شبكة ذي قار
عـاجـل










ولادة البعث إحياء للقومية العربية

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ أكاديمي عربي من العراق

 

في حياة الأمم والشعوب محطات وانعطافات تاريخية تعلن عن سمات تلك الأمم والشعوب وخصالها، وبالذات عن حيويتها وقدراتها الخلاقة على التجدد وصناعة فرص الانبعاث بعد ركود وسكون واستكانة تفرضها ظروف وأحداث، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو علمي أو اجتماعي أو غير ذلك، وولادة حزبنا العظيم، حزب البعث العربي الاشتراكي هي الحدث الأهم والأخطر والأعمق في حياة العرب بعد رسالة الإسلام الحنيف. 

إن ولادة البعث قد حققت عملياً اشتراطات الانعطافة التاريخية، وصنعت معالمها ومشهدها، ليس فقط فيما أنتجته من فارق نوعي في توزيعات الخارطة السياسية التي نثرت العرب تحت أجنحتها الأجنبية، والتي استسلمت لسطوة عقائدية لا تمت لواقع العرب بشيء، وتحت ظلال العقلية المستسلمة لما فرضته منهجية سايكس بيكو الظالمة العدوانية، بل وفي صناعة المسار العربي الخاص في التفكير والتخطيط وفي الممارسة الميدانية القومية الوحدوية التحررية.

لم تلد الأمة بعثها بكل عوامل الانبعاث وقواعده وأساساته ومرتكزاته فحسب بل ولدت لغة التعبير عن احتياجاتها ومتطلبات مغادرة ما فُرض عليها من استلاب واحتلال ونهب منظم لثرواتها، هدفه صناعة الرفاهية لشعوب النهب وتكريس والايغال بإفقار العرب في منهج وسياسة مدروسة تعتمد الافقار طريقاً لاستلاب الإنسان وإيقاعه في دوائر التيه والتشتت وما يلحقها من الجهل وانعدام الوزن وضعف أو انعدام التأثير والتأثر بعوامل تطور العالم وازدهاره ومنتجاته المختلفة.

ولد البعث قبل خمسة وسبعين عاماً، وهو يدرك من بين ما يدرك أمرين حاسمين هما:

حجم التضحيات المطلوبة لولوج حياة الأمة التي أفقدها اليأس الكثير من دوافع وحوافز الحياة، واستسلمت لواقع لا يليق بها.

وكم وحجم العداء والتآمر الذي ستُوجَّه مكوناته الإجرامية ضد الفكرة القومية الانبعاثية الرسالية الوحدوية التحررية الاشتراكية.

لذلك كانت الفكرة وما ترشح عنها من فعل مستعدة تمام الاستعداد لتقديم التضحيات المستحقة لانتشال الأمة من مستنقعات التجزئة والتخلف والفقر والجهل ولإنتاج الطليعة العربية التي حملت ولا زالت تحمل مكونات ومتطلبات المشروع القومي الرسالي العظيم.

ولد البعث لتعيش الفكرة القومية وتجدد قدراتها على الخلق والإبداع والتغيير ولتكون القطرية التي فرضت على الإنسان العربي حافزاً للوحدة ومحركاً من محركاتها وليس قيداً يكبل كينونتها عبر إدراك وفهم عميقين يجعلان من الحزب نموذجاً للوحدة، وأن تكون حركة الحزب التاريخية الرسالية تحدياً علمياً منطقياً للقطرية عبر اعتماد صيغ وفتح نوافذ مختلفة ومتجددة للانطلاق من ساحة عربية معينة تحت خيمة الأمة وفي مجالها الحيوي الممتد من المحيط إلى الخليج.

ولد البعث ليوحد مكونات الرسالة الخالدة توحيداً نابعاً من روح الأمة فجعل الوحدة مرتبطة جدلياً بتحرير الأرض العربية المغتصبة والمحتلة، وبحق الأمة بثرواتها من خلال الربط الجدلي بين الاستقلال السياسي وبين الاستقلال الاقتصادي، وكذلك أوجد البعث قنوات اتصال وترابط حيوي بين الوحدة والاشتراكية وبين الحرية الفردية والجمعية، حرية الوطن وحرية الإنسان.

هكذا، نجح البعث نجاحاً باهراً في صناعة اشتراطات الصيرورة الجديدة للأمة، وأدخل الأمة فعلياً في رحم الولادة الجديدة.

قدم البعث للأمة الأدلة الكافية والإثباتات العملية الميدانية على أنه حزب الرسالة وأنه حزب الإيمان والاستعداد للتضحيات من أجل الرسالة. فقد واجه البعثيون قيادةً وقواعداً أنواع التعذيب والتنكيل والاعتقال والمطاردة والإبعاد والاعتقال والاجتثاث، بل قد واجهوا ما لم تواجهه حركة ولا حزب لا عربي ولا أجنبي على مدى تاريخ الحزبية والأحزاب في العالم، وواجه البعث ولما يزل يواجه كل أنواع العداء والاستهداف الفكري والإعلامي، والاستهداف بالسلاح والغزو وتبني إعلام التزوير والتنكيل والكذب والتلفيق لتشويه السمعة والتخوين والتجريم والتكفير بقيادة مباشرة معلنة سافرة من الصهيونية والماسونية والامبريالية الأمريكية وأجنحة التطرف الأمريكي والغربي، وكل ذلك من أجل إخراج البعث عن مسيره الوطني والقومي الثابت الراسخ المؤمن الصابر المحتسب وثني مناضليه عن الجهاد والنضال لإبقاء جذوة الصيرورة القومية برسالتها المجيدة قائمة متقدة.

لم تتمكن ماكينات التآمر والاستهداف والعداء من ثني البعث ومناضليه من الاستمرار برفع ثوابت حق الأمة فوق جحافل وكتائب نعوش الشهادة وتحدي الطواغيت، كما لم يحصل في تاريخ الأحزاب والقوى المناضلة. فلم تتمكن قوى الردة والانشقاق من تكبيل ثورة القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق ولم تتمكن قوى الكون الظالم المجرم كله من هز شعرة في جسد البطل البعثي الأسد الهصور الشهيد صدام حسين، وعجزت جيوش وسطوة الطيران المقاتل والمتجسس وخبرات جيوش المخابرات عن احباط ثورة وقيادة وجهادية الشهيد البطل عزة إبراهيم، وتساقطت خطط إيقاف فعل الحزب في العراق وفلسطين والسودان ولبنان والجزائر وموريتانيا واليمن والخليج وسوريا والأردن، على سبيل المثال لا الحصر.

سيبقى البعث سيف الأمة وعقلها يستلهم حضارة العرب ومجدهم ورسالاتهم التي كلفهم بها الله سبحانه وتعالى وخاتمها الإسلام الحنيف بقيادة محمد بن عبد الله العربي القرشي الهاشمي صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبتمثل عميق ثوري لرسالته السمحاء الحنيفة الثائرة.

وسيبقى نيسان ولادة متجددة عصية على الفناء، وستبقى الوحدة والحرية والاشتراكية هي عقل العربي وضميره، وستبقى الرسالة العربية المؤمنة الخالدة هي خط السير ومحفز العقل وثراء الروح القومية الشجاعة الباسلة.






السبت ٦ شــوال ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أيــار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة