شبكة ذي قار
عـاجـل










لماذا تميزت المقاومة العراقية ضد الغزو الأمريكي عن حركات التحرر الاخرى في العالم


بمناسبة مرور 19 سنة على نكبة الغزو الأمريكي للعراق ، لا بد من التعريج على مسار المقاومة العراقية الباسلة  ضد هذا الغزو وطبيعة التحديات التي واجهتها  في جهادها البطولي .اذ كانت البداية لانطلاق هذه المقاومة في الساعات الأولى لنهار يوم الخميس 10/4/2003  حيث أعلن في وقتها عن مقتل اثنين من الجنود الأمريكيين هما تيري هيمنغواي وجيفري بوه وجرح 13 آخرين حسب ما أعلنته قيادة الجيش الأمريكي في العراق. وتم توثيق تلك الحادثة من قبل صحيفة  يو أس أي توداي الأمريكية. وهذه الانطلاقة المباركة للمقاومة العراقية حصلت خلال أقل من 24 ساعة منذ اليوم الأول لإعلان الاحتلال الرسمي للعراق في 9/4/2003 .علما أن الغزو الأمريكي للعراق بدأ في  يوم 19/3/2003  والفترة ما بين الغزو والاحتلال شهدت مرحلة الحرب النظامية الغير متكافئة بين الجيش العراقي الوطني وقوات الاحتلال الغازية.

ونتيجة للقرار الجائر من قبل بريمر بعد الاحتلال  بحل الجيش العراقي , أصبحت المقاومة العراقية هي القوة العسكرية الوحيدة التي تحملت على عاتقها مسؤولية  التصدي لقوات الاحتلال وافشال  مشروعها التوسعي. وعلى العكس من الطريقة النظامية للجيش العراقي ،فقد اتبعت هذه المقاومة اسلوبا غير تقليديا يعتمد على مبدأ حرب العصابات بطريقة " أضرب وأهرب" . وقد أثبت هذا الاسلوب التكتيكي فعالية كبيرة  في زعزعة الوجود العسكري الأمريكي التي تحولت قواته الى حالة الدفاع  التام ولم تكن تدري من أين ومتى تتلقى ضربات المقاومة الوطنية الموجعة. ورغم الخسائر الكبيرة في الأرواح التي تكبدتها تلك القوات بعد الاحتلال الا أن الادارة الأمريكية تعمدت عدم الاعتراف  بوجود المقاومة الوطنية و لجأت الى تبرير سقوط القتلى من الجنود الأمريكان الى نشاطات  ما تبقى من جيوب القوات المسلحة العراقية. و امعانا في هذا التجاهل للخسائر الأمريكية المتواصلة أنذاك ، خرج الرئيس جورج دبليو بوش في اليوم الأول من أيار عام 2003  ليعلن خبر « الانتصار الكبير وانتهاء العمليات العسكرية في العراق» أمام حشد من كبار قادة البنتاغون وطواقم البيت الأبيض وفريق المحافظين الجدد. الا أن هذه الفرحة لم تدم طويلا اذ سرعان ما توالت خيبة الأمل على هؤلاء القادة عندما وجدوا أنفسهم  متورطين في مستنقع الحرب الاستنزافية التي شنتها عليهم المقاومة الوطنية العراقية بلا هوادة. ولم يتخلصوا من هذه الورطة حتى عندما زادوا أعداد الجيش الأمريكي في العراق. وقد عبر عن هذه الخيبة الكاتب الأمريكي توم ريكسفي في كتاب أصدره عام 2006  عنوانه "الفشل: مغامرة القوات الأمريكية في العراق". وهذا الكتاب حقق في وفتها أعلى المبيعات بأمريكا لأنه كان يحمل رؤية لاذعة لما حصل من نكسة للجيش الأمريكي في العراق بعد عام  2003.. ان خيبة الأمل للشغب الأمريكي في قواته وازدياد أعداد القتلى ، كانت من الأسباب الرئيسية التي دعت الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى اعلان قرار الانسحاب من العراق في تشرين الأول من العام 2011،  خلال خطاب ألقاه عبر وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية.

ولم تكن مهمة المقاومة العراقية بالسهلة في تحقيق الانتصار الكبير على قوات الغزو الأمريكية بل كانت معقدة جدا وشبه مستحيلة اذا ما قورنت بالمسارات التي سلكتها حركات التحرر الأخرى في العالم.

1.لأن المقاومة العراقية واجهت الجيش الأمريكي وهو أقوى قوة عسكرية في العالم الذي وصلت عدد قواته في العراق الى 150 ألف مجند توزعت بشكل مركز في المناطق التي يكثر فيها نشاط المقاومة العراقية أو ما سموه  الأمريكان وقتها "بالمثلث السني". وهذه المناطق النشطة للمقاومة شملت بالدرجة الأولى الموصل وكركوك وتكريت وسامراء وبغداد وبعقوبة والرمادي والفلوجة.

2. في عام 2003  لم تكن روسيا تتمتع بنفس القوة العسكرية التي هي عليها الأن وبالتالي كان الوضع الدولي يخضع الى حالة استفراد القطب الواحد وهو أمريكا. التي استغلت هذه الميزة سياسيا لتحريم الدول بما فيها العربية على الاعتراف بالمقاومة العراقية اعلاميا أو مد يد المساعدة العسكرية أو المادية لها .وقد أعلن الرئيس جورج بوش هذه السياسة الأمريكية بصراحة ووضوح, قائلا في حينها  "أن الذي لا يقف مع الولايات المتحدة فهو ضدها". أي أن الجميع يجب أن يكون في خندق واحد، وهو الخندق الذي تقوده الإدارة الأمريكية.

3.لا توجد في العراق تضاريس جغرافية معقدة تصلح للتخفي في حرب العصابات ، على الأقل في المناطق التي تواجدت فيها المقاومة. مما جعلها عرضة لخطر الانكشاف بسهولة من قبل الطيران المعادي.

4. ظهور داعش كحركة تخريبية متطرفة بتواطؤ من المخابرات الأمريكية والايرانية والتي كانت تستهدف المدنيين بتفجيراتها أكثر من القوات الأجنبية  و الصاق هذه الأعمال التخريبية بالمقاومة الوطنية لتشويه سمعتها. وعملت هذه الحركة المتطرفة لاحقا على تكفير فصائل المقاومة الوطنية واستهداف أفرادها عسكريا.  بالإضافة الى داعش برزت حركات مسلحة أخرى مدعومة من الخارج وتعمل بالضد من حركة المقاومة الوطنية مثل القاعدة والصحوة والمليشيات الموالية لا يران.

5. الافتقار الى وجود قيادة موحدة للمقاومة الوطنية ، لكن ذلك العائق لم يمنع من حصول تفاهمات بين الفصائل المسلحة على المناطق التي يعمل بها كل فصيل مسلح تجنبا لحصول تداخل في نشاطاتها العسكرية.

6. اعتمدت المقاومة الوطنية في كفاحها ضد قوات الغزو المدججة بالأسلحة المتطورة  ، على أسلحة فردية بسيطة ولم تكن تمتلك الأسلحة الثقيلة.

7. بعد أن أقرت الولايات المتحدة بهزيمتها أمام المقاومة الوطنية وقررت سحب قواتها العسكرية من العراق عام 2011 عمدت عن قصد على ارتكاب جريمة كبرى بحق العراقيين وذلك بتسليمها مقدرات العراق الى ايران العدو اللدود له على مر الزمن وبالتالي منحتها حق الوصاية عليه الى يومنا هذا. بينما جرت العادة أن تقوم القوات الأمريكية بالتفاوض مع حركة المقاومة الوطنية لتسليمها السلطة بعد انسحابها من البلاد كما حصل في حالة غزوها لفيتنام وأفغانستان. لذا فان تواطؤ المحتل الأمريكي مع ايران في هذا الجانب كان مقصودا لإبقاء العراق دولة ضعيفة كي لا تشكل خطرا على الكيان الصهيوني في المستقبل.

 وعند إجراء مقارنة بسيطة  بين حالة المقاومة العراقية وتلك التجارب التي حصلت مع قوى التحرر الأخرى ضد الاحتلال ، تتكشف عدة حقائق مهمة تؤكد أن ما حققته المقاومة العراقية من نجاح هو أشبه بالإعجاز. فالظروف الطوبوغرافية الملائمة لحرب العصابات  مثل التضاريس الجبلية والغابات الكثيفة والمستنقعات والتي كانت من المستلزمات الضرورية لنجاح المقاومة الفيتنامية والأفغانية والأوكرانية والجزائرية  قد انعدم توفرها في حالة المقاومة العراقية ..يضاف الى ذلك انعدام توفر الدعم المادي واللوجستي للمقاومة العراقية من الخارج والذي توفر بسخاء لحركات المقاومة الأخرى. فعلى سبيل المثال أن دولة عربية مثل قطر لم تكترث بفتح مكتب سياسي للمقاومة العراقية لديها، لكنها لم تتردد في فتح مثل هذا المكتب لحركة طالبان الافغانية وتم من خلاله لعب دور الوساطة بين حركة طالبان والحكومة الأمريكية. وبالرغم من شحة الامكانيات فان المقاومة العراقية تسببت في مقتل حوالي 5000 عسكري أمريكي خلال فترة 8 سنوات حسب الاحصاءات الأامريكية الرسمية ،بينما لم تفقد أمريكا سوى 2500 عسكري خلال 20 سنة من حربها في أفغانستان .لكن الأهم من ذلك كله أن المقاومة العراقية  أعطت درسا بليغا بأن شعب العراق عصي على مشاريع الاحتلال لمن تسول له نفسه  محاولة مليء الفراغ الناتج من فشل الاحتلال الأمريكي للبلاد. كما بعثت المقاومة بالأمل مجددا في عودة العراق الى انتمائه العربي و قدمت نفسها كبديل وحدوي قادر على ضم جميع مكونات النسيج العراقي في بوتقة واحدة  تتجاوز المشروع الطائفي الحالي الذي كرس مشاريع التقسيم بكل أشكالها.

الرحمة لشهداء المقاومة العراقية وأسكنهم الله فسيح جناته وتحية لرجالها الذين بقوا وفيين على العهد رغم المضايقات والملاحقات التي تعرضوا لها. ونقول لهم صبرا جميلا فان جهودكم الكبيرة وتضحياتكم لم تذهب سدا فهي التي حفظت العراق من التقسيم وجعلته اليوم بعون الله أقرب الى النصر والتحرر من أي وقت مضى.

 (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).                                                                                                                                            

أ.د.مؤيد المحمودي

29/3/2022

 

 






الاربعاء ٤ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د.مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة