شبكة ذي قار
عـاجـل












نحن كأمة، لم ولن نكون دعاة حرب، ولا نحن من أهل الود لرؤية دماء الشعوب تسيل وثرواتها تهدر وقدراتها الاقتصادية تضيع في غير مواقع استثمارها في بناء الخدمات والبنى وتطوير الطب والتعليم والصناعة والزراعة، لكننا لا يمكن أن نعزل أنفسنا عن البيئة العالمية إجمالاً بما فيها من خير ومن شر، ولسنا بمعزل عن سياسات تغلق كل المسارات وتبقي مسار الحرب وحده حلاً لا بديل له.

نحن أكثر أمة تعرضت للعدوان والاحتلال والاستغلال والإهانة والاستلاب ولا زالت تتعرض.

نحن أكثر أمة تتعرض للتدخل الخارجي، لأننا لم نبن قوانا الذاتية المطلوبة لتحقيق ذاتنا الوطنية والقومية، ولأننا هدرنا أموالنا في تسليح غير ذي جدوى، إما لأن جيوشنا غير مدربة أو لأن قياداتنا غير قادرة على القيادة أو لأن قرارنا ليس بيدنا.

نحن الأمة الأولى في خسارة الأرض، والأمة الأقل حصانة أمنياً، والأكثر اختراقاً وتأخراً.

ونحن في ذات الوقت الأمة الأكثر غنى وثراء وتنوع خيرات وتنوع مصادر الثراء المادية والبشرية والمائية والشمسية.

بعد أن خسرت الأمة العربية العراق وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين والأحواز: هل بوسع العرب (الشعب) أن يستثمر حرب روسيا ضد أوكرانيا لصالح قضاياه التي خسرها والتي أرغم على التنازل عنها، ويعيد الإمساك بقضاياه التي فقد زمامها؟

هل بوسع العرب في البلاد المنكوبة أن تنهض وتغلب مكونات الخديعة التي أوقعتها بها الصهيونية والامبريالية فسكتت عما يجري في فلسطين والعراق وليبيا مثلاً تحت ذريعة إنه أمر واقع وما حيلة المضطر إلا السكوت وطلب السلامة؟

نعم بوسعنا أن نفعل ونفرض نفسنا قوة عملاقة يهابها العالم، وتفرض خياراتها الإنسانية في الازدهار والتطور وسعادة الإنسان، كيف؟

ألَّا نكون تابعين في الموقف من الحرب الدائرة الآن بل أن نقف مع مصالحنا الوطنية والقومية لا بتأييد روسيا ولا بمعارضتها ولا بتأييد معسكر الناتو ولا بمقاتلته. بل أن نرى الحق ونكون معه، أن نرى أسباب الحرب بعين عربية لا بعين شرقية ولا بعين غربية. ألَّا نتملق أحد ولا نخاف أحد، فهذه الحرب في تقديرنا المتواضع هي حرب إعادة الاعتبار للتوازن والحياد الإيجابي وحق السيادة والأمن القومي في العالم حتى لو لم تقصد روسيا ذلك.

الموقف في هذه الحرب بالذات لا نراه يجلب لنا غضب أميركا، فلقد سقط الغضب الأمريكي الذي كان البعض يخشاه ولا نخاف من امبريالية روسية لأن روسيا ليست امبريالية في حربها هذه بقدر ما هي دولة تحاول إبعاد الخطر عن حدودها، ومن لا يعطيها الحق في ذلك فهو كمن لا يعطي الحق لأمريكا في أزمة صواريخ كوبا.

أن نحذو حذو روسيا في استخدام الغاز ومواردها المصدرة للغرب في حربها ضد الناتو عبر أوكرانيا، وأن نحذو حذو الغرب في حساب أهمية الغاز الروسي والنفط والفحم وتضمينها في معادلات الردع وجعلها عوامل فارقة في حسابات قوتنا.

نحن الأمة التي تمتلك الموارد الاستراتيجية الحاكمة مفصلياً في أمننا وأمن العالم، ونحن الأمة الأعظم في الاستيراد وسعة الأسواق لكل منتجات العالم من الآن وعلى مدى مئة سنة قادمة فيما لو بدأنا النهضة الآن.

هذه الحرب أسقطت كل عوامل الخوف من أميركا والغرب وصنعت بيئة جديدة وستصنع عالماً جديداً، وعلى الشعب العربي وقواه الحية أن تكون جزءاً من عملية التشكل الراهنة وإلا فإننا سنضيع أعظم مما نحن الآن ضائعون.

هذه الحرب تمنحنا فرصة أن نحرر بلادنا الضائعة ونعيد مسك زمام السلطة بثرواتنا، وأن نغادر حقبة السقوط في دوائر الوهن التي جعلت الكثير منا لا يحاور السيادة والاستقلال والوحدة الوطنية والقومية بل انشغل بالفيدراليات وحكومات الطوائف والمحاصصة ومشاريع تقسيم المقسم.

روسيا تحرر طاقات الإنسانية في كل مكان بدءاً من أوروبا ليس لأنها تريد ذلك بل تلكم هي النتيجة العرضية التي تبدو لنا الآن أهم من أهداف روسيا ذاتها.

وتذكروا أيها العرب أن روسيا قد نهضت هي والهند والصين وحتى أوروبا من أكفان الموت بفضل مقاومة العراق وما أحدثته من تهشيم لعظام الغزو الأمريكي للعراق.




الثلاثاء ٥ شعبــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أذار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة