شبكة ذي قار
عـاجـل










يختلف علم التأريخ عن علوم الحياة ( Biology ) لناحية الاعمار والمعدَّل الوسطي للحياة البشرية، حيث توافقت الانظمة الاجتماعية في العالم على اعتبار سن الرابعة والستين مثلاً ، وبعضها أقل من ذلك ،عاماً لبداية تقاعد الفرد والخلود للراحة من عملٍ وظيفي استهلك منه ما لا يقل عن ربع القرن من الزمن،

فيما تتباهى دولُ العالمين الاول والثاني، بالمعدل المتوسطي لاعمار ابنائها فتتسابق المتقدمة صحياً واجتماعياً وخدماتياً فيها ،على رفع هذا المتوسط عاماً إثر العام ، بينما دولُ أخرى من العالم الثالث وما بعد ،يكاد لا يصل فيها المواطن الى سن التقاعد حتى يكون الى اللحد اقرب منه الى التمتع بسنوات ما بعد التقاعد.

تلك احصائيات علمية لا تحتاج الى دلائل او اثباتات وقرائن ،كما تفرضه علوم التأريخ وتشعباته في مقارباتها ل ( اعمار ) الحركات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي منها من يستمر لاجيال وعقود ويتمدد، ومنها من يحمل بذور فنائه واضمحلاله قبل ان يصلب عوده ويخلد اسمه فيندثر الى الابد.

في تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يُحتَفَل في السابع من نيسان لهذا العام في الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيسه، ما يجعله وبدون منازع ، من الحركات التي استمرّت وستستمر لعقودٍ وعقود ،يخرج من مرحلةٍ الى أخرى ، فيبقى الاصلب عوداً والاعمق خبرةً من التي سبقت، وقد صقلته الظروف وعجنته المِحَن وقوّت من شكيمته الزلازل الداخلية التي كانت لتقصمه قصماً وتنهي وجوده الى الابد ،

لولا ما بداخله من المناعة الذاتية التي تجعله كطائر الفينيق الاسطوري الذي يتحدى الموت بعد كلّ رزية،

وهو يتشبث بالحياة.

ما يجعل "البعث"قوياً انه يحمل سر بقائه في كونه "الفكرة"التي لا تموت سواء كان الحزب حاكماً لقطر او محكوماً فيه ، بانياً للسلطة ام قائداً للمقاومة، في اعلى قمم المسؤولية ام تحت سنابك الخيل ،

وفي كل تلك الحالات لا يمكن لأي قوة في العالم ان تنكر على العرب انهم امة واحدة لها الحق في ان تكون لها هويتها القومية ،شأنها شأن الأمم الاخرى ،الالمانية والفرنسية والايطالية والاسبانية والبرتغالية والانكليزية والصينية والهندية والروسية وغيرها من الامم التي كوّنت دولاً قومية تحمل مسمياتها ،

فما الذي يمنع امة العرب ان تلم شملها وتجمع اقطارها في و حدةٍ عربية تحاكي امل العرب في ملاقاة بعضهم البعض دون حدودٍ وحواجز وهم الذين لا تجمعهم اللغة وحسب وانما التاريخ والجغرافيا والمصلحة المشتركة في اقتصادٍ عربي واحد يملك كل هذا الكم من الثروات والارض والسواعد والعقول ،

ولماذا يحق لاوروبا " مثلاً، القارة العجوز " بدولها ما فوق العشرين واممها ولغاتها وحروبها البينية على مدى عقود من التاريخ ،ان تنضوي تحت اتحاد سياسي اقتصادي وعملة واحدة ،ويُمنَع ذلك عن العرب الذين مهما طال تشرذمهم ومعاناتهم ،

ستبقى "الفكرة " هي الامل في خلاصهم من التجزئة والاستغلال مهما طال الزمن.

هذه الفكرة التي حملت بذرة التأسيس لها في كيان تنظيمي حمل اسم "حزب البعث العربي الاشتراكي "في العام ١٩٤٧ ، استطاعت ان تنمو وتتمدد في اقطار المشرق العربي كما اقطار المغرب ،وحققت اولى التجارب الوحدوية العربية في العصر الحديث بوحدة سوريا ومصر عام ١٩٥٨ ضمن "الجمهورية العربية المتحدة ،"

وحملت مسؤولية الحكم في قطري سوريا والعراق عام ١٩٦٣،
وبالرغم من كل ما تعرضت له تلك التجارب من تحديات خارجية وداخلية لا يتسع المجال لذكرها والوقوف على كل منها وكلها موثقة في ادبيات "نضال البعث"وكتابات القائد المؤسس ،
عادت "الفكرة"لتتولى مسؤولية حكم العراق في العام ١٩٦٨وتبني تجربةً اخرى رائدة نقلت هذا القطر الى مصاف الدول المتقدمة حضارياً واجتماعياً واقتصادياً واقتداراً عسكرياً واستقلالاً سياسياً وغيرها من المنجزات التي اعتبرها الغرب الطامع تهديداً مباشراً لمصالحه بعد تحقيق شعار "بترول العرب للعرب "والانتصار في معارك محو الامية وبناء جيش مرهوب الجانب لكل طامع ومغتصب للاراضي العربية خاصةً فلسطين السليبة ،فكانت عمليات البدء في نصب الافخاخ لهذه التجربة والعمل الدؤوب لانهائها،بعد ان شعر الغرب والصهاينة خطورتها على مصالحهم والمتمثلة ب :

١ - حماية الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين والمزروع في قلب الوطن العربي لمنع وحدته وتلاقي اقطاره،
٢ - ابقاء السيطرة على النفط العربي ووضعه تحت رحمة الغرب انتاجاً وتسعيراً وتصديراً ،ومنع اية دولة منتجة له التحكُم فيه ،
وهو ( الغرب ) الذي يعلم تماماً ان آخر برميل نفطي سينضب في المستقبل سيكون من بترول العراق الذي يشكل واحداً من اكبر مخزون نفطي في العالم.
لذلك كله ،هل كانت صدفةً ان يلجأ المحتل الاميركي البريطاني الصهيوني في الايام الاولى لغزو العراق ان يِقدِم على جريمتين اساسيتين اضافهما الى جرائمه الموصوفة في هذا البلد قبل وبعد الاحتلال :
١ - القيام بتدمير الضريح العائد لمفكر البعث الاستاذ ميشيل عفلق وجرفه، فلماذا يفعلون ذلك وما جريمته ولِمَ يخافونه وهو الذي غلبت عليه صفة المفكّر قبل اي صفة اخرى حيث لم يكن رئيس دولة او زعيم عشيرة او قائداً ميدانياً يوجه بالسلاح والمدفع ،وانما "الاستاذ"الذي حمل "الفكرة" وبقي ينافح عنها في كل مراحل الانبعاث القومي العربي والدعوة الى استعادة العرب لارادتهم المسلوبة على ايدي المستعمر والصهيوني الغاشم واذرعهتم في الداخل التي تمنع نهضتهم واستغلال ثرواتهم وانماء اقطارهم ،

ولم يكتفِ بذلك بل اقدم على اتخاذ قرار اجتثاث حزب البعث ،الذي يحمل الفكرة وتراهم اليوم عاجزين عن قتلها لأن الحزب باقٍ ويتملكهم الخوف حتى من ذكر رموزها فلجأوا الى سن القوانين التي تمنع ذلك في اعلامهم تحت اقسى العقوبات، ومع ذلك يملأ العراقيون اليوم ،الساحات ليل نهار منددين بسلطة العملاء ليصنعوا بحراكهم السلمي عصراً جديداً للعراق يعيده الى حضن امته عراقاً عربياً واحداً موحداً من الجنوب فالوسط والشمال ..

٢ - بالرغم من تدميره لمؤسسات الدولة العراقية كافةً ،وجريمة حلّ الجيش العراقي النظامي ،ابقى المحتل الغاشم على وزارة النفط سالمةً وتوجهت قواته فور تدنيسها ارض العراق ،لحمايتها ومنع التخريب عنها كي لا يعيقه ذلك من وضع يده على النفط واستغلاله بالسرعة اللازمة ..
وفي الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس "البعث العربي الاشتراكي" ،ما اشبه هذه "الفكرة " بحبة الحنطة التي حضنتها الارض لتخرج سنابل وسنابل لا تهز الرياح عطاءها وبات تجذّرها في تربة الوطن اقوى من اي اقتلاع.

انها عظمة الحزب الذي يحمل سر كينونته من اسمه المرادف للقيامة كما هي قيامة طائر الفينيق وقد اثبتت التجارب والمحن وحتى الزلازل السياسية والتحديات التي واجهت هذا الحزب انه القادر على القيامة من جديد ومهما امتدت به السنون فهو يحمل اكسير الحياة الدائم الذي يجعله الاكثر شباباً ونضوجاً امام كل ما تحيكه ايادي الشر المتوثبة لقتل "الفكرة " في مهدها واعاقته عن حملها او التبشير لها لتبقى ديدن الاجيال العربية التي لا خلاص لها سوى في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية ولا يهم بعدها مسمى من يحمل الراية طالما بقيت "الفكرة" هي الاساس.






الثلاثاء ٢٣ شعبــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / نيســان / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة