شبكة ذي قار
عـاجـل










شاءت الاقدار ان يجمعنا لقاء يتيم بطبيبة عراقية تعيش في دولة اسكندنافية، مضى على غربتها هناك مايقرب من العقدين من العمر ..
وهي منهمكة في عملها المضني، وخريف العمر تتساقط أوراقه بين ماضٍ به الكثير من الذكريات المفعمة بكل ماهو جميل، وبين حاضرٍ لا يحمل سوى ميكانيكية الحياة وكأنها آلة تزخر بضجيج العمل وقسوة الحياة ورتابة التعويد اللامنتهي ..

سَرَدَتْ لي حكاية كانت هي ورفيقة لها، أبطالها، فاستأذنتها بتوثيقها ، وإليكم يارفاق النضال نص هذه القصة الواقعية ..

تقول : في صيف عام ١٩٨٢، تخرجت في كلية الطب، وكان قانون العمل أو التوظيف انذاك يُلزم الخريج الذي يتم توظيفه بالعمل لمدة سنتين في القرى والارياف العراقية ..
كان والدها قائدا في الجيش العراقي برتبة عميد، وزوجها كذلك كان ضابطا في الجيش ..

وكانت الحرب مستعر اوارها ضد العدو الفارسي الشرير ..
تقول الطبيبة : بينما خَرَجَتْ هي ورفيقةلها من الكلية ( وكانت رفيقتها أيضا، زوجة لأحد الضباط في الجيش العراقي الباسل انذاك ) ،كانتا تتجاذبان أطراف الحديث حول مسألة الدوام في مناطق نائية وزوجيهما ضابطان في جبهات القتال، وكيف سيوفقان بين العمل ورعاية الاولاد وإدارة شؤون البيت؟! ..

تقول ذهبنا نحو مستشفى مدينة الطب وعندما صرنا بالقرب من وزارة الدفاع ( بموقعها القديم قرب نهر دجلة الخالد ) لمعت في ذهني فكرة لم اتردد لحظة في الأقدام على تنفيذها، فاخبرت رفيقتها ان تذهبا إلى وزارة الدفاع وتحاولا مقابلة اي مسؤول فيها وتخبرانه أنهما تخرجتا في كلية الطب، وقرار تعيينهما يفرض عليهما العمل لمدة سنتين في الأماكن النائية وأن أزواجهن ضابطان في جبهات العز والرجولة والشرف، ومن الصعب عليهن ان يتركن بيتيهما والأولاد والالتحاق بعملهن ، ومن الصعب جدا عليهن التوفيق في ذلك ..

وتقول محدثتنا، وتقسم بأغلظ الإيمان، أنهنّ لا يعرفن احدا في هذه الوزارة، إنما هي الثقة والأمل بأنهن سيجدن في وزارة الدفاع حلّا لمشكلتهن ، علما أنهن لم يُخبرن زوجا او اهلا بذلك، إنما كانت الفكرة هي وليدة لحظتها ..

اقتربتا من باب النظام الرئيس لوزارة الدفاع واخبرن الحرس انهن يردن مقابلة المسؤول في الوزارة دون تحديد ( نريد نقابل المسؤول الكبير في الوزارة ) ، وبعد تردد الحرّاس واصرارهن على ذلك وانهن طبيبات وزوجات لضباط في الجبهة، اضطر الحراس لطلبهن، ودخل احد الحراس وبعد ما يقرب من الربع ساعة أو أكثر، جاء واخذهن لمقابلة مسؤول ما ..

تقول : دخلنا لمكتب كبير، وكان يجلس خلفه ضابط شاب، وسيم، اسمر، ولم يعرفن من هو ..
بعد التحية والسلام والجلوس، قال ( تفضلو اخواتي ان شاء الله خير، بشنو اقدر اعاونكم ) ..

تقول : شرحنا له الموقف بالتفصيل واخبرته ان ابي ضابط ( عميد ) ، وزوجها وزوج رفيقتها أيضا ضباط في جبهات القتال وانهن يطمحن بأيجاد حلّ لمشكلتهن وياليتك تساعدنا بعدم العمل في أماكن نائية ..
رنّ هذا الضابط المسؤول المُضيّف، الجرس، فدخل مدير مكتبه وأمره بجلب اضبارتي زوجيهما، وبعد دقائق كانت أمامه ..
قال هذا الضابط المسؤول لمدير مكتبه ( سويلهن كتاب لزير الصحة بأعفائهن من خدمة المناطق النائية حتى يبقون قريبين من بيوتهن ويربون اولادهن .. عوائل المقاتلين تستاهل مي العين ) ..
تقول : اخذت ورفيقتي الكتاب إلى وزارة الصحة ونحن بين مصُدقات وغير مصُدقات، ولكن فعلا تم تعييننا في مستشفى اليرموك بجانب الكرخ ..
انتهت القصة ..

لكنني سألتها ألم تعرفي ذلك المسؤول في وزارة الدفاع فاجابت بالنفي القاطع، لكنها استدركت وقالت لازالت صورته مطبوعة في ذاكرتها ..
استأذنتها باستخدام جوالي فدخلت على الكوكل وكتبت ( صور وزير الدفاع عدنان خيرالله ) وطلبت منها رؤية صورته ..
نهضت من مكانها وقالت والله هو .. انه هو بعينه ..

فأخبرتها ان من قابلته واستجاب بكل مسؤولية وشرف لطلبهن وانتخى لهن هو الشهيد الفريق اول ركن عدنان خيرالله وزير الدفاع رحمه الله ..
لم تنبس ببنت شفة سوى دمعة مؤلمة باغتتها وحاولت اخفائها دون جدوى ..

وترحمت عليه كثيرا.
هؤلاء هم رجال العراق، وهذه بعض نخوتهم ..





الجمعة ٢٨ رجــب ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أذار / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب وائل القيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة