شبكة ذي قار
عـاجـل










بمقابلة صحفية أجراها معه الشاعر العراقي المرحوم بدر شاكر السياب بتاريخ ٩ / ٨ / ١٩٥٨ يقول المرحوم القائد المؤسس (( لقد بدأت حياتي بالأدب ، ومع ذلك فلا أريد القول بأنني أديب ، وكنت أعطي القيمة الأولى للأدب والأدباء في الفترة بين سن ١٥ الى ٢٠ سنة ولكن نوع الأدب الذي كنت أقرأه حتى في صغري ، كان على الأكثر ، أدباً فلسفياً ، فقد قرأت اللزوميات للمعري ، وسقط الزند وأنا في السادسة عشرة من العمر ، وانتقيت لنفسي مختارات من اللزوميات ، كما قرأت المتنبي في تلك السن نفسها ، ولما ذهبت الى باريس للدراسة ، بعد حصولي على البكالوريا ، كان الأدباء الذين أغرقتني كتبهم أدباء مفكرين لذلك كان من الطبيعي الانزلاق من الأدب الى الفلسفة ، وأول فيلسوف تعرفت عليه عن طريق الأدب هو نيتشة وقد شغل مكانا خاصا في مطالعاتي ، كما أعجبت غاية الاعجاب بالقصاص الروسي ديستوفسكي )) تلك كانت بداية ثورة في مفهوم الثقافة والمثقف نقلتها من الطابع النظري المثالي الى المعنى العملي الميداني الشامل وهي ثورة في مفهوم السياسة بنقلها من الطابع الانتهازي الاناني المصلحي المرتبط بالخداع والمناورات الى المعنى الرسالي الأخلاقي الثوري الخلاق ، كان المرحوم القائد المؤسس ورفيقه صلاح الدين البيطار رحمه الله يعملان من اجل انضاج مشروع البعث في طور الحركة الجهادية لأبناء الامة العربية لانهما يدركان منذ البدء أن الحركات التي تنشأ في مجتمع ما ، إما أن تكون سطحية وقتية ، وإما أن تكون جدية اصيلة ، وكلا النوعين لا بد أن يتأثر بظروف المكان والزمان المحيطة به أي الواقع العربي ما بعد معاهدة سايكس بيكو ووعد بالفور المشؤوم ، ولكن نوعية هذا التأثر بظروف الزمان والمكان هي التي تعين نوع الحركة فإذا كان تأثر الحركة منفعلا سلبيا واستنفد كل إمكانياتها وقواها حتى تغرق في ظروفها عدت من الحركات السطحية الآنية العابرة ، وإذا استطاعت الحركة أن تتأثر بالظروف المحيطة بها دون أن تغرق فيها بل تحتفظ بالسيطرة عليها لتوجهها كانت من الحركات الجدية الاصيلة وفي عام ١٩٥٠ كتب المزيد عن شـروط هذه الحركة فقال (( أنني أستطيع تعريفها بأنها الحركة التي تستطيع أن تسيطر على الظروف ، وهذا يعني أن كل ما يجري في بلاد العرب ، وكل ما ينشأ فيها ويظهر ويعمل من أحزاب وتكتلات وقوى سياسية تتصف بالصفة المعاكسة تماما وهي أنها كلها خاضعة للظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والنفسية فالمشكلة بالنسبة للعرب هي أن يتمثل نزوعهم الى الحياة والتخلص من هذه الأوضاع في حركة تستطيع أن تسيطر على الظروف التي فشلت كل الحركات والجهود الأخرى في السيطرة عليها فأصبحت مقوية للفساد ومدعمة له لا لأنها في الأصل فاسدة أو ترغب في الفساد ، بل لأن بعضها لم يعد العدة الكافية لكي يسيطر على الظروف ، وأن تكون من الناحية الفكرية في مستوى القضية التي تحاول حملها ، وهذا يعني أن التفكير الذي تبنى عليه هذه الحركة يجب أن يكون تفكيرا عربي وأن يعالج جميع المشاكل الأساسية التي تتعلق بحياة امة العرب والشعب العربي )) - في سبيل البعث ج ١ ط ٤ بيروت ٧٥ ص ٢٧ - كما اشترط صفة الأخلاقية في هذه الحركة لذلك عبر عن هذه الفكرة بصفة ( الانقلابية ) وقد حدد مفهوم الانقلاب بقوله (( فالانقلاب قبل أن يكون برنامجا سياسيا واجتماعيا ، هو هذه الحركة الدافعة الأولى ، وهذا التيار النفسي القوي ، هذه المغالبة التي لابد منها ، والتي لا يفهم أي بعث للأمة بدونه )) - في سبيل البعث ج ١ ص ٨١ - والانقلاب العربي كما يرى المرحوم القائد المؤسس (( لن يحققه أعضاء البعث وحدهم فهم ليسوا إلا الطليعة التي سترشد الأكثرية من الشعب نفسه ، وهذه الطليعة التي يجب أن تعد عشرات الألوف هي الضامن لتحقيق الانقلاب وقانونها هو أن تنظر الى الحياة نظرة جديدة ، مختصرة قوية أي أن تتحرر من كثير من الأثقال التي يحملها أفراد مجتمعنا المريض ، أثقال التعلق بالمادة والاعتبارات المعنوية الزائفة ، والأنانية والمنفعة الخاصة ، وأن تصبح هذه الطليعة خفيفة في نفسها ، أي أن تكون متحررة من القيود غير عابئة بالمنافع وأســباب اللذة والراحة ، خفيفة أيضا في أسـلوب عملها ، كي تستطيع تحقيق الانقلاب )) - في سبيل البعث ج ١ ص ١٠٢ ط بيروت - هكذا يصمم رحمه الله حركته التاريخية ويضع شروطها ، منطلقا من أن الشعب العربي تتقدمه الطليعة الواعية المؤمنة سيمضي في نضاله التحرري التاريخي لانبعاث الامة المقتدرة على التصدي لكل قوى العدوان الطامعة بالثروات التي تمتلكها الامة سالكا الطريق الذي اختطته الحياة لكل عمل صادق أصيل طريق الانبعاث من الداخل لتتكون النفوس قبل الوسائل والعزائم قبل الأسلحة والتيار الحي الذي يخترق روح الأمة ، ويكشف عن كوامنها ويلامس حريتها في أعمق جذورها

يتبع بالحلقة الرابعة





الاثنين ١١ ذو القعــدة ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / حـزيران / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة