شبكة ذي قار
عـاجـل










في مؤتمره الصحفي قبل بضعة ايام قال "فلاديمير بوتين" الرئيس الروسي ( ان عقيدتنا القتالية لا تتضمن مفهوم الضربة اٌلأستباقية، إنما الرد بضربة تدميرية ثانية ) واضاف ( الأولى سنستشهد فيها، أما الثانية فسنذهب بهم الى جهنم ).!!

هنا لا بد من ذكر انواع مفاهيم الردع :
من المعلوم ان نظريات القوة التي دونها المعنيون في شؤون السياسات الدولية وعلوم الجيو - بولتكس، فرقوا بين عدد كبير من المفاهيم الإصطلاحية، لكي لا تختلط وتتداخل وبالتالي تمسي تحليلات المواقف هي الاخرى متداخلة ومشوشة .. فالمفكرون المعنيون اوضحوا مفهوم ( الردع ) البسيط والأقصى، وكذلك أنواع الردع، المنفرد والمتبادل، المحدود والشامل المؤكد .. كما يفرق خبراء الإستراتيجيا بين الردع النووي والردع المقرون بالقوة التقليدية.

إذن، هنالك مفهوم للردع النووي والردع التقليدي، ويصعب الخلط بينهما.فيما يمثل مفهوم ( الرعب النووي ) مدخلاً قد يكون منفرداً او ثنائياً او رعباً يشترك فيه فرقاء معنيون اقليميون ودوليون مهتمون بصياغة تحالفات قد يكون طابعها استراتيجي.

ووفقاً لذلك، ما هو مفهوم الضربة الإستباقية ( Preemptive Strike ) ومن يتبنى من دول العالم هذا المفهوم في استراتيجيته الأمنية والعسكرية.؟ واخيراً كيف تشكلَ هذا المفهوم سياسياً ، وما هي ابعاده الأستراتيجية؟

الأدارة الامريكية في عهد الرئيس "كارتر" ، تبنت مبدأ ( المصالح الحيوية ) ( American vital Interests ) في الخليج العربي.وتشدد هذه السياسة على ان أي اقتراب من هذه المصالح أو التعرض لها يُعَدُ اختراقاً لهذه المصالح، وسيجابه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة بما فيها القوة العسكرية.

وعلى اساس هذه السياسة الامريكية توقف النفوذ السوفياتي عند تلك المحددات السياسية ولم يتجاوزها ( احتراماً ) للمصالح الامريكية , إلا ان النفوذ السوفياتي في المنطقة اخذ يتزعزع في مصر واليمن الجنوبي والعراق.

ولم تكتفي ادارة ريغان بمبدأ ( المصالح الحيوية ) إنما قامت بتوسيع المفهوم حين دمجت بين المصالح الحيوية و ( الأمن القومي الأمريكي ) .. والمعنى في هذا المتغير الخطير أن المصالح الحيوية وضعت في قلب الأمن القومي الأمريكي، وإن أية نية في التعرض لهذه المصالح يعد تعرضاً للأمن القومي الأمريكي، الذي سيجابه برد إستباقي قوي وكاسح يسمى الضربة الإستباقية ( Preemptive Strike )

إن إستباق الضربة النووية الأولى هو ( شل القدرات وحرمان الخصم من إكمال عناصر قوته قبل الشروع بالعدوان ) .. وإن صاحب القرار الأمريكي مجر انه يشعر بالخطر قبل وقوعه فلديه الصلاحيات في ( إجهاض ) هذا الخطر قبل استكمال عناصر قوته وفي عقر داره.!!– طبعاً هذه السياسة تخالف نص الدستور الأمريكي التي تؤكد على ان يكون الرد العسكري دفاعي عند وقوع العدوان او اختراق الحدود الوطنية وليس قبلها -.ويستند مضمون الإستباق في الضربة الأولى على التخمين او تقدير الفعل قبل ان يقع، ولكن، الضربة الإستباقية الأولى تجابه بضربة ثانية متوقعه، تشكل في حقيقتها مفهوم الرعب النووي المتبادل.!!فهل ان من الغباء ان يتصرف اصحاب القرار في كل من واشنطن وموسكو ويحرقا الكرة الأرضية حرقاً كارثياً لا يبقي ولا يذر؟

التحول في الاستراتيجية الامريكية بدأ في عام ٢٠٠٢ واكتملت عناصره عام ٢٠٠٦ ، والتحول هنا يقف عند وضع معايير لتحديد حجم القوات المسلحة الذي قد يتضاعف نتيجة لبروز مشكلة اقليمية اخرى او اندلاع احداث طارئة تستوجب الاخذ بالاعتبار، ليس فقط ( حجم ) القوات المسلحة، إنما ( كُلَفْ ) هذه القوات استجابة لدواعي معالجة هذه الاحداث في اكثر من منطقة , ومن هنا انبثق مفهوم ما يسمى التعرض للخطر ( الرئيس ) ومجابهة الخطر ( الثانوي ) الأقليمي الذي قد يظهر في مكان آخر، كما أسلفنا، يسميه الامريكيون حدثين كبيرين ( ٢MRCs ) .. وكانت امريكا قد تبنت مايسمى حربان في آن واحد، أو حرب ونصف .. ولكنها الآن تتحاشى الحرب استجابة لدواعي استراتيجيتها العظمى وركيزتها العقوبات الاقتصادية والردع الأقصى.!!
والتساؤل هنا : هل ان مفهوم الصراع الرئيسي والصراع الثانوي - الاقليمي هما صراعان دفاعيان، أم ماذا؟

وقبل الحديث عن التفاصيل المركزة يتوجب ذكر ان الكيان الصهيوني هو الآخر يتبنى مبدأ ( الضربة الإستباقية ) في استراتيجيته الأمنية التي حطمها العراق الوطني واجهض عمقها الاستراتيجي بضربات صاروخية باليستية ماحقة صدعتْ جدران مفاعل ديمونا .. والدليل على ذلك حين أقدم الكيان الصهيوني على ضرب مفاعل تموز للأبحاث السلمية بطائراته الحربية عام ١٩٨١، بينما لم يتعرض الكيان الصهيوني لمفاعلات ايران النووية التي تشكل خطراً اقليميا وعالمياً داهما منذ عام ١٩٧٩ حتى هذا العام ٢٠٢٢ .. لماذا لم تستخدم ( اسرائيل ) ولا امريكا مبدأ الضربة الإستباقية ضد مخاطر المفاعلات النووية الايرانية، في الوقت ان الخطر الايراني النووي قد تجاوز الخطوط الحمراء، كما تقوله مصادر سياسية واعلامية غربية واسرائيلية وامريكية.؟

الصراعان اللذان تمارسهما او تتوقع صراعاً ثانوياً يبرز على سطح الأحداث بطريقة محسوبة، هما صراعان ليسا دفاعيين مستكنين امريكيين، إنما هما في اطار خطط تدابير الهجوم .. ومن هنا، تتوجس الصين الفعل الأمريكي في تايوان وبحر الصين، كما تتوجس روسيا مثل هذا الفعل عند مداخل المناطق الحيوية للدولة الأوكرانية وعمقها الأوربي الإستراتيجية حيث يقبع الناتو.

وبعد ان نجحت الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة ( ١٩٩١ - ١٩٩٢ ) في تهديم الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الاشتراكية .. تربعت امريكا على قمة الأحادية القطبية، ولما كانت لا تستطيع ان تعيش من دون صراع عالمي، اخترعت امريكا صراعات ( إفتراضية ) من اجل تحريك سياساتها وآدواتها الدبلوماسية واجهزتها الاستخبارية.

ومن هذه الزاوية بدأت ملامح الخلط بين مفهوم ( الدفاع والهجوم - بمعنى التصعيد ) ، كما الخلط بين الصراع الدولي والصراع الاقليمي في واقع لم يعد فيه صراعاً ثنائياً ولا ثلاثيا او رباعيا ولا متعدد الاطراف بصورة نظامية إنما صراعات :

أولاً - افتراضية – آيديولوجية لتفتيت الكتل الكبيرة.
ثانياً - اقتصادية مع الصين لها طابع عسكري جيو - سياسي.
ثالثاً - جيو - سياسية مع روسيا في جورجيا وجزيرة القرم واكرانيا وسوريا.

هذه الصراعات لها اوجه مختلفه ودوافع متهددة واهداف سوقية محددة .. فهل هي صراعات سياسية ام جيو - سياسية ؟ ثم هل ان الادارة الامريكية الراهنة والتي سبقتها من ادارات تخلط في رؤيتها لمفاهيم الصراع ولم تفرق في التعامل بين الصراع السياسي والصراع الجيو - سياسي الاقليمي؟ وبالتالي تخلط بين الاقليمي والدولي؟

فإذا كانت ادواتها ( عمياء ) في رؤية الفرق الجوهري بين السياسة و الجيو - سياسة للمناطق الملتهبة وملفاتها المحتقنة القابلة للأنفجارـ بفعل عوامل ذاتية داخلية وبفعل تدخلات وتحريضات خارجية، فأن ذلك يعد كارثة تقع بالتساوي على المجتمع الامريكي وعلى شعوب العالم.!!

هنالك فرق بين التعامل السياسي والتعامل الجيو - سياسي، وغالبا ما تتعامل امريكا سياسيا في ساحة معينة وتهمل التأثيرات الجيو - سياسية في محيط تلك الساحة لا بل الساحة ذاتها .. مثلاً : لم تكترث امريكا بالواقع الافغاني حين احتلت افغانستان التي تتشكل من قبائل يحكمها المنطق العشائري وأمراء القبائل فضلاً عن النزعات العرقية والمذهبية، ومن الصعب استيراد ديمقراطية لهذه الساحة التي لا تهضم غير العادات والتقاليد والعرف الأجتماعي السائد كموروث ثقافي افغاني .. لم ينجح الاحتلال في بناء الدولة الافغانية ولا ببناء المجتمع الافغاني، ولم يصلح الاشكاليات الجيو - سياسية التي تحيط في الساحة الافغانية.اما في الساحة العراقية فقد كانت الكارثة مركبة بإحتلالين امريكي - ايراني مشترك .. لم تكترث امريكا حين احتلت العراق واخلت بميزان تعادل القوى في المنطقة، وهي تعلم ان فراغ القوة سوف تملؤه عدوة العراق والعرب ايران .. وتعلم ان الساحة العراقية تتوزع عليها اعراق وديانات ومذاهب، وان ( ديمقراطية - المحاصصة المذهبية والعرقية ) لا تنفع في مجتمع العراق الذي تسود فيه الأفكار القبائلية والعشائرية والعرقية والمذاهبية.وما فعلته امريكا في افغانستان فعلته في العراق، بل تركته لقمة سائغة بين فكي النظام الفارسية الذي رأى في ذلك فرصة تاريخية لتفريغ حقده وسمومه في تحقيق اهدافه الأمبراطورية الفارغة .. إنها نزعة تدمير للعراق ولدول المنطقة بما يتماشى مع المشروع الصهيوني ومشروع الشرق الاوسط الكبير الذي تروج له امريكا.

المحصلة : ١ - ان الدولة الايرانية باتت ترعى المنظمات الارهابية ٢ - وان المنظمات الارهابية باتت تقود الدولة العراقية .. وكلا الحالتين الإرهابيتين تتجهان نحو تصدير الارهاب .. الأولى تصدره كـ ( دولة ) ، والثانية تصدره كـ ( لآدولة ).!!

الإشكالية هنا لم تعد على الساحة العراقية، إنما تأثيرها جيو - سيا على المنطقة برمتها، فعرضتْ الأمن الأقليمي والعالمي الى الخطر ولأسباب جيوبوليتيكية بفعل ان المنطقة تمثل المصالح الحيوية لدول العالم كافة فضلاً عن أنها تمثل قلب العالم .. فهل ان الادارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض غبية الى هذا الحد؟

يقولون ان امريكا دولة مؤسسات .. وهذا صحيح ، ولكن غرف الإفكار التجريبية وطاولات التفكير المستديرة الملاصقة لمكاتب وزير الدفاع ومساعديه ولمكاتب مستشاروا البيت الأبيض ومستشار الرئيس، ومكتب مستشار الأمن القومي ومساعدوه، كل هذه الاستشارات هي تخمينية وإستنتاجية، والفعل الذي انتهى بالرئيس الأمريكي لأحتلال افغانستان هو الثأر الذي استولده حدث ١١ / ايلول - سبتمبر ٢٠٠١، فيما الفعل الذي انتهى بالرئيس الأمريكي لإحتلال العراق وتدميره هو الغدر الصهيوني.!!

يقول "لويد أوستن" وزير الدفاع الامريكي ( نحن نعمل على تعزيز الردع ضد ايران .. كما نعمل على حماية قواتنا في المنطقة من هجمات ايران ووكلائها، إلا ان الدبلوماسية هي الخيار الاول لحل ازمة الملف النووي الايراني .. ان ارهاب ايران عابر للحدود والذي يجب مواجهته، إلا ان الدبلوماسية تعد الخيار الاول لحل ازمة الملف ) واضاف ، نحن نعمل مع الشركاء في الشرق الاوسط وشمال افريقيا .. والقوة التي لدينا ومهمتها هي دعم الدبلوماسية للدفاع عن مصالحنا ومصالح حلفائنا ) .. ماذا يعني هذا الكلام : ؟

١ - يعني ان امريكا ليست لديها اي خيار عسكري تجاه الخروقات الخطيرة التي تمارسها ايران بمنطقة الشرق الآوسط.
٢ - وانها تعتمد على الدبلوماسية للوصول الى اهدافها.
٣ - وان ما تسميه الردع الايراني هو في حقيقته تراه امريكا ( ردع مشترك ) امريكي - خليجي - عربي يقوم على تصريف السلاح الامريكي وتطمينات اعلامية فارغة ومنع مجلس التعاون الخليجي من توحيد عناصر قوته الاقتصادية والمالية والعسكرية وموارده البشرية على وفق استراتيجية دفاعية.

فأين هي إذن مفاهيم الردع الأقصى وحزمة العقوبات التي تراوح الادارات الأمريكية في اطرها، واين نتائجها؟ ثم لماذا لم تمارس دول الخليج العربي من خلال مجلس التعاون سياسة الردع القصوى ضد النظام الايراني في شكل خطوات متدرجه تبدأ بسحب السفراء ثم تعليق الطيران ومنع السفر وايقاف التعاملات التجارية والمصرفية والسياحية مع الدولة الايرانية الى حين اعلان ايران انها تلتزم بمبادئ حسن الجوار المكفولة بالقانون الدولي وبمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ؟!





الاربعاء ١ رجــب ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / شبــاط / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة