شبكة ذي قار
عـاجـل










بانقضاء صلاة العصر، يوم العاشر من نيسان ٢٠٠٣ نزل المارينز من عربات القتل المصفحة يتقافزون، كما خفافيش الليل، بين ضفتي شارع حيفا.
مدّ الملاّ الضرير ( مولود المشهداني ) قامته بباب مسجد أبي السعد، رفع يديه بالدعاء ( رب هبّ لي الساعة بصراً، واجعل من عصايّ رمحا ).

انفجرت صدور الناس غضباً وفاضت غيظاً، اضطربت الأرض .. في البدء قذف الصبية الجند بالحجر والزجاجات الفارغة، أوصدت الفحّامة الأبواب بوجه غربان البيت الأبيض، أدرك مشاة البحرية، منذ اللحظة الأولى أكذوبة الورد الجوري التي بشر بها البنتاغون قوات الولايات المتحدة من أن شعب العراق سيأخذهم بالأحضان ويستقبلهم بالزهور.

الوحدة العسكرية المدججة بأسلحة الموت، من الرأس إلى أخمص القدم، شعرت أن شراً مستطيراً يحيق بها، وأن ألفاظاً غليظة قرعت أسماعهم : قتلة، متوحشون، مستعمرون، مرتزقة، الأصوات الغاضبة تتراكم من كل نافذة وباب، تنزل بقوة، كما المطارق، على رؤوس الغزاة، تآزرت معها لغة العيون تتقادح شرراً، وهي تمتلئ بكل معاني التحدي والتهديد والوعيد.

توقف اثنان منهم أمام شعارات الجدران، مرقومة بالعربية والانجليزية، تتوعد الغزاة وتحث الشعب على المقاومة، أومأ جندي بيد مذعورة إلى كلمة ( جحيم ) ثم مضيا .. 

الأرض تميد برجال الامبراطورية العالمية، طفل في العاشرة يقف بثبات، والفتية يحتشدون بباب جسر الدم، ثمة من يرفع علماً، والآخر يلتقط حجراً، النوافذ أوصدها الحزن، تنسلّ من دار السدرة الكبرى ( منصورة يا بغداد ) ، يتعالى في السوق صوت الوجع الوطني.ينحسر الضوء.

تنحدر شمس الكرخ في مياه خضر الياس، فينبث أذان المغرب، لكن الصمت لا يلبث أن يتهاوى، قنبلة تنفلق تحت مدرعة ( برادلي ) ، تحدث في قلب الرتل الغازي فزعاً مجنوناً، يختبئ المارينز، بين الضفتين، تعقبه دفقات الرشاش الآلي، ينثال رصاص حمادة فوق عربات ( الهمر ) ، يمتلئ الشارع بالنار والدخان، إنها اللحظة الفدائية الخالقة، الشبيهة بالومضة السحرية لا تتسع العين لالتقاط مشهدها، تلك بداية المعركة الكبرى التي أرهقت صدمتها المفاجئة الغزاة، فآثروا الفرار فيما لاذ بعض منهم بالعربات المدرعة ..

الرماة العراقيون يسددون البنادق نحو قوات العدو من كل جهة وصوب، ليدونوا افتتاحية معركة التحرير، هنا في شارع حيفا، وبتاريخ العاشر من نيسان، وبرصاص الشعب العراقي، سقط أول قتيل أمريكي، ( تيري دبليو همنغواي ) ، وهو مجند أمريكي من فرقة المشاة الثالثة، برتبة رئيس عرفاء حسب البيان الصحفي للبنتاغون رقم ( ٢٣٤ / ٢ ).

وكانت هذه هي الشرارة الأولى للمقاومة في الكرخ، ضد الاحتلال الأمريكي، في أقل من أربع وعشرين ساعة على احتلال العاصمة، يتسع ميدان المعركة فيمتد خط النار طوال الليل من منطقة الشيخ صندل إلى الجعيفر، ومن جامع براثا حتى العطيفية.






الاحد ٢٨ شعبــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة