شبكة ذي قار
عـاجـل










إن النفط هو المحرك الأساس للسياسة الدولية ونتعرف على ذلك من الأقوال الآتية :

* يقول جورج كليمنصو رئيس الحكومة الفرنسية في الحرب العالمية الأولى عن هذه الأهمية ( إن كل نقطة من البترول تعادل في أهميتها قطرة من الدم البشري ).

* وقد أعلن ونستون تشرشل السياسة الاستعمارية لبلاده في مجال البترول في عام ١٩١٤ عندما قال ( إن سياستنا بعيدة المدى هي أن تصبح وزارة البحرية المالك والمنتج المستقلين لحاجتها من الوقود السائل عن طريق توفير احتياطي يجعلنا آمنين وقت الحرب ويقينا تذبذب الأسعار وقت السلم ويوفر لنا القدرة على المتاجرة عندما يعرض في الأسواق.
ويقول أيضاً إن علينا أن نكون المالكين أو المسيطرين على كل مصادر تجهيز البترول الطبيعي أو على أقل تقدير نسبة منها ).

وليس هناك أبلغ أو أوضح مما قاله أنطوان أيدن في مذكراته عندما قال لخروتشوف ( أعتقد أنه يجب أن أكون صريحاً إلى حد الفضاضة فيما يتعلق بالبترول، لأننا سنقاتل من أجله ونحن لا نستطيع أن نعيش بدون البترول ولن نسمح لأحد أن يميتنا خنقاً ).

ومن هنا، كانت معظم مصادر البترول بيد الاستعمار الأمريكي _ الإنجلو_فرنسي، ولذلك أصبح الحفاظ على ما حصلت عليه الشركات من امتيازات ليست وليدة الصدفة أو الاستثمار، بل هي مصالح متفق عليها وإن كان هذا الاتفاق بدون عهود.

ولذلك فإن الاستعمار تحول من صيغه القديمة إلى صيغ أخرى أي استعمار بترولي، وهو ما يتعزز إذا علمنا أن أكثر من نصف إيرادات بريطانيا من الخارج تأتي من البترول، وأن ثلث الرأسمال الأمريكي الموظف في الخارج موظف باستثمارات البترول.

فمثلاً، قيمة النفط العربي يومياً تعادل مليار وثلاثمائة مليون دولار كأدنى تقدير، فكم حصص شركات النفط الاحتكارية؟ الأكيد أنها مئات الملايين من الدولارات يومياً.

وهذا يوضح مدى خطورة وجود البترول كسلعة سياسية، والذي أدى إلى تكالب الدول الاستعمارية واندفاعها في سياساتها لضمان بقائها في مواقعها السابقة والجديدة.

*الاستراتيجية العريضة للشركات الاحتكارية النفطية.

لقد عمدت الشركات الاحتكارية ومن ورائها الدول الاستعمارية على الآتي :

١ - جعل البلدان المصدرة للنفط ذات اقتصاد متخلف يعتمد اعتماداً مباشراً على البترول لكي يبقى في حاجة لموارده النفطية طوال حياته مع تحكم هذه البلدان بصورة مباشرة أو غير مباشرة في السياسة الداخلية لهذه البلدان، مع خلق المشاكل الداخلية عبر حروب أهلية متعددة الجوانب وللتدليل على ذلك، يكفي إلقاء نظرة على مناطق الإنتاج على الخارطة وذات الفائض فيه، لنجد أنها الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وشمال إفريقيا وإندونيسيا، وكلها تعيش أزمات سياسية بسبب ذلك.

٢ - تعريض الاقتصاد الوطني للدول المنتجة للنفط إلى ضغوط من الصعب الإفلات منها لمؤثراتها بسبب الامتيازات الطويلة لعمر الامتيازات وللأرباح الفاحشة التي تحصل عليها رؤوس الأموال الموظفة مما جعلها تعمد إلى إقامة اقتصاد رأسمالي ضمن هذه الاحتكارات الدولية عن طريق الشركات الخدمية لشركات النفط والتي تتلاعب بالكثير من القيم وتعمل على رفع تكاليف الإنتاج بالإضافة إلى نشر الفساد وزرع قوى داخل هذه البلدان ذات تأثير على سياسات البلد المنتج نفسه.

٣ - غرس الاستعمار في أذهان الشعوب النامية وبعض مثقفيها ذوي الثقافة السطحية أن النفط ذو أهمية قليلة في المستقبل لأنه عرضة للنضوب والاضمحلال كمصدر للطاقة وأن هناك مصادر أخرى بديلة مثل المصادر العضوية المستخرجة من الذرة كمثال عن طريق وسائله الإعلامية المختلفة، وذلك لبقاء البلدان المصدرة للنفط ضعيفة أمام الشركات وجعلها تعيش حاله قلق دائم من أفول زمن النفط وبالتالي يقل دخول هذه البلدان في استثمار نفطها والمطالبة بحقوقها وبثرواتها المسلوبة.

٤ - عمدت هذه الشركات على نشر الأرقام الخاطئة في تقدير الاحتياطي النفطي الموجود في البلدان المنتجة ككل أو الموجود في كل بلد منتج أو بلد مستكشف حتى تتحكم في وضع السياسات الوطنية للإنتاج ولمنعها من وضع خطط اقتصادية وطنية قائمة على الحقائق والأدلة، وتثار الشكوك حول هذه التقديرات باستمرار كل عام، بينما التقديرات الحقيقية التي تطرح من اقتصاديين وخبراء محايدين تؤكد أن احتياطات الوطن العربي من النفط تستطيع الاستمرار لأكثر من ٧٠ عاماً أو يزيد.

لقد اعتمدت سياسة الاحتكارات أسلوباً جديداً لمواجهة إصرار الشعوب ونضالها من أجل انتزاع ثرواتها المسلوبة، ومن أهم ملامح هذه السياسة :

١ ) تنويع مصادر الإنتاج :
عندما أدركت هذه الشركات ضعف موقفها تجاه الحكومات المتحررة، وتحت وطأة نضال الشعوب الحازم، وأحست بتهديد مصالحها لجأت لهذا الأسلوب وعملت على مضاعفة نشاط الشركات التي تمثل الكارتل العالمي في كل من بحر الشمال ونيجيريا وأمريكا اللاتينية وإندونيسيا واستخراج النفط الثقيل من الفحم الحجري.

٢ ) الأسواق المشتركة :
لقد عمدت الدول الأوروبية إلى التنسيق المشترك لدول السوق الأوروبية لتخفيف وطأة الأزمات كما حدث عند إغلاق قناة السويس وذلك بخزن بترول موحد ومد أنابيب لنقل النفط عبر أوروبا كما نصت اتفاقية روما بضمان توزيع البترول بين الدول الأعضاء.

٣ ) الامتيازات بواجهات جديدة :
شهدت سنوات ما بعد حرب ١٩٧٣ وعقد الثمانينات بصفة خاصة اتفاقيات عقدت مع الكثير من الحكومات في الشرق الأوسط وإفريقيا، اتخذت أسماء مختلفة منها عقود امتيازات ومقاولة وعقود مشاركة، وإن كانت هذه العقود أحسن بكثير من الامتيازات التي حصلت عليها الشركات بعد الحربين الأولى والثانية.وهي استراتيجية جديدة تهدف إلى السيطرة على احتياطي البلدان المنتجة عن طريق مساهمين للشركات الأم وباسم عقود جديدة فيها بعض التنازلات.

٤ ) عملت الشركات الاحتكارية على زيادة الإنتاج بنسب كبيرة في البلدان غير المتحررة كما حصل في رفع هذه النسب في كل من السعودية وإيران وليبيا بينما نلاحظ أن نسبة الزيادة في العراق طفيفة.
٥ ) لجأت هذه الشركات إلى سياسة تعتمد على تحقيق أعلى الأرباح دون الالتفاف إلى الجوانب الفنية الأخرى التي تضمن ديمومة الإنتاج واستمراريته بنفس التدفقات مثل صيانة الحقول وتجديدها بغرض تركها مخربة ذات فائدة اقتصادية قليلة عند انتهاء فترة الامتياز.
٦ ) العمل على محاربة الشركات الوطنية للبترول في البلدان المتحررة من هذه الشركات الاحتكارية وذلك بسد الأبواب عليها في تسويق إنتاجها بمحاولة إبرام عقود طويلة مع بعض الدول بتزويدها بالنفط.

وفي المقابل، ولضمان حقوقها، لجأت الحكومة المتحررة لعدد من الخطوات لمقاومة سياسات الشركات الاحتكارية للنفط فاتخذت الآتي :
١ - تحويل الامتيازات إلى عقود مقاولة، أي أن الدولة المنتجة تصبح مالكة لثرواتها داخل أراضيها وخارجها، وما على الشركات العاملة إلا أن تكون مستأجرة لحقول النفط تأخذ أرباحاً يتفق عليها لقاء خدماتها.
٢ - الحصول على جميع الحقول المعلقة مع الشركات كالزيادة في الإنتاج وتعديل الأرباح وحساب التكاليف وغير ذلك.
٣ - مساهمة الحكومات للشركات صاحبة الامتياز في رأس المال.
٤ - الاستثمار المباشر للنفط في المناطق التي انتهت فيها عقود الامتياز أو تقع خارج عقود الامتياز.
٥ - تحويل الامتيازات إلى عقود مقاولة أو عقود استئجار.
٦ - التأميم لحصص شركات النفط الاحتكارية كما فعل العراق والجزائر وليبيا.





الثلاثاء ٣ جمادي الاولى ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / كانون الاول / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المهندس عبده سيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة