شبكة ذي قار
عـاجـل










يتفق جميع اللبنانيين باجيالهم المتعاقبة وبمختلف اعمارهم على ان ما جرى في الثالث عشر من نيسان للعام ١٩٧٥كان من اقسى الحروب الداخلية التي شهدها لبنان واشدّها ضراوةً ومأساويةً،
غير انهم يختلفون على تحديد اسباب هذه الحرب ،ومسبباتها ودوافعها ومن كانت تخدم ، ولمصلحة من تم تدمير البلد الذي لم نزل حتى يومنا هذا نداوي في جراحه ولا نجد سبيلاً كافياً لشفائه.

تماماً كما يختلف المؤرخون الذين يكتبون عن لبنان وقد توافقوا على تأريخ مراحل ما قبل العام ١٨٤٥ ولو بشكل نسبي، وعادوا ليختلفوا على كتابة تاريخٍ موًحد بعد ذلك ، ليطّلع اللبنانيون على تاريخهم المشتت وقد توزعت قراءاتهم له الى اكثر من وجهة نظر واجتهاد ومعلومات خاطئة هنا ونصف حقيقية هناك ،وليتوزع شخوص الحكاية كما في تعدد الابطال والخونة عند هذا الطرف وذاك.

انها سوريالية واشكالية التاريخ اللبناني الذي لم يتوصل "جهابذة" الكتًاب والمؤرخين فيه الى اصدار كتابٍ موّحد له حتى اليوم ،ليقرأه ابن المختارة ،على نفس مقاربة ابن جامعة الكسليك ، على سبيل المثال لا الحصر ، وهما التائهان معاً في تفسير ماهية الانتماء وفي اية خانة يمكن تدريس السِيَر وتقديس الرموز ، ولماذا يرى البعض في فخرالدين الثاني مثلاً ، ما لا يراه في الامير بشير الثاني الشهابي ، ومن هو الشهيد ومن هو الخائن لبلده ، وكيف تحدد كل جماعة مواصفات شهيدها وتنزعها عن شهداء الجماعة الاخرى ،وما هي الخيانة !

وقد تحولت الى وجهة نظر في تصنيف العدو الخارجي ،واي رمزٍ من رموز الوطنية وعدم التبعية للخارج ،يُجمِع عليه اللبنانيون اليوم كمثال للتضحية والفداء،وما هي المقاييس والمعايير التي ترسم المساحة التي تفصل بين الانتماء للبلد والتآمر عليه.

انها الاشكالية التي يقع فيها اليوم مؤرخًوا المرحلة المعاصرة من تاريخنا الحديث وهم يتناولون ما جرى في العام ١٩٧٥ وقد مرت حتى الآن ستة واربعون عاماً ، على الحرب الاهلية اللبنانية التي اختلف المؤرخون في تسمياتها كذلك ، فكانت حرب السنتين تارةً ، وحرب الآخرين على لبنان تارةً اخرى ، مثلما تباينت ايضاً وجهات نظر ورؤى القوى السياسية في تفسيرها ،
كلُ حسب توجهاته وانتماءاته العقائدية والسياسية ، غير انهم جميعاً اقروا انها الحرب العبثية الأخطر التي شهدها لبنان ، التي لم يخرج منها غالبُ ومغلوب من كلا طرفي القتال ،
ولكن ،وتلك هي المفارقة، ان ضحاياها تجاوزوا عشرات الآلاف من القتلى والمئات من آلاف المعاقين والجرحى ،ومن تدمرت حياتهم جراء التهجير القسري المناطقي والدمار الشامل الذي لحق قرى ومناطق ومصالح واسواق تجارية بأكملها ، ولم تزل بصمات الحرب السوداء شاهدة على كل ذلك حتى يومنا هذا ، وثمة ابنية وعقارات ما زالت "صامدة " بأشلائها حتى اليوم في منطقة الوسط التجاري ( الداون تاون ) ، بعدما رفض اصحابها الرضوخ لشركة السوليدير وبيعها بابخس الاثمان، لتباع فيما بعد بسبائك الذهب ( مجازاً ) او مايساويها قيمةً بالعملة الصعبة.

ليست الغاية من التطرُق الى هذه المناسبة اليوم ، اللجوء الى نكأ الجراح ولا استخدام ثقافة"الوعظ" وادبيات "ابو ملحم "التي"على اهميتها" لم تردع اللبناني عن قتل شقيقه اللبناني يوماً ،و تهجيره والحاق الاذى به ، وتلك ايامُ سوداء لا نملك حق الرجوع اليها ( ادبياً وانسانياً ) على الاقل ، لولا ان ما يراه اللبنانيون اليوم ان ستة واربعين عاماً لم تكن كافيةً ،على ما يبدو ،لاستخلاص العِبَر مما جرى ، وابناء تلك المرحلة هم الاقدر على "تبصير"المغامرين الجدد بما ينتظرهم من ويلات ومخاطر ، ◦ وهم يراهنون بالبلد على طاولة "قمار" دولية واقليمية ،لن يخرج رابحاً فيها سوى من يخرج قوياً بعد ان يترك للجميع "الفرصة الذهبية" لقتل بعضهم البعض ليعودوا الى دورة زمنية أخرى قد تكون ست واربعون سنةً اخرى مكررةً او ابعد من ذلك، هذا ان بقي لنا بلد.

◦ انها نُدُر الشؤم التي تجثم على حياتنا فتقتل فيها كل نزعة حب ورومانسية نتغنى بها ببلد الارز ومرقد العنزة وجبال الصوان، بعد ان قتلوا الحلم الكبير فينا ،وحتى احلام البسطاء صودرت واندثرت معها آمالهم الصغيرة وتساوت الطبقات الاجتماعية مع بعضها في تقاسم الجوع والالم والقلق على المصير.





الخميس ٣ رمضــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / نيســان / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة