شبكة ذي قار
عـاجـل










        بين السذاجة والتخطيط خيط رفيع اسمه الحقيقة.. كيف؟

يتساءل البعض، هل ان "جو بايدن" ساذج ؟ وهل ان مستشاريه الذين يحيطونه بمعلومات الإستشارة كلما تطلب الموقف الدولي او الاقليمي او المحلي الامريكي سذج ؟ والسذاجة التي يصفون بها بايدن هي من اي نوع ؟ وما هي منابعها وبالتالي دوافعها ؟ ثم انعكاساتها على مختلف السياسات التي تعمل في ضوئها الولايات المتحدة الامريكية ؟ لأن الرأي الناجم عن تناقضات ما يجري ربما من الصعب تصوره ، بمعنى ان التناقضات والتعارضات في السياسة الامريكية ونتائجها الصادمة قد تدفع البعض الى الاعتقاد بأن مثل هذه السياسة هي من فعل (ساذج) وبالتالي فهي سياسة ساذجة أو غبية.!!

ليس صحيحاً مثل هذا التحليل او الاعتقاد . لأن الدولة الامريكية لا تحكمها الصدف ولا تدفع بها رياح ردود الافعال ولا تتحكم بها مزاجية رئيس ولا اهواء حاكم .. إنها قطعًا دولة مؤسسات تصنع القرار وتخطط من اجل صنعه وعلى مديات .. إنها تخطط لما تريد فعله في المدى الراهن والأدنى والمدى الأقصى. وهي بهذا تتبنى ستراتيجية في مديات ثلاثة (قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى) تسمى الإستراتيجية العظمى.. وكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض، سواء كان يحكمها الثنائي- المتفق والمتعارض- الحزبان الجمهوري والديمقراطي، ملتزمة بهذه الاستراتيجية، التي يتصف مداها البعيد والمتوسط بالثبات النسبي، أما في مداها الراهن او القصير فتحكمها جملة من المتغيرات الناتجة عن سياسات مختلفة ومتنوعة تصدرها دول العالم حول احداث ومواقف وردود أفعال، قد تكون سياسية أو اقتصادية او امنية- إستخباراتية أو عسكرية في شكل ضغوط لأغراض فرض الارادات أو لي الأذرع أو عض الأصابع. والمشكل لدى هذا البعض من الكتاب والمحللين، يخلطون بين هذه الأبعاد الإستراتيجية ولا يفرقون بين خطواتها أو مراحلها، كما أنهم يخلطون بينها وبين أدواتها .. وكما نعلم ان الإستراتيجية هي تخطيط يجمع بين الأهداف والوسائل أو الأدوات. والأهداف البعيدة المدى في التخطيط الاستراتيجي الامريكي هي:

1-إعمام الرأسمالية 2- إعمام الحياة الغربية والامريكية 3- إعمام صيغ العولمة السياسية والاقتصادية والصناعية والثقافية الغربية على العالم 4- الهيمنة على العالم.

أما المدى المتوسط في التخطيط الإستراتيجية الأمريكية فأن اهدافها هي 1- منع تبلور أية قطبية تظهر في صيغة بناء عناصر القوة المتكاملة المتوازمة اقتصادياً- عسكرياً لدى الدول الكبرى والعظمى 2- إعاقة إستثمار المجال الحيوي للخصوم  (الصين و روسيا الاتحادية و أوربا) وتدمير أية محاولات في هذا المجال 3- استمرار العمل بسياسة (محاربة الارهاب) على المستوى العالمي 4- الاستمرار في تبني سياسة (التوكيل) او العمل بـ(الوكالة) وعلى مستوى الدول والجماعات السياسية، وتسخيرها في خدمة الاهداف الامريكية المرسومة والمحددة، كتسخير الدولة الإيرانية لتنفيذ نظرية (الفوضى الخلاقة) في الوطن العربي وذلك بتجريف القوى وتفكيك الهياكل الاقتصادية والعسكرية للدول العربية بعد ان يتمكن الامريكان من تكريس (فراغ الأمن) في البلد الذي يتعرض للإحتلال 5- تأمين حماية كاملة وشاملة للأمن الإسرائيلي 6- نهب ثروات المنطقة (النفط والغاز والمعادن النادرة)..هذه هي الأهداف الأمريكية للمدى المتوسط في التخطيط . وقد توزعت على العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص .

وهناك خطط ميدانية تشكلها حركة الواقع الاقليمي والدولي، هذه الخطط تأتي في شكل سيناريوهات تعدها جهات امريكية معنية، كمراكز الأبحاث المتخصصة، فضلا عن المؤسسات الأمنية والإستخباراتية والعسكرية التي تصوغ هذه السيناريوهات كما تضع البدائل للحالات والاحداث التي تدفع بها السياسة الى الاحتقان والتوتر ومن ثم الإشتعال .. عندها تقوم الدبلوماسية بالحركة المكوكية التي لن تأت بنتيجة ويظل ملفها معلقاً أو مغلقاً. كملف القضية الفلسطسنية و ملف الصحراء المغربية و ملف الصواريخ البالستية الايرانية وقواعد إطلاقها و ملف المسيرات الحربية التي تهاجم دولاً اخرى و ملف عرقلة الملاحة في البحار العالية والمضائق العالمية وقرصنة السفن التجارية وملف جرائم الإبادة الجمعية.. هذه الملفات تتعمد امريكا أن تكون مفتوحة او مغلقة لكي تُشَغِل عليها الدبلوماسية الامريكية في ضوء الحركة السياسية الميدانية للساحات الاقليمية المعنية في هذه الملفات.

واللافت في الأمر بعيداً عن تشابك المفاهيم وتداخلاتها بين الاقليمي والدولي، يتوجب متابعة التناقضات المدروسة في عمل السياسة لبعض هذه الملفات، خاصة القريبة من الملف الايراني النووي والمباحثات الماراثونية التي تجري على حافاتها في فيينا، وهي مكشوفة ما دامت قواعد اللعبة المتعلقة بالملف النووي الايراني مكشوفة ايضا.. كيف؟

اتخاذ مواقف متعارضة ومتقاطعة في فترات ليست بعيدة، والتلويح بنقضها والتراجع عنها مثلاً : ان امريكا تعلم علم اليقين بأن (الحرس الثوري الايراني) هو دولة ايران الارهابية وهو الذي يصدر الارهاب الى المنطقة والعالم، وهنالك احداث ووقائع يصعب عدها والدخول في تفاصيلها، فقد ادخلته امريكا في ملف الارهاب ، ثم لوحت برفعه من القائمة.. وأدخلت الحوثيين في ملف الارهاب، ثم لوحت برفعهم من القائمة.. الأمر الذي يترك المتابع يتسائل (هل ان الحرس الايراني ارهابي أم لا ؟) وهل (أن الحوثيين التابعين لإيران إرهابيون أم لا ؟).. الحقائق والوقائع والاحداث تؤكد بأنهم إرهابيون، فلماذا إذن إدخالهم وإخراجهم من دائرة العقوبات كلما تطلب الأمر ذلك؟

دعونا نبحث ايضاً في موضوع رفع العقوبات عن إيران مقابل قبولها التفاوض المباشر والالتزام ببنود الاتفاق وبضمانات عدم الإلغاء أو الخروج من الاتفاق، وهي مبالغ بمليارات الدولارات .. والتساؤل الواقعي اين ستذهب هذه المبالغ الطائلة، كما ذهبت سابقاتها في عهد باراك اوباما الذي يعشق الفرس ويكره العرب والمسلمين، حتى تبقى ايران تتصدر صناعة الارهاب الى الخارج من خلال الأذرع المليشياوية المزروعة والمقادة من قبل الحرس الثوري الايراني الارهابي :

أولاً- ستذهب الاموال عن رفع العقوبات الامريكية الى حزب الله الارهابي في الجنوب اللبناني.. إذن ما معنى وضع حزب الله في قائمة الارهاب وفرض عقوبات عليه؟

ثانياً- ستذهب الأموال عن رفع العقوبات الامريكية الى منظمة حماس والجهاد الاسلامي الفلسطينيتان التابعتان إلى (الولي الفقيه) بإعتباره الممول والداعم لأعمال شق وحدة النضال الفلسطيني وشرذمته.. إذن ما معنى وضع منظمة حماس ومنظمة الجهاد الاسلامي الفلسطينيتين في قائمة الارهاب وفرض العقوبات عليهما؟

ثالثاً- ستذهب الاموال الى الحوثيين اليمنيين المرتهنين الى طهران ومهمتهم غلق مضيق باب المندب والقرصنة في الخليج العربي والسيطرة على الملاحة الدولية وضرب مراكز النفط (آرامكو) في السعودية ومراكز اخرى حيوية كالمطارات والمدن كثيفة السكان.. إذن ما معنى وضع قيادة الحوثيين والحوثيون في قائمة الارهاب ورفعهم منها؟

رابعاً- ستذهب الاموال الامريكية الى مليشيات العراق لتزيد من ضربها الصاروخي على السفارات والقنصليات والمطارات والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية والاسواق الشعبية بمتفجرات الموت .. إذن ما معنى ان تسفر السياسات الأمريكية عن اهداف الموت وتقوية إيران المعتدية؟ وما معنى ان يلغي الكونغرس الأمريكي قراره السابق بتمويل المليشيات العراقية برواتب شهرية

خامساً- ستذهب الاموال الأمريكية الى شبكة الوكلاء والارهابيين حول العالم، طالما اعترفت طهران بأن لديها جيوش سرية يمكن تحريكها في ساحات اوربية ولآتينية وأفريقية حتى في الداخل الأمريكي؟

رفع العقوبات عن إيران سيؤدي في النتيجة إلى زيادة معدلات الارهاب حول العالم، وتفاقم حالات الصراع في منطقة الشرق الأوسط وزيادة في معدلات التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، والذي ينتج زيادة في عدد الدول الفاشلة مثل (الصومال وهاييتي وليبيا وتونس واليمن وسوريا ولبنان والعراق).؟

امريكا تدير ملف ايران من خلال عناصر ولآية باراك أوباما الذي يعشق ايران ويكره العرب، استبقتهم إدارة جو بايدن والتي سبقتها، ومن أبرزهم " روبرت مالي " و " بريت ماكغورك " اللذان يصنعان سيناريوهات التعامل مع الملف الايراني النووي وملف الارهاب وقوائم الارهابيين في المنطقة.. والنتائج كلها تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، لأن (السياسة- الإستراتيجية) الامريكية تضع في قمة إهتماماتها (أمن إسرائيل)، فيما تعهد اوباما في منظمة (إيباك الصهيونية) بأن يكون سنداً قويا ولن يسمح بتعريض الأمن الإسرائيلي الى الخطر.. وليس هناك من خطر يتهدد هذا الكيان . هذا الرئيس الامريكي يتعامل بحرارة حميمة مع ايران ويعشقها ويكره العرب .. ليست هناك مزاجية في التخطيط الإستراتيجي الامريكي، والمزاجية تظهر بشكل واضح كسلوك تفرضه طبيعة الطاقم الذي يحيط بالرئيس أوباما ومعظم طاقمه هذا من (أصول فارسية)، هذا الطاقم هو الذي يغذي مزاج الرئيس بالكراهية، فيما الرئيس أوباما لديه الاستعداد النفسي والإرادي لتقبل مغذيات الكراهية والحقد العنصري.. وهو في هذا الوضع كان ينبغي ان لا يستمر في ولايته، طالما كان غير حيادياً ويحمل الكراهية العنصرية، فيما بلاده تدعو الى الحرية والديمقراطية.. ولكن إرادة (الإيباك) كانت ولا زالت هي الأقوى في إختيار الرؤوساء ووزراء الخارجية والدفاع والخزانة وخبراء البيت الأبيض.

ومن العجيب ان يعتقد البعض بأن "ترامب" كان يصلح للتعامل مع النظام الفارسي .. ولكن ولآية جو بايدن هي إمتداد لولآية باراك أوباما في مجال الركوع والخنوع والإذلال وهي الدولة العظمى، فيما تكون ولآية ترامب هي الأخرى مكملة لنهج تخطيطي واحد تجاه نظام طهران الإرهابي .. فما الذي تخفيه واشنطن وراء توسلها وخنوعها؟

بايدن من الصعب ان يستمر الى ولآية ثانية لأسباب متعددة منها تراجع قدراته الذهنية وكثرة زلات لسانه وعدم حضوره الفاعل على مستوى احداث العالم وعدم لياقته وتحسبه للمفردات والتوصيفات التي يطلقها على الهواء عند اتصالاته الخارجية وتعاملاته مع نظرائه .. مهمته عودة ايران الى الملف النووي الأكثر سوءاً الذي سيجعل العالم غير آمن..!!

د. أبا الحكم

04/04/2022

 






الاثنين ٩ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة