لو انخرطت الدولة الوطنية في المشروعات التنموية فإنها ستقلِّص رقعة الهيمنة السياسية للرأسمالية الغربية.وكذلك كلما قلَّصت من نفوذها السياسي كلما اتجهت باتجاه تعزيز اقتصادها على أسس علمية تنموية.

وعن ذلك، تقف الدولة الوطنية أمام تحديات كبرى من أهمها وضع العراقيل في وجه المشروعات التنموية، من قبل التحالف الرأسمالي العالمي مدعوماً من قواعد داخلية تتمثل بالقوى الرأسمالية الوطنية، وذلك لتداخل مصالحهما.

ولمعالجة مشكلة التنمية، فقد درستها من وجهين : الأسباب الداخلية والعوائق الخارجية.

فأما الأسباب الداخلية فتعود إلى بنية العقيدة الاقتصادية للنظام الرسمي الذي ارتضى، بفعل تركيبته الفوقية من رجال أعمال وأصحاب رساميل، ممن حصروا همَّهم بتكديس الثروات، التي تدرها أدوارها كوسائط بين العالم الصناعي المنتج، والأسواق الوطنية التي دورها الاستهلاك.

وأما الأسباب الخارجية، التي دورها وضع عوائق في وجه التنمية، التي غالباً ما تستند إلى التركيبة الفوقية للسلطة، فتتمثَّل بما نصت عليه مقررات مؤتمر كامبل بانرمان بمنع تزويد العرب بوسائل التكنولوجيا لكبح مشروعات التنمية الوطنية، وذلك لمصلحة إنتاج مصانعها.ولذلك انحصرت مهمة التركيبة الفوقية للأنظمة الرسمية بدور الوسيط التجاري.وكانت التركيبة السلطوية، في هكذا وضع، تمثل العائق الرئيس في وجه المشاريع التنموية.وغياب التنمية يؤدي بالضرورة إلى وقوع المزيد من الإجحاف الاجتماعي بحق الأكثرية العظمى من الشعب.وهذا التقصير يؤدي إلى احتقان وغضب، كما يؤدي تراكمه إلى حصول الانفجارات الشعبية.ولعلَّ ( الحراك الشعبي العربي ) ، الذي ابتدأ في العام ٢٠١١، والذي حمى الله مصر من تداعياته الكارثية التي حصلت في الأقطار العربية الأخرى، يشكل حافزاً أمام الأنظمة الرسمية التي ادارت ظهرها لحقوق الشعب أن تعيد النظر بعقائدها الاقتصادية.

علماً أن مخططات الدول الصناعية استغلَّت حاجة الشعب العربي للعيش الكريم، فعاثت بأمن الدول العربية لإحداث المزيد من الفوضى والتخريب.وساعدت على تدمير الدولة العربية لتأخير مشروعات التنمية والحؤول دون أية طموحات وحدوية.كما شجعت حالة الفوضى لأنها ستعرقل قيام أي استقلال اقتصادي، وطالما أن شركاتها ستتولى إعادة إعمار ما تم تدميره.

ونتيجة لهذه الوقائع ، يتعين على الدولة الوطنية أن تولي التنمية الشاملة اهتماماً جديا وعليها أيضا أن تلعب دوراً محورياً في التخطيط والتشريع أولاً، وتعزيز دور المجتمع الوطني في التنمية البشرية والاقتصادية ثانياً، وحثُّ الرأسمالية الوطنية على توظيف رساميلها في مشاريع التنمية ثالثاً.

وأما عن مركزية دور الدولة فلأنها المسؤولة أولاً عن اتخاذ القرارات بتحويل المجتمع من عقيدة الاستهلاك إلى عقيدة التنمية والإنتاج، وإصدار التشريعات اللازمة من قبل المجالس النيابية، والتخطيط للمشروعات التنموية الوطنية من خلال السلطات التنفيذية، وتوفير التمويل اللازم لها.

وعن دور المجتمع باعتبار أن ( كل مواطن شريك بالتنمية ).وإنه بنجاحها نجاح للمجتمع في الانتقال تدريجياً من وهدة التخلف إلى موقع التقدم.وعلى قاعدة ( نحن شعب يأكل مما يُنتج ) ، فالإنتاج تعزيز للدخل الوطني وتعزيز للاقتصاد البلاد ينعكس ذلك إيجابياً لمصلحة بناء مجتمع متقدم.وإننا نؤكد على ذلك، بما فيه من مكتسبات اقتصادية واجتماعية يعود ريعها لمصلحة.الطبقة الشعبية وما لم تقم الدولة بواجباتها ستكون تلك الطبقة لقمة سائغة أمام الحركات الدينية السياسية التي تستغل قصور الدولة للتحريض ضدها، والعمل على إسقاطها.ولذلك تُعتبر التنمية الشاملة بمثابة العامل الفعال الذي يجفف منابع ( الإرهاب الداخلي ) ، الذي يعمل على تهديم الدولة من دون معرفته كيف يبنيها.

وعن دور الرأسمالية الوطنية : على الدولة الوطنية أن تعالج أسباب انكفائها ومخاوفها من الاستثمار في مجالات التنمية، وتوعيتها من مخاطر استمرارها في القيام بدور الوسيط التجاري، بين الخارج الرأسمالي والداخل الوطني.وتحويل عقيدتها إلى عقيدة الإنتاج الوطني لأنها من خلاله تحقق الأرباح على أكثر من صعيد، وستوفر مشاركتها في المشروعات الوطنية المزيد من فرص العمل، وزيادة الدخل لشريحة واسعة من المواطنين، وسيعزز ذلك المزيد من المستهلكين.ويتوجب على الدولة إشراك الرأسمالية الوطنية في مشروعات مشتركة بين القطاعين العام والخاص، مع توفير الضمانات اللازمة التي تزيل مخاوفها، وتنقلها إلى ضفة الإنتاج والتجارة الداخلية.

في ظل تقصير الحكومات العربية عن بناء مشروعات التنمية ستبقي الأبواب مفتوحة أمام التيارات الدينية السياسية لتملأ الفراغ الذي تتركه الدولة.وسيبقى تحريضها قائماً، ومسموعاً لدى شريحة كبرى من الجماهير، تلك الجماهير التي قد تلجأ إلى تصديق الخرافات عندما لا تجد من يفسر لها أسباب تخلفها وفقرها.

إن ما قمنا بتقديمه من حقائق ووقائع على صعيد العوائق التي تحول دون تنمية الدولة الوطنية، والمشروعات التنموية على الصعيد القومي العربي.وإنه ما لم تبدأ الدولة الوطنية بالانتقال إلى عقيدة التنمية والإنتاج، فسوف تكون عاجزة أيضاً عن الانتقال إلى منظومة للإنتاج القومي العربي.وإن التنمية، من خلال المشروعات الوطنية، ستكون حافزاً أساسياً لتلاقي الجهود القومية، وفيها دفع للرأسمالية العربية بأن تتجه نحو توظيف الرأسمال العربي في التنمية الاقتصادية، الذي من شأنه أن يحقق نقلة تنموية عربية تنعكس بالإيجابية على المجتمع العربي بكامله.

وهنا، أود الإشارة إلى متغيرات جديدة طرأت على توسيع مصادر الثروة العربية، وهي وقائع ما حصل من اكتشافات جديدة لمنابع الغاز والنفط في حوض البحر الأبيض المتوسط، والتي من المفترض ان تنعم بخيراتها الاقطار العربية الواقعة على حدوده الشرقية، ومنها مصر ولبنان وسورية.ولأنها تحتاج إلى اهتمام أكثر من مراكز الأبحاث، فاني اوجز القول بأنه ليس المهم أن تمتلك ثروة، بل المهم أن تعرف كيف تستثمرها.فهل ستتعلم الأقطار الجديدة من دروس الأقطار الأخرى، فتضع الثروة في ميزان التنمية والإنتاج، والنأي عن صرفها في ميادين الاستهلاك؟
وفي الخلاصة،

وإذا كان الاقتصاد الوطني ينمو تصاعدياً في كل أقطار الوطن العربي، فينبغي أن يُبنى على قاعدة تخطيط قومي، بالاستفادة من الرأسمال القومي، لدى الدول والأفراد، يعني ذلك تضافر الإمكانيات المالية والأسواق لدى المستثمر العربي، وهذا ما يمكن أن يزرع الاطمئنان في نفوس المستثمرين.

وما يمكن الإشارة إليه في ختام تقديمنا للدراسة، هو أن تلعب الدولة الوطنية دوراً في توفير الضمانات للمتمولين العرب في أن التنمية لن تكون في توزيع ثرواتهم على الفقراء، بل فيها ضمانات لهم لجني الأرباح، وفي الوقت ذاته يفسحون الفرصة لشرائح كبرى من الشعب في الإسهام بالإنتاج وتحسين أوضاعها المادية والاجتماعية.وهذا طبعاً سوف تعزز حاجة السوق لمن يملكون ثمناً للسلعة.

يتبع الجزء الثاني لطفاً.







الاحد ٥ جمادي الاولى ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة