شبكة ذي قار
عـاجـل










لست بصدد البحث العميق عن أسباب فشل الكثير من العقود المبرمة لتجهيز وحدات إنتاج الطاقة الكهربائية للعراق بعد سنة الاحتلال ٢٠٠٣ والخوض في جوانب الإخفاق الخاصة بتنفيذها والمتمثلة بـ ( التوقيتات المخطط لها، مواصفات المعدات المتعاقد عليها، سلامة بنود العقود الموقعة، مدد الضمان ) .. الخ من متطلبات صياغة العقود التي يجب أن تؤمن مضامينها عدم التفريط بثروات العراقيين نتيجة لتفاهة نصوصها التي شابها الكثير من الشكوك بعد مرور العديد من السنين على بدء تفعيلها، إذ تأكد أنها من العقود ذات النتائج المخيبة عندما طبعتها معالم الضعف والبلادة فكان توصيفها في حقل العقود البائسة.

شركة جي أي الامريكية من كبريات الشركات العالمية المعروفة والمتخصصة في تصنيع وحدات توليد الطاقة الكهربائية، جهزت هذه الشركة الكثير من دول العالم بإنتاجها من هذه الوحدات وعلى وفق عقود خاصة ذات قيم مالية مختلفة، ويعد العقد ( السمين ) الذي وقعته الحكومة العراقية معها سنة ٢٠٠٨ بقيمة مليارين و٨٠٠ مليون دولار أكبر العقود ( مالياً ) في تأريخ هذه الشركة، منذ تأسيسها عام ١٨٩٢، حيث كان الغرض منه تجهيز المنظومة الكهربائية العراقية بـ ( ٥٦ ) وحدة توليدية سعة الواحدة منها ( ١٢٥ ميكاواط ) وبهذا تكون الطاقة السعوية المستهدفة ( ٧ ) آلاف ميكا واط ، أطلق على هذا العقد في حينها اسم ( الميكا ديل ) ، تبع هذا حزمة من التعاقدات قيمتها ٤ مليارات و١٠٠ مليون دولار لتنصيب الوحدات التي تم الاتفاق عليها في ١١ موقعاً موزعاً على مساحة العراق ( عدا مناطق إقليم كردستان ) ، وهنا أصبحت قيمة هذا العقد ( الكبير ) بقيمة زادت على ٧ مليارات دولار فهو المشروع الذي استحوذ على المرتبة الأولى ( مالياً ) من سلسلة مئات العقود التي أبرمت لصالح قطاع الطاقة الكهربائية في العراق، منذ دخول الكهرباء للعراق العام ١٩١٢، أو منذ تأسيس مصلحة الكهرباء الوطنية العام ١٩٥٩، فبالرغم مما تم توقيعه من ملاحق لعقد التجهيز وأخرى تخص عقود التركيب إلا أن المنظومة الوطنية للكهرباء لم تجن ما كان متوقعاً من هذه العقود غير الفشل في جوانبها التنفيذية والكثير من النتائج المحبطة ولم يلمس المواطن أي تحسن في خدمة تجهيز الكهرباء، بل تفاقمت أزماتها وزادت معاناته سوءً.

قبل قرابة السنتين نشرت صحيفة ( الوول ستريت جورنال ) واسعة الانتشار تقريراً عن خدمة الكهرباء في العراق ورد في نصه : ( كل عقد طاقة في العراق يجب أن يحقق استفادة لأحد الأحزاب السياسية والقوى الدينية حتى يوقع ) فهل ما تناولته هذه الصحيفة وما يتبعه من تدخلات كان من عوامل الفشل الرئيسة التي أصابت هذا المشروع؟ أم هي من تداعيات رعونة التخطيط وغياب الإدارة الحكيمة وأدواتها الماهرة؟

إن فقدان الإرادة الوطنية الواعية التي تحكم آلية تنفيذ المشروعات على وفق الشروط السليمة والنزيهة لها لا يمكن تعويضها بالتخصيصات المالية الكبيرة للعقود لإنهاء الازمات ووضع الحلول الحاسمة لها، بل يمكن ان تكون هذه الأموال وإمكانية استباحتها سببا ًفي إنتاج العقبات أمام الأجهزة المنفذة لها عندما تكون في مواقف الاضطرار لمعالجة جوانب القصور فيها لكي تحقق شيئا ًمن الغايات التي من أجلها تم الاتفاق بشأنها ، فتفكيك الأزمات الكبيرة يحتاج الى جهد وطني نزيه لا يمكن تحقيقه إلا بفعل أدوات مهنية شجاعة لها القدرة على مواجهة ما يثنيها عن مهماتها باستقلالية وثبات.





الثلاثاء ١٦ شعبــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / أذار / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سحبان فيصل محجوب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة