شبكة ذي قار
عـاجـل










تمرُّ علينا في هذه الأيَّام الذكرى السنويَّة الأولى بعد المئة لتأسيس الجيش العراقي الباسل، هذه المناسبة المعطَّرة بعبق المجد والبطولات والمآثر الوطنية والقومية.وقد حظى جيشنا العراقي البطل بمكانة واحترام وتوقير عالٍ من قبل شعبنا العراقي الأبيّ والعربي الأصيل وشعوب المنطقة والعالم، لما يتميَّز به من تاريخ عريق ، ودورٍ وطنيّ مخلص، وعربيّ فذّ، فهو لم يكن جيشاً للحرب والدفاع وحسب، بل كان هو البوتقة التي امتزجت وانسجمت فيه ومن خلاله كلّ مكوّنات الشعب العراقي، من عرب وكرد وتركمان وباقي النسيج الاجتماعي والوطني العراقي، فتحقَّق من خلاله وبه ذلك الاندماج والتآلف الاجتماعي، ووحدة اللحمة الوطنية.انَّ اعتزاز العراقيين وأبناء أمتنا العربية بجيشهم الباسل انَّما يرجع بالأساس الى ثقتهم بهذا الجيش المقدام، والذي يضمّ تحت لوائه أبناء العراق الشجعان الذين حقّقوا لوطنهم وأمتهم العربية المجد والفخر.

عندما تأسَّس الجيش العراقي قبل أكثر من مئة عام، عند بداية تأسيس الدولة الوطنية الحديثة، كان منذ البدايات هو الأساس الذي بُنيت عليه اللبنات الأولى لتأسيس الدولة، فحدَّدت مستقبل العراق وشعبه الماجد.وكان ومنذ أوَّل أيامه مبني على النظام والضبط والانضباط، والحرفية التامة، والوطنية الراسخة المستندة على تمثيل كلّ أبناء العراق تمثيلاً صادقاً، دون تمييز بين مواطن وآخر، بعيداً كل البعد عن الطائفية والاثنية، منتمياً انتماءً خالصاً للعراق وشعبه ولأمته العربية، ويتمتع افراده بولاء مطلق للوطن وترابه الطهور.

السِّفر الخالد لجيشنا الباسل عبر التَّاريخ
ان المكانة التي تمتع بها الجيش العراقي الباسل قبل الاحتلال الامريكي الغاشم في ٢٠٠٣ لم تأت من فراغ وانما استندت الى ماضي عريق حافل بالتضحيات والانتصارات.فمما لا شكَّ فيه ان جيشنا الباسل هو من أعرق المؤسسات والقوات العسكرية على مرّ التاريخ، فلا يخفى على أحد قوة وهيبة ودور الجيش العراقي منذ آلاف السنين، منذ عهود الدول والممالك السومرية والآشورية والبابلية، فذلك الجيش العظيم هو باني أقدم دولة في التاريخ الانساني على وجه الاطلاق، وبالتالي فهو من أقدم الجيوش النظامية في العالم، بل هو أولها في التأسيس والنشأة، حيث يرجع تاريخ تأسيسه الى أكثر من ستة آلاف عام، فقد أنشأ العراقيون من أكديين وسومريين وآشوريين وبابليين دولهم وممالكهم أنذاك، وأقاموا حضاراتهم الزاهرة بفضل جيوشهم التي حافظت على هذه الدول والممالك من الطامعين والحاقدين خصوصاً الفرس والروم، والتي كانت تمتد في أقاليم شاسعة من أرض فارس في الشرق الى البحر المتوسط في الغرب، وجنوب تركيا في الشمال وحتى البحر العربي وحدود عُمان في الجنوب ..

ولقد كان لنظام التجنيد الاجباري تأثيره وأثره المحوري والحاسم في بناء الدولة العراقية، وفي تعزيز أواصر الوحدة الوطنية بين العراقيين، فمنذ تأسيس الممالك العراقية القديمة، وخاصة في العهدين الآشوري والبابلي، كان هذا النظام مطبَّقاً بكل صرامة وانضباط، وعلى كل الأقاليم التابعة للدولة أنذاك، وهذا هو سرّ تآلف العراقيين منذ أزمان بعيدة، وانسجامهم على تعدد نحلهم وأعراقهم ومشاربهم وهو ما ترك اثاره الواضحة حتى يومنا هذا ومكن الشعب العراقي الأبي من الدفاع عن لحمته الوطنية رغم ما يتعرض له من حملات خبيثة هائلة لتشتيته وتفريق جمعه وتآلفه.

وقد انتبه المحتل الأمريكي منذ زمن ليس بالقليل لهذه الخاصية الفريدة التي يتميَّز بها الشعب العراقي الأبيّ، لذا وكجزء اساسي من اهداف الاحتلال الامريكي في اضعاف الدولة العراقية وبُناها التحتية، فقد تم حلّ الجيش العراقي الوطني بقصد شرِّير مبيَّت، واستبداله بجيش من عصابات ميليشياوية تتبع جارة السوء ايران الفارسية.

ومن خلال تاريخ الجيش العراقي التليد، فإنَّ الصهاينة والفرس احتفظوا بكم هائل من الكراهية والحقد الأسود على هذا الجيش العظيم، وهذا بالتأكيد له منحى عنصري خبيث، فهم يتحيَّنون الفرص كيما يثأروا لأسلافهم، وينتقموا من جيشنا العراقي وشعبه الباسل.فالجيش البابلي هو الذي انتزع بني صهيون من وكرهم الخبيث في القدس قبل أكثر من ألفين وخمسمائة سنة في السبي الأول وأعقبه السبي الثاني، واستقدمهم الى عاصمة مملكة بابل الكبرى في العام ٥٩٧ قبل الميلاد.

فرسان البطولات والمآثر الوطنية
ان الجيش العراقي الباسل ومنذ تأسيس الدولة الحديثة عام ١٩٢١ وحتى ٢٠٠٣، هو موكب طويل ومستمر من الأبطال الغرّ الميامين، الذين عانقوا بهامات شامخة قمم المجد والبطولة، وسطَّروا في تاريخهم الناصع مآثر في البطولة والتضحية والفداء، فلم يبالوا يوماً بالردى، ولم ينظروا بعين الخوف لأيَّة مهمة وطنية أو قومية يُكلَّفون بها، وكانوا يحملون العراق والأمة في حنايا الرُّوح.وقد تَميَّز جيشنا المقدام بوعيه وادراكه الوطني العاليَّين، وكان دائماً في جهوزية تامة لتنفيذ أي واجب يتطلبه الدفاع عن العراق العظيم وشعبه الأبي وأمته العربية المجيدة.
لقد كان من مهام جيشنا الباسل الأساسية هو الحفاظ على كينونة و مسار الدولة الوطنية العام، وفي تحقيق مدنيتها من خلال التصدي لكافة التهديدات التي كانت تحيط بالعراق، كونه هو سيف الوطن الضارب، ودرعه الواقي.يضاف الى كلّ ما سبق ذكره، فقد اكتسب الجيش العراقي البطل على مدار تاريخه الممتد، قدرات وخبرات كبيرة، وحرفية عالية.


انَّ أبناء جيشنا البواسل من قادة وضباط ومراتب وجنود، يجتمع فيهم وفي وجدانهم الانتماء والولاء للعراق وشعبه، وللأمة العربية ، وهم يتميَّزون بقوة البأس، ورباطة الجأش، وبالجَلَد والصبر والاحتمال، والثبات والشجاعة، ومشهود لهم بسالتهم وقوة روحهم العسكرية، والثقة بالنفس في احلك الظروف.وما كان يشغلهم دوما ويشكّل اولياتهم هو حماية الوطن من أرباب الشرّ وكيدهم وعدوانهم، والدفاع عن تطلعات الشعب العراقي والوقوف معه ضد اي ظلم يتعرض له من الداخل او الخارج و ضد كل ما يهدد وحدته وتحرره وسيادته.لذا فان الشعب العراقي الصابر الأبي يتطلع اليوم الى الجيش وابنائه من الوطنيين الأحرار للنهوض من جديد بعد كبوته التي تسبَّب بها المحتل وأعوانه، فميراث الجيش التاريخي وخزينه من الأمجاد والمآثر تحرِّكانه وتدفع به للانتفاض مجدداً للقيام بواجبه في حماية الشعب، وتخليصه من الاحتلال الفارسي ومن العملاء والخونة الذين سلَّطهم المحتل الأمريكي، ليعيد لشعبه حريته واستقلاله الحقيقي ..

الجيش العراقي وثورة ١٧تموز المجيدة
شهد الجيش العراقي المقدام طفرة نوعية في كافة المجالات بعد ثورة ١٧تموز الظافرة، فتجسيداً لعقيدة البعث القومية وايماناً بوحدة الأمة العربية ، وضعت قيادة الثورة استراتيجيات عظيمة لتأهيل الجيش العراقي ليكون جيشاً مدافعاً عن الأمة العربية كلها وليس عن العراق وحسب.لذا فقد قامت الثورة ومنذ انطلاقها عام ١٩٦٨باحداث التوسع الكبير في كافة تشكيلاته البرية والجوية والبحرية ، و تسليحها وامتلاكها لأحدث المعدات والاسلحة والتقنيات العسكرية.كما تم ادخال صنوف جديدة لمواكبة التطورات العالمية في القوات المسلحة، فامتلك الجيش اسلحة متنوعة رادعة، وتقنيات حديثة كما شهد التصنيع العسكري نهوضاً سريعاً من خلال انشاء المصانع الحربية الخاصة ولمختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ومنها المدفعية والصواريخ بعيدة المدى، وطائرات الانذار المبكر.

وأهم ما تحقَّق من مُنجزات لقواتنا المسلحة في ظل ثورة ١٧تموز المجيدة، هو بناء جيش عقائدي مؤمن بأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي النبيلة،

وبرسالة الأمة الخالدة.وقد أولت القيادة الحكيمة للثورة جلّ اهتمامها في تعميق وتعزيز الجانب المعنوي والنفسي لأبناء القوات المسلحة، وتحقَّق لجيشنا الباسل في ظل الثورة تطوراً عميقاً في الفكر العسكري لكل أفراده من ضباط ومقاتلين، من خلال الدورات التدريبية المعمقة في الداخل والخارج، فاصبح يتميَّز بجهوزية وامكانية عاليتَين في نقل واستيعاب التكنولوجيا العسكرية الحديثة في كافة صنوف الجيش وتشكيلاته العسكرية حتى أصبح الجيش العراقي في مصاف جيوش العالم المتقدمة، من حيث العدد والعدة والتسليح والحرفية والمعنويات والامكانات القتالية.

عيد الإباء والشموخ والكرامة
يمثِّل يوم تأسيس الجيش العراقي العظيم، عيداً للإباء والشموخ والكرامة، عيد الوفاء للعراق والأمة العربية، وفي ذكرى هذا اليوم الأغرّ، نقف اكباراً واجلالاً لأبناء جيشنا الباسل، الذي ثار دفاعاً عن استقلال العراق ضد النفوذ الاجنبي فيه خلال حقب مختلفة من القرن الماضي، ووحّد العراق من زاخو الى البصرة.جيش القادسية، ومعارك العرب القومية الكبرى.ونحيِّي جند الحقّ الميامين، من أسود البر وصقور الجو ورجال البحرية الشجعان، ونبارك لهم عيدهم المجيد هذا.فهم الليوث الذين اجتاحوا العصابات الصهيونية في فلسطين فحرروا جنين عام ١٩٤٨، وهم الذين حموا دمشق العروبة من السقوط المحقق عام ١٩٧٣، وهم الذين سكنوا الخنادق على الحدود الشرقية للوطن، وعشقوا رائحة البارود ودخان المدافع، وقد حلَّقوا في أجواء العدو الايراني المعتدي ليقتنصوا فرائسهم من آلياته وأسلحته ومعداته وأفراده، ومَخروا بين أمواج البحر الهائجة ليصيدوا بشباكهم زوارقه الهائمة.

فحيَّا الله رجال القادسية الشجعان، الذين مَرَّغوا أنوف أحفاد كسرى بالوحل، وأذاقوهم السُّم الزُعاف، وهزموهم شرّ هزيمة منكرة.فهم عِزّنا وشموخنا الذين خاضوا معارك الشرف والكرامة في أكثر من جبهة من جبهات القتال، بكل اقتدار وكبرياء وشموخ فسطَّروا أسفاراً من المجد والبطولات الوطنية والقومية، وكان تاجها معركة العِزَ والشرف، قادسية العرب الثانية التي قادها

الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله، ومعارك المقاومة الوطنية الباسلة التي هزمت المحتل الامريكي واجبرته على الهروب والتي قادها الرفيق الامين العام شهيد الصبر والمطاولة عزة ابراهيم رحمه الله.اضافة الى معارك العرب الكبرى مع العدو الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين والأراضي العربية الأخرى.

اليوم نقف وقفة إجلال وامتنان واعتزاز بجيشنا العراقي الباسل، الذي بذل في سبيلنا نحن العراقيون والعرب، الدماء الزكيَّة والأرواح النقيَّة.وسيبقى جيشنا الغالي في قلوب ابناء الامة وضمائرهم، وكيف لا يكون مكانه كذلك وقد أعطى وضحى دون شروط، وكيف لا نحيِّي ابناءه ونبارك لهم ولأنفسنا بعيدهم المجيد، وهم أولئك الرجال الشُّم الأُباة، الذين تحدوا الموت، ورفعوا راية الوطن عالية خفَّاقة في سماء العراق العظيم، ورَووا بدمائهم الزكيَّة أرض الرافدين، لتزهر بالكرامة والمجد والعُلا.والذين بعد أن تمَّ تغييب الجيش العراقي بقرار من المحتل الغاشم، دخل العراق بدونهم في نفق مظلم، فسحقوا دولته الوطنية، وتهددت لحمته المجتمعية وانكشف الأمن العربي حتى باتت الأمة فريسة لشتى الأطماع الإقليمية والدولية.

وفي الختام، وإذ نزجي التحايا والسلام لأبطال جيشنا الوطني الباسل، نترحَّم على شهدائنا من جيشنا البطل، وننثر الورود والرياحين على أضرحتهم، على حدود العراق الشرقية، وفي كل تراب العروبة حيث قضوا دفاعاً عن وطننا العربي الكبير وأمتنا المجيدة.






الخميس ٣ جمادي الثانية ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة