شبكة ذي قار
عـاجـل










متغيرات في السياسة- الإستراتيجية النووية الروسية.. )ح-2(

تحولات متسارعة جرت على المستوىين الدولي والأقليمي، تلامس المجالات الحيوية لأمن بعض القوى العظمى كروسيا والصين، بعد ان عملت الاستراتيجية الامريكية الكبرى، في بعدها الكوني، على انهيار ميزان تعادل القوى (الدولي) بإسقاط الاتحاد السوفيتي وإنهيار ميزان تعادل القوى (الاقليمي) في الشرق الاوسط  بضرب العراق واحتلاله ، وقبل ذلك إخراج مصر من معادلة الصراع في المنطقة - ومحاولات توسيع هذا الأختلال بأدوات غير تقليدية من جهة، ينسجم معها تغيير حلف شمالي الاطلسي (الناتو) لعقيدته القتالية بتوسيع مجاله الحيوي عن طريق الخروج من جغرافيته الاوربية صوب مناطق التوتر والأحتقان في العالم وتمدده نحو الشرق الأوربي، وبشكل يتساوق مع الاستراتيجية الامريكية بعيدة المدى . فقد أقر مجلس الامن القومي الروسي في 13/ 6 / 2014 اعتماد العقيدة العسكرية الروسية في ضوء المتغيرات التي ادخلت على عناصر العقيدة التي اقرتها روسيا عام 2010، ومنها على وجه التحديد، ما اسمته بـ (الثورات الملونة) و (التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا وحلفائها).. ولكن ، مع ذلك فهل استخدمت روسيا هذه العقيدة العسكرية وتعديلاتها في غزوها لأوكرانيا أم أن قواعد العمل الاستخباراتية هي التي استحوذت على قرار الحرب .؟

 إذ تؤكد هذه العقيدة بمدخلاتها الجديدة على السمة (الدفاعية) بالنظر لشعور موسكو باقتراب اخطار هذه الثورات من حدودها، الأمر الذي بات يهدد الداخل الروسي .. فيما اتسم سلوك هذه الثورات بقدرات اسلحة عالية التقنية والدقة في استخدام الاسلحة، ومنها الطائرات بدون طيار، مدعومة بتحريضات اعلامية تتصاعد مع هذه الثورات التي ترتكز على الاثارة الأثنية والدينية لزعزعة استقرار روسيا وغيرها من البلدان .. كما جاء في حيثيات الوثيقة الخاصة بمسألة الأمن الروسي.. ولكن ألم تدرك روسيا أن ايران ونظامها الطائفي على توافق سياسي- إستراتيجي مع امريكا واستخدامها كأداة لتغيرات جيو- سياسية في المنطقة ولإغراض إعادة تشكيلها ؟ ألم تدرك موسكو أن إيران هي مبعث الإنتشار الطائفي والعرقي وهي على توافق سياسي مع امريكا من أجل تدمير المنطقة ، وتدمير  حتى مناطق النفوذ الروسية؟!

وقد حددت الصيغة الجديدة لعقيدة الأمن القومي الروسي المحدثة اربعة عشر خطراً يتهدد روسيا وامنها القومي ووحدة اراضيها وسيادتها، الأمر الذي بات يؤثر على ميزان تعادل القوى في المجال النووي الصاروخي :

1- تصنيع أمريكا ونشرها للمنظومات الصاروخية ذات البعد الاستراتيجي الدفاعي

2- متغير الاستخدام الامريكي للضربة الاستراتيجية العامة (غير النووية) .

3- نشر امريكا اسلحة في الفضاء الخارجي ، وعسكرتها لهذا الفضاء .

4- نشر امريكا منظومات استراتيجية عالية الدقة (غير نووية) .

5- تكثيف حلف شمالي الاطلسي (الناتو) لقدراته القتالية، واقترابه بوحدات وتشكيلات عسكرية من الحدود الروسية .

6- استخدام امريكا القوة العسكرية في البلدان المتاخمة للحدود الروسية ولحدود حلفائها .

7- محاولة امريكا تصعيد التوترات في بؤر النزاعات العسكرية ، والتدخل في مساراتها .

8- محاولات نشر اسلحة الدمار الشامل والتكنلوجيا الصاروخية .

9- عدم مراعاة امريكا لأنتهاكات بعض الدول للأتفاقيات الدولية والمعاهدات حول حظر وتقليص الاسلحة .

10- التدخل في الشؤون الداخلية الروسية .

 وفي اطار هذه الوثيقة، التي تم التصديق عليها، في ضوء تلك المسببات، اكدت موسكو على حقها في الرد على استخدام (الاسلحة النووية وغير النووية)، التي يمكن ان تتعرض لها .. إلا ان الوثيقة قد استبعدت في نصوصها احكام (الضربة الأستباقية)، التي تمثل جوهر الأستراتيجية الأمريكية .. إنما اكدت على مواجهة دولة او مجموعة دول تسعى لتحقيق التفوق العسكري أو محاولات املاء اراداتها عليها .

ومن ضمن التغييرات التي حصلت على الوثيقة السابقة لعام 2010 هو تأكيد روسيا على حماية مصالحها في مناطق القطب الشمالي .. كما ان هذه المتغيرات جاءت على خلفية :

اولاً- تكثيف نشاطات الجماعات الدولية المسلحة ذات التوجهات المتطرفة .

ثانياًتكثيف نشاطات الشركات العسكرية (الأمنية) الخاصة بالقرب من المجال الحيوي الروسي وحدود حلفائها .

ثالثاً- تنامي الصراعات الاقليمية ونزعات الانفصال، فضلاً عن اتساع دائرة التطرف .

رابعاً- قيام بعض الدول والمنظمات بوسائل اعلامية تستهدف التاثير على المجتمعات، وتعمل على تقويض القيم والتقاليد التاريخية والروحية والوطنية في مجال الدفاع عن الوطن .

خامساً- اثارة النعرات الطائفية والعرقية والاجتماعية والتحريض على الكراهية والتصادمات الأثنية والمذهبية .

سادساً- تمويل هذه الجماعات والمنظمات وتوجيهها عن طريق الخارج .

سابعاً- استغلال الحركات الاحتجاجية لمواطني الدول في اطار السمة العسكرية في نزاعات العصر الحديث .

وفي الوقت الذي دعت فيه موسكو في هذه الوثيقة الى ارساء حوار بناء مع حلف شمالي الأطلسي (الناتو) ، والعمل من اجل اقامة نموذج جديد للأمن الشامل في منطقة آسيا والمحيط الهادي .. دعت موسكو الى التعاون مع مجموعة (بريكس) ، التي تضم الى جانب روسيا كلاً من الصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل، في مجالات إقامة (منظومة الدفاع الصاروخي المشترك)، وتطوير التعاون مع الجمهوريات، التي اعلنت انفصالها عن جورجيا في بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم .

المتغيرات :

خلال الاعوام ما بين 2000 وعام 2010 ، برزت متغيرات خطيرة على المسرح السياسي الدولي والاقليمي وخاصة في منطقة (الشرق الاوسط) ، جعلت روسيا، على وجه التحديد، تفكر بجدية التهديدات التي باتت تقترب من مجالها الحيوي .. الأمر الذي دفع بها الى تغيير في مفاهيم دفاعاتها الاستراتيجية (الرادعة) ، على الرغم من ان موسكو قد حددت ( أن التهديد يستهدفها ويهدد وجود الدولة الروسية، سواء كان تهديداً نووياً أو تقليدياً سيرد باستخدام القوة النووية) .. وهو الأمر الذي يفسر جدية المخاوف الروسية .. كما أن موسكو باتت لا تفرق في مسائل التهديد الخارجي أو التهديد الداخلي .. وكذا الأمر في مسائل التهديد بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية .. فهي سترد في كل الأحوال بالأسلحة النووية إذا ما تعرض وجودها القومي الى الخطر .. بيد أن هذا الإقرار سيعرض العالم الى كوارث تنجم عن احتمال استخدام روسيا للسلاح النووي حين تعرضها الى تهديد تقليدي، يمكن ان تتعرض له أي دولة في الزمن الراهن.!!

فقد كانت نظريات التوازن في القوة، والردع المتبادل المؤكد بين المعسكرين الأمريكي والسوفياتي تقوم على اساس الضربة التدميرية الأولى، والتي تدمر فيها من قوة الخصم 40% من مصادر قوته الضاربة .. إلا أن الرد عليها بالضربة التدميرية الثانية المتبقية 60% ، وهي تكفي للتدمير الشامل المؤكد بعد ان يتلقى الخصم ضربته الاولى .. وبهذا التوازن يمتنع الخصمان عن التفكير في المبادئة باستخدام القوة النووية، لأنها تسفر عن ليس فناء المتصارعين فحسب، بل فناء البشرية برمتها .

وعلى أساس هذا الأدراك المتقدم في مسائل اصدار القرار .. فان الدولتين العظميين ، وخاصة أمريكا لا تكف عن التفتيش عن الثغرات واستكشاف القدرات والتقنيات من اجل تقليص قدرات الخصم .. ومن هذه القدرات القنابل الفراغية والنووية المحدودة والأشعاعات الليزرية من جهة .. وتكثيف القوة غير التقليدية ذات التأثير العاصف .. وإشعال حرائق اقليمية تمتد وتتصاعد وتتسع صوب اهداف محددة ومرسومة ستراتيجياً .. ومع ذلك فأن لكل من الطرفين له حساباته الخاصة .. كما له حساباته المرسومة لحدود المجازفة.!!

تمت ... 

د. أبا الحكم

18/03/2022





 

 






الاثنين ١٨ شعبــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / أذار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة