شبكة ذي قار
عـاجـل










في الذكرى 75 لمولد البعث الخالد  حوار  بين البعث وحزب البعث  من خلال بدايات التأسيس  - الحلقة الأولى

زامل عبد


من المسلمات الفكرية ان ولادة البعث استجابة واعية لحاجات الامه العربية ورد ميداني على كل التحديات التي واجهتها وتواجهها الامة العربية وخاصة في يخص هويتها ورسالتها الانسانية الرسالية لأنها الامة التي حملت مشعل العدل والحرية والمساواة التي جاءت بها رسالة الإسلام المحمدي الى الأمم الأخرى  ،  ومن خلال هذه المهمة نجد البدايات الأولى للقائد المؤسس الرحوم أحمد ميشيل عفلق لم تكن التركيز على الطابع السياسي الحزبي فقط  وإنما كانت ذات طابع فكري وأدبي لذلك لم يبدأ نشاطه الاجتماعي بتأسيس حزب سياسي ، وإنما بدأ ببلورة مشروع فكري وحضاري أنتجته معاناته وحواره مع الأفكار السائدة في أوساط الجمعيات والمنتديات الفكرية والثقافية النخبوية في عقد الثلاثينات من القرن التاسع عشر وعليه يمكننا القول  كانت معركته الأولى تتمثل في حسم العلاقة بين الثقافة والسياسة حيث كان الفهم السائد حينذاك ينظر الى المثقف كونه الشخص المترفع عن السياسة بكل ما كانت تحفل به من خبث ومؤامرات ودسائس ، فشرع في طرح مفهوم جديد للثقافة والمثقف بحيث ترتبط الثقافة بالحياة وواقع المجتمع وتطلعاته ، وأحدث ثورة أخرى في مفهوم السياسة بحيث ترتبط بالأخلاق والترفع وقيم الرسالة فجاءت المرحلة التي دشنتها حركة نصرة العراق عام 1941 ، وبعد أن ترك مهنة التدريس في عام 1942 ونذر نفسه لمشروع حضاري كبير تبلور في ذهنه ووجد انه بعد معاناة كبيرة ، ثم أعقبتها تكوينه فرق الجهاد الوطني لمقاومة العدوان الفرنسي  في سوريا ، بعد تأسيس حركة الإحياء العربي  وصولا الى تأسيس الحزب وكان في كل ذلك القائد المبادر ألمميز بين المبدأ كروح والمبدأ كذهن  ،  لهذا في بادئ الامر لم يقم بصياغة نظرية كاملة وتصور فلسفي لم تنجبه ارض الواقع والتجربة وانما كان شديد ا لإيمان بان المعاناة وخوض التجارب النضالية هي التي تصقل الانسان وتولد الابداع وتبلور النظرية الحية وأن تحقيق عمل يسير افضل من أعظم نظرية في بطوق الكتب والاذهان  ، فكانت احاديثه وكتاباته عن الحركة التاريخية وشروطها وعن الجيل الجديد وشروط تكوينه  وانتقل لذلك من الثقافة النظرية الى العمل الثقافي والسياسي في شكل مشروع حضاري انساني شرطه الأخلاق وميز بوضوح منذ البدء بين البعث كغاية والحزب كوسيلة ووضع الشروط الصارمة لهذا الحزب لكي يكون حزب بعث  لكل ذلك وضع البعث فوق الحزب  والحزب فوق الثورة ، والثورة فوق السلطة والدولة والجماهير هي الأصل والمرجع وهي البعث ذاته في حالة نهوضها وانبعاثها وحدد الغايات البعيدة للعمل الحزبي والنضال السياسي كونه أداة تربوية بحيث يجب أن لا يتحول الحزب إلى غاية في ذاته وينسى اصل مشروعه النهضوي الانبعاثي مهما تعقدت الظروف السياسية وكبرت المعوقات وادلهمت الخطوب  ، لقد كان الدافع الأول لنشاط البعث هو الدافع الحضاري ، لذلك يرى المرحوم القائد المؤسس أن الأمة هي الأصل  والحزب وليد آلامها ومعاناتها وتشوقها الى النهوض والانبعاث  ولهذا لم يبدأ ألمرحوم القائد المؤسس مشروعه النهضوي الحضاري الانبعاثي بتأسيس الحزب  وإنما اتخذت المسيرة التي بدأها صفة ( الحركة ) ، وكان يصر على وصفها بأنه ( رسالة لا سياسة ) لذلك أخذت الكتابات الأولى التي سبقت تأسيس الحزب طابع المشروع الثقافي وليس البرنامج السياسي الحزبي  والحزب الذي تأسس في 7 نيسان 1947 أداة لتنفيذ المشروع النهضوي الحضاري الانبعاثي تكشف  كما بلور موقف الرحوم القائد المؤسس من مسألة العلاقة بين الثقافة والسياسة تلك القضية التي لا يزال يدور حولها الجدل وسط المثقفين العرب  وخاصة أولئك الذين يحاولون الهروب من الالتزام بمبدأ ثابت أو عقيدة محددة بحجة الحفاظ على حرية المثقف واستقلاليته ، وكان المفهوم السائد للثقافة يقترن بالأدب والفكر المجرد والطابع النخبوي المثالي في النظرة الى الحياة كما أن الممارسة السياسية العربية وأحزابها التقليدية وما يكتنفها من مصالح وأنانيات وممارسات لا أخلاقية كانت تعزز هذا الميل للفصل بين الثقافة والسياسة  ،  ويأتي الرحوم القائد المؤسس ليقلب هذا المفهوم رأسا على عقب ويطرح معنى جديدا للعلاقة بين السياسة والثقافة ، فاضحا طابع الهروبين والتبريري المجرد للمفهوم السائد للثقافة العربية آنذاك ويبدأ معركته في عام 1943 بطرح السؤال {{  كيف يجب أن نفهم الثقافة  ؟  }} فيجيب {{ هي أولا مشاركة في الجهد وليست انفعالا وتكيفا ( وأن على الشعب العربي أن يفهم الثقافة بأنها نوع من أنواع النضال ، النضال مع النفس والنضال مع الفكر لكي يتعب في تحصيل المعرفة ولكي يجرؤ على تبديل الأسس السطحية في التفكير الشائع التي هي في داخله ، لكونه ابن وسطه ، لكي يعيد النظر في كل الأمور الأساسية حتى يصل الى النظرة الجديدة  ، فالثقافة ليست شيئاً جامدا يدخل على الرأس ويستقر وإنما هي حركة وحياة تتفاعل مع الشخص ، تؤثر فيه ، لها حاجات ومطالب ومستلزمات ، ولها وسط تنبت فيه وتتخذ معناها  فهي  تعبير عن حياة حقيقية  }} ، ولهذا فأن الجيل الجديد يشترط وجود فهم معين للثقافة ونوع معين من المثقفين متحررين من وهم الثقافة الاصطلاحية  ذلك لأننا لا نريد أن تبقى الثقافة غاية في نفسها ، بل وسيلة لتقويم الأخلاق وتنشئة مناضلين في سبيل البعث العربي  ، كما أن العقيدة لا تكتسب مبررها الوحيد – وهي الحرية – إلا إذا استطاعت أن توازن وتعادل القوى الواقعية الفاسدة الراهنة – واكثر من ذلك أن تتفوق عليها وتنتصر ، ولا يمكن أن تنتصر على القوى الفاسدة بالكلام  وانما بالعمل الإيجابي ولولا ذلك  كما يقول ألمرحوم المؤسس {{  لما جعلنا حزبنا منذ اليوم الأول لتأسيسه حزباً سياسيا  ويضيف قائلا ما زلت أذكر أن الكثيرين ممن كانوا يغارون على البعث أو يظهرون الغيرة عليه أخذوا يتساءلون عندما ظهر الحزب بالقول لماذا اخترتم هذا الطريق وأنتم جماعة مثقفة خيرة ؟  لماذا لا تكونون حركة لنشر الفكر والتبشير ؟  ،  بل ربما كان بعض الأعضاء الذين دخلوا الحركة في أول عهدها قد أخذوا بهذا الوهم أو الخطأ .. وقد أجبنا المتسائلين بأن الصفة السياسية التي حرصنا على أن تكون أصيلة في الحزب منذ أول تأسيسه ، ومنذ ولادته هي امتحان لجديته ولواقعتيه ، وهي درء لشتى الأخطار التي تتعرض إليها الفئة المثقفة كالخيالية والمثالية والجبن الذي يتستر بالمبادئ وفقد ان الرجولة ، ولكل ذلك جعلنا السياسة امتحاناً للإيمان والمثالية ، كما يقول المؤسس ولكن لم تكن السياسة غاية في أي حال من الأحوال لأن مصيرنا في هذا العصر يتعين ويتقرر بالفكر والنضال معاً إذ أن الميزة التي سمحت لهذا الحزب بأن يقوم بدور أساس في حياة شعبنا كان لأنه جمع الفكر الى النضال  ، كما أن الثقافة يجب أن تكون سلاحا في يد الثورة لأنها تنقل الثورة وتنقل الآمال والأهداف الثورية من حيز العواطف والتمنيات المبهمة الى درجة الوعي الواضح والمنظم والمخطط  }} تلك كانت بداية ثورة في مفهوم الثقافة والمثقف نقلتها من الطابع النظري المثالي الى المعنى العملي الميداني الشامل وهي ثورة في مفهوم السياسة بنقلها من الطابع الانتهازي الاناني المصلحي المرتبط بالخداع والمناورات الى المعنى الرسالي الأخلاقي الثوري الخلاق
يتبع بالحلقة الثانية 

 





الاثنين ٩ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة