شبكة ذي قار
عـاجـل










يُعرّف الانتماء اصطلاحاً وبشكلٍ عام بأنه "مشاعر داخلية تحرّك في الإنسان واجب دعْم شخصٍ أو منظمةٍ أو فكرةٍ أو كيان ما"،
كما أنّه مفهوم عام يعبّر عن إخلاص المرء ومدى تمسكه وارتباطه بالفكرة التي يدين بالولاء لها، وقد تكون هذه المشاعر تجاه شخصٍ أو جماعة،
اما الالتزام لغوياً ك ( مصطلح ) فإن : مصدره فعل إِلتَزَمَ، وهو ادبياً ما تفرضه الاخلاق،
ويعتبر الوفاء به من قبيل التبرُع والاختيار الارادي.
من هنا فإن نقيض الانتماء هو ( اللاانتماء ) ،
بينما نجد ان نقيض الالتزام هو ( الالزام ) او الإجبار على الفعل.

انطلاقاً مما تقدم نجد ان الانتماء ،
هو حالة حضارية يسعى المنتمي اليها ولا تسعى اليه ،
اما الالتزام فهو خيار يرتضيه الملتزم عن سابق تصور وتصميم وقناعة ادبية وفكرية واخلاقية ،
و ( يُلزِم ) نفسه بها مهما كلفه ذلك من تضحيات ،تذّكي لديه معنى انتمائه للفكرة وتأكيد ولاءه لها.
في الدساتير عامةً، على من يتبوّأ موقع ُ ما او يتسنم مسؤولية معينة ، ان يُقسِم اليمين على ان يكون اميناً على ما اصبح مسؤولاً عليه ،
ولدى الاحزاب العقائدية ترديد لقسمٍ حزبي على الاعضاء الجدد الالتزام به ، بعد سلسلة من حلقات التثقيف الداخلي التي تستغرق اشهراً وسنين،
ولا يندفع المنتمي على القسم الا بعد اقتناعه التام بما مرّ به من مراحل تثقيفية ،
بعد ان قرأ وحلّل وناقش وسأل واستفسر وتوسّع في الحوار والادبيات والمطالعات ،
ليختتمها بالقناعة الذاتية التي لا بدّ منها ، سواء بالنسبة اليه ، او فيما يتعلّق بالهيئة المشرفة التي اقتنعت به ،
وقد تأهلّ عضواً عاملاً له ما له وعليه ما عليه ،
كما تنص عليه الانظمة الداخلية للمكوّن السياسي والثوري الذي صار جزءاً منه، منتقلاً من ثقافة المكوَّن ( بفتح الواو ) الى ثقافة ( المكوِّن ) بكسر الواو.
في المفهوم العام ، نجد ان اهم مراحل الانتماء ، فالالتزام ، هي ايام نكران الذات والتضحيات بدون مقابل ، وتلك امور تختبرها التنظيمات الثورية جيداً ، خاصةً في مراحل النضال السلبي ، عندما يتعارض الانتماء ،مع السلطة القائمة فتمارس الترغيب والترهيب على من يعارضونها ، مستخدمةً ما اصطلح على تسميته سياسة ( الجزرة والعصا ) ، الاولى لمن يضعف امام الاغراءات بالمكاسب لمن يتخلى عن عقيدته ، والاخرى لمن يتمسك بالعقيدة وينافح عنها ، ولو كلّفه ذلك من التضحيات ما يفوق قدرة الانسان العادي على الاحتمال ومنها التضييق الامني والمعيشي والنفسي والملاحقات والاعتقال وغيرها ، ومن يخرج سالماً من كل ذلك هو المرشح الاوفر أُهلية ًوتجارباً ليتبوّأ المسؤوليات القيادية التي تجعل منه قائداً حقيقياً امام رفاقه وحواضنه الشعبية والجماهيرية بلا منازع.

على العكس مما تقدم تماماً ، تفاجؤك اسماء كبيرةً ورنانة كانت ايام النضال الايجابي وتبوّء السلطة ، رموزاً للتنظير والمنافحة عن الفكرة والقتال في سبيلها ، ثم تتحول ايام النضال السلبي ، إما الى نقض ماضيها وتاريخها فتسعى الى الانخراط في الوضع السياسي القائم ،و تختلق شتى التبريرات لهذا التحوّل الجذري في مسيرتها ، بعكس من بقي على احترامه لماضيه المشرّف
وانتمائه للفكرة والعمل بصمت في سبيلها ،وكأنه الجندي المجهول
وهو يتابع ويكتب ويشارك ويدافع ، في المحافل والندوات وروحه تنشد للوطن الذي غادره جسداً ،
غير ان ما يدفعك للاستغراب حقاً ، تلك الاسماء البعيدة عن الوطن ، التي تراها اليوم تجيّر كل ما بذلته من جهود في سبيل المجموعة وتحويله الى مشاريعها الخاصة،
عندما يقودها طموحها الجامح نحو التطلُع الى استثمار ما قدمته ،

فتصطدم بالرفض على طريقة العرب ( طالب الولاية لا يولّى ) فتلجأ الى جملةٍ من ردود الفعل غير الامينة على ماضيها وتبدأ في رمي سهامها على من اعتبرتهم السبب في حجب الولاية عنها ، متجاهلةً ان لكل ساحةٍ رجالها ، وما يصح على حامل البندقية في الخنادق الامامية ، لا ينطبق على من يستخدم القلم من اماكن بعيدة توفر له الدفئ والمياه الساخنة والنوم الهادئ وليس من عطاء يقدمه
وهو"يشحن"الجماهير ،
سوى جهاز كومبيوتر صالح للاستخدام وشاحن كهربائي له ،والمزيد من الورق والمحابر والاقلام ، فيما غيره ، داخل خطوط النار في الوطن ، لا يعلم غير الله كيف يتدبّر عيشه واين ينام وكم من عسسٍ يسألون عنه ، وتلك لعمري اشكالية من بيده الماء ومن بيده النار والتي لا تضاهيها اشكالية اخرى حتى الآن.
بكل صفاقة ولؤم ينبري من بيدهم الماء ، ومن بعيد ،فيشتموا ويخوّنوا وكل همهم ان يدفعوا من بايديهم النار الى الاندفاع نحو الموت المجاني وشعارهم : سنبقى نزايد عليكم حتى لفظ انفاس آخر من تبقى منكم ، ثم نعود من جهتنا لتجهيز نعيه من بعيد ونساوم على دمائه لاقصى ما نستفيد من عروض.
انه فعل الطعن بالظهر ،يرتكبه هؤلاء بحق من وثقوا بهم يوماً وتركوهم يتصدرون الواجهات الاعلامية للنطق بإسمهم ،فتكلّست المروءة في دواخلهم واندثر ما لديهم من نخوة بعدما فقدوا قيَم الرجولة وفرّطوا بالمبادئ.
لم يكتفِ هؤلاء بذلك وانما تحولوا الى صيادي فرص يتربصون بكل من ناوأهم ورفض السير في ركابهم ولم يجدوا غير المتساقطين الذين، بحقّ الصغير قبل الكبير منهم ،ملفات مستندة الى تحقيقات مثبتة تدينهم ،
وكانت الدافع الى طردهم ،
سواء بالفصل او بترقين القيد مع الحرص على عدم التشهير بهم ،
اقله للحفاظ على صورتهم وعدم تشويهها امام عائلاتهم ومحيطهم الشعبي ،
لعلّ ذلك يحثهم على الحفاظ على ما تبقى لهم من كرامة ولكن ،
لا حياء لمن تتوفر له فرص مراجعة الذات فيتمسك بالخطيئة ،
سيّما وان مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي والحسابات الوهمية التي ينشؤونها ، خُيّلَت اليهم انها تستطيع تنظيف دواخلهم من خطايا ، واذا يغبائهم يعرّيهم تماماً ويؤكد زيف انتماءهم وهم يثبتون ، وبالدليل القاطع انهم :
١ - عصابة منظمة تخطت مرحلة التكتل لتعلن عن ارتدادها على كل ما كانت تنظّر له يوماً واثبتت ان مصالحها الشخصية وطموحاتها غير المشروعة فوق كل اعتبار،
٢ - تخطي كافة الاصول التنظيمية المعتمدة في التخاطب الداخلي ، واعتماد الفضاء الاعلامي منصة للتشهير والتخوين بحق رموزٍ كبيرة ، منهم من رحل ، ومنهم من يقبع في معتقلات الانظمة والشماتة به،
٣ - التطاول على المؤسسة القومية الجامعة وزرع العنصرية القطرية بين قطر وآخر ، متجاوزةً الفكر القومي في اولى واهم اساسياته ، في سابقة لم يرتكبها ، حتى غلاة من تآمروا على الحزب وعملوا على مصادرة شرعيته.
الى كل ذلك ، يبقى السؤال : ماذا لو بقي هؤلاء داخل المؤسسة واي هدمٍ وتخريب سيلحق بها لو تبوأوا ما كان طموحهم الجامح يدفعهم اليه من مسؤوليات داخلية !
لذلك ،لا بد من توجيه التحية للمؤسسة القومية التي استشعرت الخطر قبل ان يستفحل ويتحوّل الى حالة سرطانية لم يكن من السهل معالجتها في المستقبل ، لتبقى الشرعية القومية هي العين الساهرة اليوم وغداً ، وكما الامس ، والمرجعية الاولى والاخيرة في الحياة الداخلية للرفاق، ويكفي انها قطعت دابر الحالة الشاذة التي يمثلها من عميت ابصارهم وما عادوا يميّزون بين الواقع والخيال ، وبين الحقائق على الارض ، وعالمهم الافتراضي الذي جعلهم يصدّقون كل ما يرونه من اضغاث احلام.







الاربعاء ١ رجــب ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / شبــاط / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة