شبكة ذي قار
عـاجـل










في الذكرى 75 لمولد البعث الخالد  حوار  بين البعث وحزب البعث  من خلال بدايات التأسيس  - الحلقة الثانية

 

زامل عبد

 

القائد المؤسس رحمها الله كان يدرك منذ البدء أن الحركات التي تنشأ في مجتمع ما ، إما أن تكون سطحية وقتية وإما أن تكون جدية اصيلة ، وكلا النوعين لا بد أن يتأثر بظروف المكان والزمان المحيطة به ولكن نوعية هذا التأثر بظروف الزمان والمكان هي التي تعين نوع الحركة فإذا كان تأثر الحركة منفعلا سلبيا ، استنفد كل إمكانياتها وقواها حتى تغرق في ظروفها عددناها من الحركات السطحية الآنية العابرة ، وإذا استطاعت الحركة أن تتأثر بالظروف المحيطة بها دون أن تغرق فيها ، بل تحتفظ بالسيطرة عليها لتوجهها كانت من الحركات الجدية الاصيلة  ، وفي عام 1950 كتب المزيد عن شروط هذه الحركة {{ أنني أستطيع تعريفها بأنها الحركة التي تستطيع أن تسيطر على الظروف ، وهذا يعني أن كل ما يجري في بلاد العرب ، وكل ما ينشأ فيها ويظهر ويعمل من أحزاب وتكتلات وقوى سياسية تتصف بالصفة المعاكسة تماما ، وهي أنها كلها خاضعة للظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والنفسية  ،  فالمشكلة بالنسبة للعرب هي أن يتمثل نزوعهم الى الحياة والتخلص من هذه الأوضاع في حركة تستطيع أن تسيطر على الظروف التي فشلت كل الحركات والجهود الأخرى في السيطرة عليها ، فأصبحت مقوية للفساد ومدعمة له لا لأنها في الأصل فاسدة أو ترغب في الفساد ، بل لأن بعضها لم يعد العدة الكافية لكي يسيطر على الظروف وأن تكون من الناحية الفكرية في مستوى القضية التي تحاول حملها وهذا يعني أن التفكير الذي تبنى عليه هذه الحركة  يجب أن يكون تفكيرا عربي وأن يعالج جميع المشاكل الأساسية التي تتعلق بحياة العرب والشعب العربي  ،  كما اشترط صفة الأخلاقية في هذه الحركة لذلك عبر عن هذه الفكرة بصفة ( الانقلابية ) فالانقلاب قبل أن يكون برنامجا سياسيا واجتماعيا ، هو هذه الحركة الدافعة الأولى وهذا التيار النفسي القوي ، هذه المغالبة التي لابد منها والتي لا يفهم أي بعث للأمة بدونه  }} والانقلاب العربي كما يرى ألمرحوم القائد المؤسس لن يحققه أعضاء البعث وحدهم فهم ليسوا إلا الطليعة التي سترشد الأكثرية من الشعب نفسه ، وهذه الطليعة التي يجب أن تعد عشرات الألوف هي الضامن لتحقيق الانقلاب وقانونها هو أن تنظر الى الحياة نظرة جديدة ، مختصرة قوية ، أي أن تتحرر من كثير من الأثقال التي يحملها أفراد مجتمعنا المريض ، أثقال التعلق بالمادة والاعتبارات المعنوية الزائفة ، والأنانية والمنفعة الخاصة ، وأن تصبح هذه الطليعة خفيفة في نفسها ، أي أن تكون متحررة من القيود غير عابئة بالمنافع وأسباب اللذة والراحة ، خفيفة أيضا في أسلوب عملها ، كي تستطيع تحقيق الانقلاب  ، هكذا يصمم القائد المؤسس حركته التاريخية ويضع شروطها منطلقا من أن الشعب العربي تتقدمه الطليعة الواعية المؤمنة سيمضي في نضاله التحرري التاريخي ، سالكا الطريق الذي اختطته الحياة لكل عمل صادق أصيل طريق الانبعاث من الداخل لتتكون النفوس قبل الوسائل والعزائم قبل الأسلحة والتيار الحي الذي يخترق روح الأمة ، ويكشف عن كوامنها ويلامس حريتها في أعمق جذورها  وقد ترجم المرحوم القائد المؤسس مفهومه لهذه الحركة التاريخية الطليعية حينما أسس في عام 1941 ( حركة نصرة العراق ) التي نظمت تظاهرة طلابية في اكبر ثانوية في دمشق - مدرسة التجهيز الأولى - وذلك لدعم وإسناد ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941 ، وتتبلور لديه فكرة التنظيم القومي وكانت نواته الأولى في عام 1942 باسم ( حركة الإحياء العربي ) التي أصدرت عدة بيانات سياسية  تعبر عن مواقفها السياسية من قضايا الأمة ، ثم تحولت الى اسم ( حركة البعث العربي ) في عام 1943 وتم رفع شعاره  - أمة عربية واحد ة    ذات رسالة خالدة  - وفي عام 1945 شكلت حركة البعث فرق الجهاد الوطني لمقامة العدوان الفرنسي على دمشق  ،  وفي العام التالي 1946 أصدر المؤسس مع رفيقه المرحوم صلاح الدين البيطار صحيفة البعث وفي عام 1947 انعقد المؤتمر التأسيسي ليظهر الى الوجود حزب البعث العربي ويتم انتخاب المرحوم القائد المؤسس عميداً له  وهنا تم الانتقال من الحركة إلى الحزب وتحدد مهمة العمل الحزبي وشروطه  التي يهىء من خلالها وبصمت وصبر واستمرار لتلك الأيام النادرة التي تتاح الامة العربية كي تؤدي فيها امتحاناً ، ولكي تظهر فيها ما اختزنته في أيامها العادية ، بفضل صبرها ونشاطها وتجرده  ، حيث اكد الرفيق المرحوم أحمد ميشيل عفلق على ان حزب البعث العربي {{ هو ملك للأمة العربية وللمستقبل العربي وليس ملكا لفرد أو أفراد ولا حتى ملكا لأعضائه المنتمين اليه  .... ذلك لأننا نعرف بأن الأمة هي الخالدة ، وبأن جيلا يعمل ويمضي ويأتي بعده جيل ، وأجيال ، وأن علينا أن نوفي قسطا من هذا الطريق .. وأن الأجيال ألعربية تحتاج الى عشرات السنين حتى تلحق بفكرتها .. ولأن هدف البعث هو توحيد الشخصية العربية قبل توحيد الأمة العربية }}  لذلك يرى الرحوم القائد المؤسس أن العمل الحزبي المنظم هو المجال المناسب لخلق الانسان العربي الجديد فيقول   {{  في حزبنا لا ترد المحاذير التي ترد في الأحزاب الشيوعية إذا نحن بقينا أمناء لمنطلقاتنا .. فالتربية لا يدخلها الاصطناع وقولبة الشخصية بحيث يفقدها الحرية والابداع ، ولكنه ينقذها من التسيب والميوعة والضياع والفردية التي تشل الحرية الغربية .... وأن أهم مقياس للنجاح في نظر حزبنا هو أن نرجع الى الجماهير ، الى جماهير شعبنا بين الحين والآخر ، ونحن نعيش مع هذه الجماهير ،  ضمنها ومن داخلها ونتعاون معها ولكن بين الحين والآخر ، علينا أن نوقظ حس النقد والمراقبة فيها ، لنرى الى أي حد هي راضية ؟ والى أي حد متفاعلة قلبا وقالبا مع مسيرة الحزب ؟  والى أي حد تقدم وعيها ؟ والى أي حد نمت كفاءتها نتيجة الممارسة والمشاركة ؟ هل تتلقى الخدمات من الثورة وتشكر؟ أم أنها تشارك في صنع الخدمات .. وهذا الانتاج وهذا التقدم ؟ هل تشعر بأن الحزب شيء أعلى منها يعطيها ؟ أم تشعر بأنها هي الحزب ؟ وبأنها لا تأخذ من أحد وإنما هي تنتج وهي تعطي للأمة  ،  إن الجماهير هي الأساس وهي الأصل هي القوة الحقيقية الثابتة والدائمة .. فعندما نطمئن الى أن الجماهير تشارك وتزداد مشاركتها يوما بعد يوم وسنة بعد سنة وبالتالي أن الأمة ترتقي  }}  وكان يرى رحمه الله أن الحزب مفجر الثورات أي هو فوق الثورات  ،  وإذا أخطأت الثورات فالحزب موجود لكي يصحح ولكي يقوم الحزب بهذا الدور لا بد أن يجدد الحزب ذاته  وأن يعود الى أصل مشروعه ومبادئه ، لأن الحزب الذي يضطلع بمهمة تاريخية في سبيل بعث أمة ، لا يخاف من أن ينتقد ذاته وأن يرى أخطاءه لأنه يعرف أن هذا شرط أساس من اجل أن يصحح سيره وأن يسرع في تحقيق أهدافه

 

يتبع بالحلقة الثالثة






الاثنين ٩ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة