شبكة ذي قار
عـاجـل










الانتحار جريمة، والجريمة شكل من أشكال الخروج عن قواعد السلوك التي يضعها المجتمع لتنظيم حياة أفراد المجتمع الذي هو يحدد ماهية السلوك العادي والسلوك المنحرف أو الإجرامي وفقاً لقيمه ومعاييره التي ارتضاها لضبط سلوك أفراده وحمايتها، إذ أن من الحقائق الاجتماعية أن لكل مجتمع أنظمته الاجتماعية وأعرافه وآدابه السلوكية وقيمه الاجتماعية التي تضبط سلوك أفراده.

ففي العراق، في العهد الوطني كانت هناك لجنة الضبط الاجتماعي يرأسها السيد وزير الداخلية وفي عضويتها ممثلين من كل الوزارات والهيئات المعنية وممثلي منظمات المجتمع المدني واجتماعاتها شهرية ترصد كل القضايا الاجتماعية وترفع محاضرها للرئيس القائد صدام حسين رحمه الله ليطلع على السلوك الاجتماعي لأفراد المجتمع ويتابع بنفسه هذا الموضوع لأهميته.

من المؤسف حقاً أصبح الانتحار في عراق ما بعد الاحتلال الغاشم ظاهرة وليست حالات، فالانتحار كما ذكر علماء النفس والاجتماع ظاهرة اجتماعية بل دلالة عن طبيعة الأخلاق السائدة في مجتمع معين، إذ توصلوا إلى أن الانتحار يشير إلى سلطة المجتمع على الفرد، فالانتحار يتغير ويتأثر بطريقة معاكسة لتكامل المجموعات الاجتماعية في ما بينها بناء على أن الفرد جزء لا يتجزأ من تكوين هذه المجموعات الاجتماعية، فعندما تكون الجماعة متماسكة يتماسك فيها الأفراد وتتبلور قيم وقواعد السلوك الاجتماعي لتنظيم العلاقات بين الأفراد، بمعنى آخر فالجماعة تعمل على مساعدة الأفراد في إيجاد السبل الناجعة لتحقيق ما يصبون إليه وبالتالي تقل نسب الانتحار في مثل هذه المجتمعات.

اعتبر عالم الاجتماع ( دور كايم ) أن معدل حوادث الانتحار يعكس سيطرة المجتمع على الفرد، ولهذه السيطرة وظيفة معقدة يدعوها بوظيفة الاندماج الاجتماعي.كما أن ظاهرة اجتماعية تتباين تبعاً لمجموعة من المتغيرات.

إن انتشار ظاهرة الانتحار في العراق سببها هشاشة النسيج الاجتماعي وضعف علاقات الأفراد بعضهم البعض وغياب الشعور بالانتماء إلى المجتمع، فيعيش الفرد معزولاً عن الإطار الاجتماعي للمجتمع، إذ يفعل ما يشاء ويسعى فقط لتلبية وإشباع حاجاته الخاصة وتحقيق مصالحه الذاتية، وفي ظل هذه الوضعية، فعندما يصاب الفرد بصدمة مالية بعدم توفر العمل أو اجتماعية فإنه مباشرة يفكر في الانسحاب من الوجود لأنه لا يشعر بالارتباط بمجتمعه المبني على النزعة الفردية والأنانية المطلقة والجشع والطمع والسرقة والفساد الإداري والمالي والسياسي والأخلاقي مما يجعله لا يتحمل ما يرى فيصبح متوتراً قلقاً خائفاً من المستقبل فيقرر الانتحار بدلاً من العيش في هذا المجتمع البائس، وهذا يعني أن ما يسمى بالحكومة هي المسؤولة عن كل حالات الانتحار، وهي ترى ظاهرة الانتحار وتقف متفرجة كأن الأمر لا يعنيها!




الجمعة ١٤ رجــب ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / شبــاط / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زهراء الموسوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة