شبكة ذي قار
عـاجـل










الولايات المتحدة انسحبت بعد مفاوضات ، ولكن انسحابها جاء بشكل هزيمة مذلة ارتبطت ذهنياً بطريقة انسحابها من فيتنام.والانسحاب هذا لم يأشر تحقيق الهدف الاستراتيجي الامريكي من حرب افغانستان، ولكن الهدف الإستراتيجي من احتلال العراق لم يكتمل بعد وهو ١ - ان تبتلع اسرائيل نصف العراق حتى حدود نهر الفرات ٢ - وان يتشارك الاحتلالين الأمريكي والإيراني البقية الباقية من عراق يزخر بالنفط والمياه .. والامتداد بين العاصمتين كابل وبغداد، هو الراهن في تحريك السياسات الأمريكية وإعادة الانتشار والتموضع .. وإن تحقيق الهدف الاستراتيجي، كما يقال، الذي امتد من كابل الى بغداد ضرب اكثر من عصفور بحجر واحدة ١ - زعزع الأمن والاستقرار الآسيوي النسبي، وخلخل ميزان القوى فيها، وحطم ميزان تعادل القوى في المنطقة العربية باحتلال العراق وتدميره وتفكيك عناصر قوته ، وحقق بذلك هدفين او اكثر أولهما : أمن الكيان الصهيوني وثانيهما : هيمنة الشركات الامريكية على النفط الزهيد الثمن ( ٨ – ١٨ ) دولار للبرميل الواحد، وتخزين آبار النفط الامريكية الخاوية بنفط العراق الرخيص.

ما الهدف من عودة طالبان ؟ او بالأحرى ما الهدف من الانسحاب الامريكي ؟

يقال : ان امريكا حققت اهدافها بتدمير الخصم المتوحش وأعادته الى الكهوف التي جاء منها ، وإن الأمر، بعد مضي عشرون عاماً لم يعد هناك من مبرر لبقاء القوات الامريكية التي تكبدت اكثر من ( تريليون ) دولار واكثر من ثلاثة الآف قتيل، فضلاً عن اعداد كبيرة من المعاقين.وهناك من يقول ، إن بقاء الوجود العسكري الامريكي في افغانستان بات ( راكداً ) قد شجع على ان تتمادى الصين في بناء مشروعها الاستراتيجي طريق الحرير نحو مناطق النفوذ الغربي والامريكي في افريقيا والشرق الاوسط، فضلاً عن الاختراق الصيني لأوربا عن طريق بناء علاقات ( ثنائية ) يراد لها ان تكون معبراً الى طرف ثالث او اكثر عبر المصالح والشراكات الاستراتيجية ، الأمر الذي استولد ( فراغ قوة ) و ( فراغ سياسة ) اربك افغانستان كما اربك دول شرق اسيا، وهما الاساس المراد منه الإخلال بميزان تعادل القوى فيها.فهل الأنسحاب حجر ضخم ألقي في بركة راكده كي ترغم كل من الصين وروسيا على إعادة ترتيب وتقييم سياساتهما الاقليمية والدولية ؟ فيما تتصدى الولايات المتحدة لموضوعة إكمال مهمة الأمن الإسرائيلي، بالرغم من المناوشات والتصريحات المتعارضة التي تصدر من الكيان الصهيوني وامريكا من جهة، والنباح الايراني المسعور في المنطقة ومنها الخليج العربي والمضائق والبحار كالبحر الأحمر والمتوسط ممثلة بحرب الناقلات السخيفة المكشوفة.

فراغ القوة وفراغ السياسة قد يكون هدف الانسحاب الامريكي من افغانستان، لمعرفة كيف تتصرف القوى الطالبانية بعد عودتها من كهوف جبال ( تورابورا ) الى العاصمة كابل ومدنها وقراها، بعد غياب امتد عشرون عاماً .. ثم ، ما هو مشروعها ومنهجها السياسي في الحكم على المستويات كافة التنموية على وجه التحديد فضلاً عن الرؤية المجتمعية للبناء المتكامل وبناء العلاقات الثنائية ومتعددة الاطراف، وأي المعايير التي ستستخدم لتسود ؟ وكيف سيتأسس النظام الاجتماعي والاقتصادي الافغاني، في مناخ الثقافة الاقصائية والتطرف فضلاً عن متلازمة العلاقة بين الحكومة والشعب، والشعب والدولة ؟ فالمؤشرات المؤكدة هي إن طالبان آيديولوجية تتناقض مع آيديولوجيات اخرى الروسية والصينية والفارسية على سبيل الحصر.

الإنسحاب من افغانستان .. الأسباب والمبررات :
ما هي اسباب الانسحاب الامريكي من افغانستان؟ بمعنى ، ما هي مقولات الادارات الامريكية في هذا الشأن على لسان صانع قراراتها وسياسييوها وقادتها العسكريون ؟

- إن الاحتلال الامريكي قد حقق اهدافه بعد عشرين عاماً – ولكن لم تقل امريكا ١ - ان الاحتلال كان مكلفاً خسرت فيه امريكا ما يقرب من تريليون دولار وقدمت اكثر من ثلاثة الآف قتيل وستة الاف جريح ومعاق.٢ - لم تقل امريكا ان ادعاءاتها او فلسفتها كانت خاطئة بأن تقيم حكماً ( مركزياً ) في افغانستان والمجتمع الافغاني بطبيعته يتشكل في ( لآمركزية ) يحكمها امراء قبائل وعشائر.٣ - لم تقل امريكا ان تغيير المجتمع القبيلي والعشائري الافغاني يصعب هضم ( الديمقراطية ) التي جلبها المحتل الامريكي طيلة عشرين عاماً.٤ - لم تقل امريكا ان نوعية الرد على الاحتلال جاءت قوية وموحدة من كل القوى الافغانية وقدرتها على التكييف في اقسى المناخات الصارمة والقدرة على التحمل.٥ - لم تقل امريكا إن احتلالها لأفغانستان جاء بسبب الانتقام، وإن حالة الانتقام لا تستولد غير حالة الانتقام والثأر المقابل.

- هل تشاورت امريكا مع حلفائها في المنطقة عسكريا وسياسيا وامنيا قبل الانسحاب وهل فكرت بأن ( عودة ) طالبان الى الحكم سيعيد انتاج الارهاب فيها وفي المنطقة بأسرها.
- وإذا كانت امريكا قد حددت هدفها العسكري من احتلال افغانستان والعراق، فهل انها حددت الأطر السياسية التي تستطيع من خلالها احلال الأمن في سلطة مدنية قادرة على إدارة شؤون الدولة وبنائها في بيئة سياسية مدروسة دراسة معمقة دون اي ارتياب من نتائج دولة فاشله؟ ولكن الأمر جاء منذ بدايات الاحتلال على العكس ، كان حكم الدولة في كابل حكماً مجرداً ومراوغاً وفاسداً وفاشلا في الربط السياسي بين شركائه حيث انتج مستنقعاً آسناً من الفساد والتفسخ والفوضى .. ولم تعترف امريكا بأن تفكيرها الساذج والغبي يقوم على ( تحويل افغانستان والعراق الى دولتين ذات مؤسسات ديمقراطية وحكومتان ذات ركائز حكم خلافاً للواقع ) .. إن افغانستان ليست دولة ( مركزية ) بطبيعتها كما هو العراق ليس دولة ( لآمركزية ) بطبيعته، كما ان افغانستان ليست حديثة كما هو العراق في ظل الحكم الوطني.

- لم تتعض امريكا من الاحتلال البريطاني والروسي الذي اسفر عن هزيمة الجيش البريطاني والروسي التي تؤكدها حقائق التاريخ.

- إن بناء الدولة الافغانية بناءًا ديمقراطياً يتطلب وجود حكومة تمثيلية متجانسة مع الواقع الاجتماعي وقادرة على ان تصل الى تكريس مبدأ المواطنة والمسؤولية الوطنية وليس الولآءات الثانوية القبلية والعشائرية والعنصرية والدينية، وخلاف ذلك يعني فشل الحكومة في ان تكون حكومة تمثيلية حقيقية .. ومن هنا يظهر الفشل الامريكي في حكم افغانستان حيث الفجوة كبيرة بين الحكومة المنصبة من قبل الاحتلال، كما هو الحال في العراق، وبين الشعب الافغاني من جهة والفارق الكبير بين كيان الدولة وادارتها من قبل الحكومة، الأمر الذي كرس انعدام الشعور بمسؤولية المواطنة والاكتفاء بحماية الإمارة التي يديرها امراء القبائل المتعاطفون مع القوى التي تتصدى للوجود العسكري الامريكي وفي مقدمتها طالبان.

فهل فكرت امريكا بالواقع الافغاني قبل المجازفة باحتلال افغانستان؟ وهل فكرت امريكا بالواقع العراقي قبل ان تقدم على احتلال العراق وتنصيب حثالات المدن الغربية من العراقيين والفرس من عملائها وجواسيسها المزدوجون ؟

إن تشكيل حكومة احتلال في افغانستان يتعارض مع واقع الجغرافيا - السياسية لأفغانستان من حيث الطبيعة القبلية والعرقية كما اسلفنا فضلاً عن مؤثرات الثقافة التي ترفض الاحتلال، وهي بنية اقطاعية محكمة وقاسية.

كما ان فكرة ( احتواء ) طالبان قبل الحرب وبعدها فكرة سقيمة وقاصرة فضلاً عن فكرة تدميرها طيلة عقدين من الزمان انتهت بهزيمة امريكا وسقوط افكارها ونظرياتها ، والنتيجة هي انها اصبحت اكثر قوة وقدرة عما كانت عليه .. لذلك ، فأن التفكير السياسي الامريكي المسبق للاحتلال او استخدام القوة هو تفكير قاصر وعقيم يفترق تماماً عن واقع الاحتلال في افغانستان وفي العراق ايضا، الأمر الذي تنعكس آثار هذه الافكار السياسية الفاشلة على نتائج اداء دولة فاشلة مثل افغانستان والعراق وقبلها الصومال وغيرها.

واخيراً يمكن ان نتسائل ، كيف يمكن ان تكون امريكا وهي دولة عظمى وأحد اركان النظام الدولي او انها ( تقوده ) وهي تعمل على اساس رد الفعل الانتقامي غير المدروس الذي ينتج عنه محصلات وخيمة على الشعب الافغاني والشعب العراقي وحتى على المجتمع الأمريكي ذاته .. أية ادارات امريكية غبية تخاطر بمصير البشرية .. ؟





الاربعاء ٢٤ محرم ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / أيلول / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة