شبكة ذي قار
عـاجـل










 ماذا يريد بوتن في أوكرانيا

 

قال " زبيغنيو بريجنسكي " حول التخطيط الجيو- سياسي الروسي..

(من دون أوكرانيا لن تستطع روسيا الاتحادية أن تكون قطباً دولياً)، وقال "فلاديمير بوتن" الرئيس الروسي (أوكرانيا نطاق روسيا الجيوبوليتيكي)، فما هو مدى التطابق بين الرؤيتين؟ وما هي أبعادهما الجيو- سياسية مع (أوربا واليابان وإيران) على وجه الخصوص في إطار التفكير الاستراتيجي الروسي، الذي كرسته موسكو في أوكرانيا؟ ثم ما هو شكل الصراع القائم بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إدارة الرئيس " جو بايدن "؟

دعونا نفصل ونحلل هذه الأفكار والرؤى التي سطرها الخبير الاستراتيجي المرموق بريجنسكي - أمريكي من أصل بولندي-، والتي قالها بوتن، فضلاً عن طبيعة الواقع المتأزم الذي تعيشه روسيا تحت حطام الاتحاد السوفيتي وفقدانها زخمها في التوازن الثنائي وشعورها المتأزم في ظل القطبية الأحادية المتأكلة وشروط العولمة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة؟:

أولاً- إن النقلة العسكرية الروسية باتجاه أوكرانيا تثبت صحة نظرية زبيغنيو بريجنسكي التي تشدد على أهمية أوكرانيا الجيوبوليتيكية كخطوة جوهرية لاسترجاع الجمهوريات السوفيتية المنفرطة في إثر سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار منظومته الاشتراكية وتفكك حلف (وارسو).. بريجنسكي، وهو يتحدث في رقعة الشطرنج- أور آسيا كان يعي الأهمية القصوى التي تمثلها أوكرانيا ذات المساحات الواسعة وهي تمثل عمقاً استراتيجياً للقارة الأوربية من جهة، والحافة المدببة للمجال الحيوي الروسي من جهة أخرى، ومن أجل الخرق عملت النقلة العسكرية الروسية في خطوتها الأولى على (قضم) مدينتين أوكرانيتين تحاددان روسيا من جهة الشرق، حيث زرع الكرملين فيهما موالين معارضين للمركز في كييف على أساس إنهم يتكلمون الروسية لكنهم في الحقيقة كانوا مدعومون من روسيا.

- مثل هذا التبرير ضعيف وفاشل، لأن النمسا يتكلم شعبها الألمانية ولن تدعي ألمانيا أن النمسا جزءاً منها، حتى أن هتلر هو نمساوي الأصل ولم يقل إن النمسا ألمانية في الأصل... ولكن بوتن تشبث بكلام لا أساس له من الناحية القانونية والموضوعية والاعتبارية -.

إن قضم المدينين الأوكرانيتين جاء بطريقة إعلان استقلالهما، وهي طريقة ليس لها أي إثبات واقعي موضوعي، لأن شعبا المدينتين قد انتخب رأس المركز في كييف في الانتخابات العامة عدا المعارضين الموالين لروسيا، فيما كان الموالون لروسيا يمثلون أقلية يقودها     الـ(كي جي بي) في تينك المدينتين الأوكرانيتين.

ثانياً-  ربما بات "بوتن " يعتقد بأن روسيا هي قلب العالم، الأمر الذي يدعوه إلى الأخذ بمنطق جيوبوليتيكي قائم على تجميع هياكل الاتحاد السوفيتي المنفرطة ويعاود العمل على استعادتها لتكريس التكامل في القوة (السياسية والاقتصادية) وبناء حلف (وارسو) على أساس القطبية الثنائية من جديد وعودة الحرب الباردة.!!

ثالثاً-  وربما أيضا يرى: أن هناك محاور للعمل مع أوروبا من خلال بعض أو إحدى دولها ومع اليابان ومحور العمل الآخر مع إيران، استناداً إلى نظرية (ألكسندر يوغين- العالم الجيوبوليتيكي الروسي الشهير).. ومن أجل تكريس تجميع المعسكر الروسي الجديد على وفق هذه النظرية فإن الكرملين بات يعمل على:

1-  استخدام الكنيسة الأرثودوكسية في مقدمة الحركة السياسية الروسية للتعامل مع أوربا المسيحية وتجمعات أحزابها اليمينية المتطرفة، ومنها على وجه التحديد ألمانيا وفرنسا واليونان... والأخيرة خاصة في تعاملاتها مع قبرص حيث الكنيسة الأرثودوكسية.

2-  والعمل الروسي الخارجي على أساس النزعة القومية.

3-  فيما تأتي الحركة العسكرية الروسية الصادمة في إطار الأمن المُهَدَدْ من قبل الناتو وهو امتحان للرد بعد صمت طويل على زحف الناتو والانتشار الصاروخي الأمريكي في شرق القارة الأوربية.

بماذا يعمل بوتن، بقواعد العمل الاستخباراتي أم بالاستراتيجية العسكرية الروسية؟:

خطوات النقلة العسكرية الروسية تدلل على المرحلية في الحركة وهي خطوات مبنية على قواعد العمل الاستخباراتية التي لا تكترث للوقت أو للزمن... مثل الهيمنة على المدينتين الحدوديتين اللتين يريدهما بوتن (جمهوريتان مستقلتان) مرحلياً ليتم قضمهما بعد ذلك باستفتاء شكلي على إنهما تابعتين لروسيا الاتحادية ... ثم تتسع الحركة إلى (خاركوف) في الشمال و(ماريوبول) في الجنوب، واقتطاع (دونباس) بالكامل ليصل بوتن إلى هدفه (تفكيك) أوكرانيا كدولة وقضمها كمدن تدريجياً..

وأعتقد إنها خطوات ليست سهلة بل مستحيلة التحقق لماذا؟ لأن في أوكرانيا (لا توجد دائرة انتخابية موالية لروسيا لا في دونباس حيث فشل الانفصاليون المسلحون في إنشاء إدارات مدنية فاعلة وظلوا معتمدين على القوة الروسية).. هذا ما قاله أحد الخبراء السياسيين المتابعين للشأن الأوكراني.

الإشكالية الأخرى تكمن في الاعتقاد الخاطئ بأن خطة بوتن العسكرية تعتمد على عقيدة الجنرال (فاليري جيراسيموف) رئيس أركان الجيش الروسي، وهذا يعني ان بوتن لم يستخدم العقيدة العسكرية للجيش الروسي إنما استخدم عقيدة الـ(كي جي بي) الاستخباراتية في قضم المدن والاجتياح وبأسلوب التكتيك.. ومن هذا يظهر الشرخ واضحاً بين استراتيجية الجيش وبين قواعد العمل الاستخباراتية على الأرض الأوكرانية.. وقد يكون الأمر غريباً عن الفهم، ولكن بوتن قد وضع قواعد العمل الاستخباراتي الروسية في المقام الأول ولم يستند على استراتيجية عسكرية تعمل على وفق عقيدة قتالية واستراتيجية شاملة ترسمها السياسة وليس المخابرات التي لا تعي النتائج وردود الأفعال، فضلاً عن محصلة استخدام القوة المفرطة في تحقيق الأهداف.

وبالمقابل.. هناك (تمدد) غربي يستخدم أسلوب القضم التدريجي أيضاً للدول، بدأ من بولندا ورومانيا ودولة التشيك التي دعاها الناتو عام 1999 للانضمام إليه، كما دعا الناتو عام 2004 دول البلطيق للانضمام إليه، وفي عام 2008 كانت دعوة الناتو صريحة لانضمام جورجيا وأكرانيا إليه ... الأمر الذي أكد لموسكو إن (الناتو) يتمدد والاتحاد الأوربي يتمدد ليقضم (المجال الحيوي) الذي يريد بوتن حمايته وهو (إرث) الاتحاد السوفيتي.

والملاحظ كانت روسيا ومنذ عام 2008 لا تمتلك الرد الكافي على زحف الناتو نحو (مجالها الحيوي) الجيو- سياسي ... الآن موسكو تعتقد بأنها تمتلك القدرة والقوة لوقف تمدد الناتو فدخلت أوكرانيا، ولكن إلى أين؟

الدول التي انفرطت عن الاتحاد السوفيتي هي دول (مستقلة وذات سيادة حتى حين كانت منضوية تحت نظام الاتحاد السوفيتي)، لا أحد يستطيع أن يتدخل في خياراتها الجيو- السياسية، ولكن عليها أن تعي الواقع الجيو- استراتيجي الذي تعيش فيه... وهل تمتلك روسيا الحق الشرعي والقانوني باستخدام القوة وإعلان الحرب بدعوى حماية أمنها القومي المتمثل بالمجال الحيوي المفكك؟ وهل أن مخاوف الأمن القومي الروسية تجيز لها استخدام سياسة الضربة الاستباقية لمنع الخصم الغربي من الوصول إلى أهدافه؟ فيما كان بوتن قد أعلن في مؤتمر صحفي بـ(أن عقيدته القتالية لا تتضمن أسلوب الضربة الاستباقية) ...!!

في نهاية المطاف ... ماذا يريد بوتن في أوكرانيا؟

السياسة هي التي تحرك الجنرالات وليس العكس، ولكن الجنرالات العسكريون الروس يتحركون ليس على وفق استراتيجيتهم العسكرية، إنما تبعاً لما تمليه عليهم قواعد العمل الاستخباراتية التي يتبناها " بوتن " باعتباره رئيس الـ(كي. جي. بي) وصاحب القرار ورأس الدولة الروسية الاتحادية!!

د. أبا الحكم

13/03/2022

 

 

 

 






الثلاثاء ١٢ شعبــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أذار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة