شبكة ذي قار
عـاجـل










يطلُ يوم السابع عشر من شهر تشرين الثاني للعام ٢٠٢١، وقد مرّت اربعون عاماً على استشهاد رفيقنا وقائدنا المحامي تحسين الاطرش ،
فلا اجد ما اكتب عنه ،وقد كتبت الكثير في المناسبات السابقة ،
سوى الاضاءة على واحدة من اهم مزايا هذا البعثي الكبير الذي ما كان يوماً سوى الأنموذج الحي المترفع عن "الأنا والذات" ،
في الوقت الذي تجد الحركة العربية الثورية نفسها اليوم في قمة "الابتلاء" بجماعة "الأنا والذات"،
الذين يفاجأونك كل يوم بافتعال ازمات داخلية ،
بما تعني لهم المصالح الشخصانية والأنا المغرورة من اولويات ،
فتجعلك تعجب من كل ما قرأت لهم وسمعت عنهم فيما مضى ،
وقد تلبّسوا لبوس المنّظرين لسنين وسنين ،
ربّما خدعوا فيها بعض الناس لفترة من الزمن ،ثم جاءت الاحداث المتلاحقة لتعرّيتهم امام حاضنتهم اولاً وشعبهم وامتهم ثانياً.
اكتب اليوم عن ابي علي تحسين الاطرش في زمن غياب الرافعة القومية الجاذبة والمرتكز الوطني الذي يجمع ولا يفرّق،
بعد ان خُيّل لبعض"طالبي الولاية "، ان فرصتهم قد اذنت وان الامة من الضعف ما يسمح لهم بإملاء الفراغ ،
وان العرب تناست مقولة ان"طالب الولاية لا يولَّى " ،
وتراهم اليوم يملأون العالم الافتراضي ضجيجاً وصراخاً ورمياً للمحرمات والتخوين من العبارات الثقيلة على اقرب الناس اليهم ،
وكأن العدو الحقيقي للامة قد تمثل برفاق دربهم وعقيدتهم فلم تعد دماء البعثيين تجري في عروقهم وهم يهرقونها اليوم ،
وعن سابق تصوّر وتصميم ،
على اسفلت مصالحهم وطموحاتهم الشخصية غير المشروعة.
اكتب عن تحسين الاطرش ، الانسان المثقف الذي جعلني اعشق الانتماء للقضية العربية وطليعتها ،
يوم حضرت لديه اولى حلقات الاصدقاء وعرفت كم ان الثقافة له اهم من المواقع والمناصب ، وكم كانت المواقع هي التي تطلبه ولا يطلبها،
وكيف حاول اعفاءه من موقع القيادة القطرية في منتصف السبعينات من القرن الماضي فلم يستطع ،
امام إصرار القيادة القومية التي كانت له المرجعية الشرعية للحزب وصمام الامان في الملمات واحترام النظام الداخلي الذي :
"على كل من يستحق شرف العضوية ان يقسم على الالتزام به والتقيد بمبادئه".
اكتب عن تحسين الاطرش اليوم لاعود بالذكرى الى ما قبل استشهاده بما يقارب العامين ، اي في اواخر الايام من العام ١٩٧٩، يوم عاد الحزب الى حياته الطبيعية بعد تهجير قسري وملاحقات تعرّض لها بعد دخول قوات الردع العربية الى لبنان خريف العام ١٩٧٦، وقد بدأ حينها بورشة تنظيمية جديدة استهلها
باجراء الانتخابات الداخلية في الفرق والشعب والفروع ،
والتي تأخر استحقاقها بضع سنوات بسبب حرب السنتين ٧٥ / ٧٦،
وفي تلك الدورة الحزبية كان لي شرف الترشح والنجاح في احدى تشكيلات المنظمة في طرابلس مع بداية تحملي للمسؤوليات ،
حيث كان الشهيد ابوعلي احد اعضاء المؤتمر والهيئة الناخبة ،
وقد كان قبل هذا الاستحقاق يُبدي عتباً قوياً وقاسياً عليّ الى حدٍ ما ،
امام ا حد الرفاق ،سببه ما تعرضنا له اثناء التهجير والضغوطات النفسية التي عشناها معاً ،
فدفعت الواحد فينا ، الى ارتكاب الغلط بحق الآخر ، وهذا ما حصل معي بالذات مع الرفيق تحسين ، وتوهمت انه سوف "يصفي " حسابه معي في هذا المؤتمر، تحريضاً واسقاطاً، ولكم كانت المفاجأة ان احصل حينها ، وانا حديث السن والتجربة ،
على اصوات الهيئة الناخبة مكتملةً ، بما فيها صوته ،
الامر الذي دفع الرفيق المشترك الذي سمع عتابه القاسي بحقي يوماً ، ليسأله،
وقد اجابه على الفور :
"انا لا اخلط الامور الخاصة بمصلحة الحزب ،
ومن يستحق او ،لا يستحق من الرفاق في مواقع القيادة ،
ولو كان الرفيق غير جدير بالمسؤولية لما انتخبته".
لقد تحاشيت ان اكتب عن هذه السالفة "الخاصة جداً"
طوال تلك السنين ، واجدني اليوم مضطراً على ذكرها ، والحزب يشهد ما يشهده من تحديات بعد الزلزال الكبير الذي حصل للامة قي عراقها العربي الموحد ، وفقدان المركز القومي والوطني الجامع لكل احرار الامة ومناضليها ، وبعد ان كثر طالبوا الولاية لملئ الفراغ متجاوزين الاصول والاولويات والمصلحة العامة ،
بتغليب كل ما تفرضه عليهم مصالحهم الخاصة والأنا والذات الشخصية لديهم ،
متناسين انهم اقسموا يوماً على النظام الداخلي وان المرحلة الحالية هي مرحلة نكران الذات قبل اي شئ آخر ،
فلم يرعووا او يخجلوا من كم الحسابات الافتراضية التي ينشؤونها على مواقع التواصل الاجتماعي وباسماء افتراضية ايضاً ،
وكأن الخجل ما زال يمنعهم من التعريف بشخوصهم الحقيقية فيرمون بامراضهم وعيوبهم على الآخرين ،متحاشين الصاقها بانفسهم ،
وهم المعروفون للجميع ولمن يقرأهم ويطّلع على "حساباتهم " يوماً بيوم ،
وللعلم وحسب ، انهم قلّة قليلة لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة بالرغم من عديد حساباتهم المصابة بالورم والانتفاخ ،
ما يجعلنا نشك بحقيقة وجود ما كانوا يسمّونه "الفيالق الاعلامية " ويحدثًُوننا عنها ، ولمحاربة من اُنشِأَت ، واي دورٍ تخريبي كان ينتظرها.
من هنا لا بد من توجيه التحية للشرعية القومية التى تقرأ وتسمع وترفض الرد في الوقت الذي تتمنى على الآخرين ان لا يردوا ،ليكشفوا المستور ووضع النقاط على الحروف ،
وديدنها ان :
"عامل الناس باخلاقك لا باخلاقهم "،
في زمن كم صرنا نحنُّ فيه الى قيادات بمستوى الشهيد تحسين الاطرش الذي ما فكّر يوماً ب" الأنا والذات " وكان مثالاً للمناضل المثقف الذي سخًر قلمه لمِنعة الحزب واستمراره، وآثر العيش حيث يكمن الخطر ومن قلب الميدان ،ليكون قدوةً لرفاقه ، لا ان ينظّر عليهم من بعيد ويطلق مواعظ الصمود على طريقة "من يديه بالماء غير الذي يديه بالنار "
وتلك لعمري واحدة من عوامل الانفصام الذاتي التي يعيشها من اياديهم بالماء وخارج ساحات الخطر ،
فيعوّضون عنها بالمزايدات على من يعيشون في حمأة التحديات واللهب وانتظار الشهادة بين كل ثانية وحين ، اولئك هم المناضلون الذين يستحقون كل تحية تقدير واحترام وهم يعبّدون مسيرتهم بالدماء ،
لا باحبار الحقد والتحريض والتضليل التي يمارسها من يلهثون اليوم وراء المواقع والمناصب التي باتت ترفضهم وقد خلعوا اقنعتهم ،
وباتوا على ما هم عليه اليوم من ضلالة
وبؤس،
فقطعوا حبل السرّة مع رفاقهم وماضيهم و حاضرهم ،
وحكموا على انفسهم ،
ان عودتهم الى حاضناتهم الحزبية والقومية صارت من سابع المستحيلات.





السبت ٨ ربيع الثاني ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / تشرين الثاني / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة